حرب السنة والشيعة لن تقع

05 يناير 2016
+ الخط -
تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات خطيرة نتيجة التصعيد الدبلوماسي بين السعودية وإيران، إثر إعدام الرياض معارضاً من رموز الطائفة الشيعية في المملكة.
لم يتأخر رد الفعل الإيراني، فقد صدرت تصريحات نارية عن كبار مراجع الشيعة، في إيران وخارجها، منددة ومتوعدة، واقتحم عشرات المحتجين مقر السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد، وأضرموا فيهما النار. وفي المقابل، بادرت الرياض إلى إعلان قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، لتدخل المنطقة مرحلة جديدة من الصراع الذي ظل محتدماً بينهما منذ عقود، وبين المذهبين اللذين يمثلانهما منذ قرون.
ليس الخلاف بين طهران والرياض وليد اليوم، ولم يكن ينتظر إعدام المعارض السعودي الشيعي لتتأجج نيرانه من جديد، فهو ظل قائماً منذ قيام الثورة الإيرانية التي قادها الملالي الشيعة في طهران عام 1979. ومنذ ذلك التاريخ، سعى هؤلاء إلى تصدير ثورتهم الشيعية إلى أكثر من دولة عربية وإسلامية، وبأكثر من وسيلة. ومن جهتها، عملت السعودية بكل ما لديها من وسائل مادية وإعلامية على احتواء الثورة الإيرانية في مهدها.
تبدو طبيعة الخلاف بين الدولتين، في مظهره، مذهبية بين الشيعة الذين تدّعي إيران تزعمهم والسنة الذين تسعى السعودية إلى تمثيلهم، لكنه في عمقه استراتيجي، لأن كلتا القوتين تريد أن تظهر بمظهر زعيمة العالم الإسلامي، وإقليمي لأن لكل منهما مصالحها الإقليمية الحيوية التي تسعى إلى الحفاظ عليها وتنميتها.
وطوال عقود هذا الصراع، لم يحدث أن تحول إلى مواجهة مباشرة، أو تطور إلى صراع مسلح بين الخصمين اللدودين، لأنه ظل يُخاض بالوكالة. وغالباً على أراضٍ غير أراضي دولهما. في البداية، خاضه نظام صدام حسين بالوكالة عن دول الخليج السنية، وفي مقدمتها السعودية التي دعمته بالمال والعتاد، لتغذية حربه القومية ضد الفرس. وفي سنوات "الحرب الباردة" بين أكبر قوتين إقليميتين، اتخذ هذا الصراع من لبنان أرضا لها، ومن طوائفه حطبا له.
لكن، مع اندلاع ثورات الشعوب العربية التي رفعت شعاراً مركزياً "الشعب يريد"، سعت كل
من طهران والرياض إلى احتواء هذا الغضب الشعبي، حتى لا تنتقل شرارته إلى أراضيهما، وسخّرتا كل إمكاناتهما لاحتواء رياح "الربيع العربي"، ولخدمة مصالحهما الإقليمية، وغالباً ما كان يتم ذلك تحت غطاء مذهبي.
وعلى إثر ذلك، دخل الصراع بين الغريمين مرحلة جديدة من المواجهة شبه المباشرة، كانت بدايتها في عراق ما بعد صدام حسين، وتجسدت بشكل كبير داخل البحرين وسورية ولبنان، لتتطور إلى حرب مفتوحة في اليمن، دفعت السعودية لأول مرة في تاريخها منذ تأسيسها إلى قيادة حربٍ بنفسها على الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران.
التصعيد الخطير الحاصل اليوم في العلاقات بين طهران والرياض ما هو إلا صدى لحروبهما التي يقودانها، مباشرة أو بالوكالة في أكثر من بؤرة مشتعلة في المنطقة. وهي ليست بالضرورة دفاعاً عن أي من المذهبين اللذيْن تسعى كل منهما إلى تمثيله في العالم، إنه صراع المصالح، حتى وإن سعى بعضهم إلى أن يضفى عليه لبوس حرب المذاهب.
فالصراع بين السنة والشيعة ظل قائما منذ قرون، ولن ينتهي اليوم ولا غداً. وطوال القرون الأربعة عشر الماضية، شهد العالم الإسلامي ما يكفي من الحروب المأساوية بين الشيعة والسنة، لم تفلح في إنهاء الخلاف الإيديولوجي الذي سيظل قائماً بينهما إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. لكن، في المقابل، شهد العالم الإسلامي، أيضا، قروناً من التعايش السلمي بين الشيعة والسنة، أنتج حضارات وثقافات تحولت إلى إرث إنساني، وليس فقط إرثاً إسلاميا.
يجب وضع الصراع المحتدم اليوم بين السعودية وإيران في إطاره الصحيح، فهو صراع سياسي، يبرّره كل طرف بدفاعه عن مصالحه الإقليمية، ومن الخطأ إقحام صراع المذاهب فيه، لأن من يحاول أن يفعل ذلك كمن يلعب بالنار في منطقةٍ، ترقد على براميل متفجرة من الثأر المذهبي الذي راكمته قرون من الحروب والدماء.
منطقة الشرق الأوسط حبلى اليوم بحروبٍ طائفيةٍ كثيرة يذهب ضحيتها يومياً عشرات بل مئات الأبرياء، نتج ذلك بسبب إدماج الدين في الصراعات السياسية، ولا تحتاج إلى إشعال المزيد منها، ومن يسعى، اليوم، أن يدخل الصراع المذهبي بين الشيعة والسنة، وعمره عدة قرون، إلى ساحة الصراع السياسي الإقليمي بين طهران وإيران، وعمره عدة عقود، كمن يصب الزيت على النار، فالحرب بين الشيعة والسنة عندما تقع بين أكبر قوتين تمثلان أكبر مذهبين في العالم الإسلامي ستحرق نيرانها المنطقة كلها.
يجب أن ندعو الله أن لا تقع الحرب بين السنة والشيعة، حتى وإن كان من غير المتوقع لها أن تقع، بل ولا يجب لها أن تقع، لأن الخلاف الإيديولوجي الذي لم تحسمه قرون، لن تنهيه الحروب التي لن تزيد سوى من إشعال نار الفتن النائمة، لعن الله من أيقظها، ومن ينفخ في الجمر الراقد تحت رمادها.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).