حرب العطش في جنوب دمشق

10 سبتمبر 2014
تؤمّن هيئات خيرية ببعض المناطق صهاريج مياه مجانية للسكان(Getty)
+ الخط -

تعاني العديد من المناطق في جنوب العاصمة السورية دمشق، من شح المياه، وانقطاعها الكليّ أحياناً. ويتهم ناشطو المعارضة، النظام السوري، بتنفيذ عملية تعطيش لمناطق تسيطر عليها المعارضة، ولمناطق أخرى خاضعة لسيطرته. ويقول هؤلاء إنّ الهدف من العملية في مناطق المعارضة، محاولة إخضاعها لسلطته. وفي مناطق سيطرته، الربح المالي، من خلال بيع المياه بمبالغ مالية كبيرة.

وقد حذّر المجلس المحلي لحي الحجر الأسود، من كارثة إنسانية إذا استمر الحصار المفروض على المنطقة، والذي توّج بقطع المياه منذ أشهر. وناشد المسؤول الإغاثي هناك، محمود عباس، الحكومة المؤقتة (معارضة)، والمنظمات الإنسانية بتكثيف جهودها من أجل إنهاء الحصار المفروض على الحي بأسرع وقت ممكن. ويقول عباس، إنّ الحصار أودى، حتى الآن، بحياة نحو 70 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن. وتابع أنّ هؤلاء قضوا بسبب الجفاف، والجوع، ونقص الرعاية الطبية. كما اضطر أهل المنطقة إلى أكل الحشائش، التي باتت وجبة يومية لدى العائلات، نتيجة غلاء المواد الغذائية. وأشار، في هذا الإطار، إلى أن سعر كيلو الأرز وصل، في بعض الأوقات، إلى 10 آلاف ليرة سورية (80 دولاراً أميركياً).

في حي الحجر الأسود انعدمت مقومات الحياة. فمع الحصار وغياب الكهرباء والاتصالات، جاء الدور على المياه. وانقطاعها اليوم بشكل تام، ينذر بكارثة إنسانية. يقول الناشط الإعلامي المعارض أبو الدرداء لـ"العربي الجديد" إنّ الأهالي يضطرون للسير، مسافات طويلة، تحت أشعة الشمس، للحصول على مياه صالحة للشرب. ويتابع أنّ النظام يهدف إلى الضغط على الأهالي، والفصائل المقاتلة، للقبول بهدنة على غرار المناطق المجاورة مثل يلدا، ببيلا، وبيت سحم.

5 براميل

بعض المناطق في جنوب دمشق لم تنقطع عنها المياه. فما زالت متوافرة، ولو بكميات قليلة. تلك المناطق، كالتضامن والعسالي ومخيم اليرموك، باتت مقصداً للمناطق والأحياء الأخرى. ويقف يومياً عشرات الأطفال والرجال والنساء ساعاتٍ طويلة، من أجل الحصول على المياه. ويقول أبو الدرداء، إنّ هناك مشقة كبيرة في النقل لعدم توافر السيارات. فيضطر الأهالي إلى حمل الماء، عبر عربات تجر يدوياً، لمسافات طويلة.

من جهته، يجد الناشط المعارض، عاطف الصالح، أنّ بعض المناطق مثل ببيلا ويلدا وبيت سحم تعتبر محظوظة، إذ تتوافر فيها المياه نسبياً. وتباع المياه في هذه المناطق، من خلال صهاريج فوق شاحنات صغيرة تجوب الشوارع. ويقول الناشط إنّ البيع يكون غالباً بأسعار باهظة. وتصل كلفة خمسة براميل إلى 1250 ليرة سورية (10.5 دولارات أميركية). مع العلم أنّ المواطنين هناك يعانون، أساساً، من بطالة، وضعف في الموارد المالية. ومع ذلك تبقى هذه المناطق أفضل من جاراتها في ريف دمشق، التي لا وجود فيها للماء.

تجارة مربحة

في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، تتوافر مياه الشرب لساعات قليلة في اليوم. لكنّها بالكاد تصل، إلى الطوابق السفلى من الأبنية، أما الطوابق العليا فلا تصل إليها أبداً. هذا الأمر دفع بالسكان إلى وضع خزانات مياههم في الشارع، لا فوق الأسطح، كي يتسنى لهم تعبئتها.

وفي محاولات غير منتظمة للمساعدة، تقوم هيئات خيرية ومجالس محلية، في بعض المناطق بتأمين صهاريج مجانية للسكان، بين الحين والآخر. وهو ما جرى في مناطق كالحجر الأسود، ومخيم اليرموك. ومع ذلك، فإنّها تبقى مبادرات محدودة، مرتبطة بتوافر دعم مالي، وتسهيلات للحصول على المياه.

ولا تقتصر أزمة المياه على المناطق التي يحاصرها النظام السوري. فهي تمتد أيضاً، إلى المناطق الواقعة تحت سيطرته في العديد من أحياء ريف دمشق. فهناك تنقطع المياه عن منازل المواطنين لأكثر من يومين، أسبوعياً. لكنّ الناشطين يرون أنّ لهذا الإنقطاع أسباباً أخرى، تختلف عن حصار المناطق المعارضة. فهنا يحاول بعض الموظفين المقربين من النظام، وكذلك عناصر الأمن، التربح من الأزمة. وبالتالي يستفيد هؤلاء من قطع المياه عن الأحياء، ليبيعوها للسكان بأنفسهم. ويصل سعر الـ10 براميل، في هذه المناطق، إلى 1500 ليرة سورية (12 دولاراً أميركياً).

هذا الأمر، أدى ببعض المواطنين، إلى ترك منازلهم، والانتقال إلى قلب العاصمة، أو إلى محافظات أخرى تتوافر فيها المياه.