وأعقب التوترَ الذي تسببت به الإمارات تعرُّضُ موقعٍ عسكري لقوات الجيش الموالية للشرعية لغارة جوية يُعتقد أنها نفذت من قبل مقاتلات التحالف في منطقة نِهم شرق صنعاء. ووفقاً للمعلومات الأولية، والتي تحفظت مصادر في قوات الشرعية عن تأكيدها أو نفيها بصورة رسمية لـ"العربي الجديد"، فإن قيادات عسكرية رفيعة المستوى قُتلت جراء الغارة، بينها قائد عمليات اللواء 133، العميد محمد الحاوري، وقائد التوجيه في اللواء، عبدالله عابد، بالإضافة إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
وقفزت محافظة شبوة اليمنية إلى واجهة التصعيد بين الشرعية وبين التحالف، الذي حاول التغطية عليها، من خلال الإعلان، أمس الإثنين، عن عملية عسكرية تستهدف تنظيم "القاعدة"، عقب التصريحات الخطيرة التي أدلى بها وزير النقل. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن التصريحات أتت بعد أيام من بروز أزمة بين القيادات المحلية والأمنية المحسوبة على الشرعية، وبين ما يُعرف بـ"قوات النخبة الشبوانية"، التي تأسست بدعم وإشراف الإمارات، وتُصنف على أنها تابعة لها. وأشارت إلى أن الأسبوع الماضي شهد اشتباكات بين هذه القوة ومسلحين قبليين محسوبين على الشرعية، بالإضافة إلى محاولات من "النخبة" بسط سيطرتها على مراكز شرطة، وإنشاء نقاط تفتيش في المحافظة، واعتقال عناصر في قوات الشرعية.
وكشفت وثيقة مسربة، عبارة عن شكوى وجهها قائد محور عتق (مركز المحافظة)، عزيز ناصر العتيقي، ومدير عام الشرطة في المحافظة، مسعود الدحبول، ومحافظ شبوة، علي الحارثي، إلى قيادات قوات التحالف، منذ أيام، بأن "قوات النخبة الشبوانية" تعمل خارج إطار السلطة المحلية والعسكرية في المحافظة، وتقوم بإيقاف القيادات الأمنية والعسكرية ولا تسمح لها بالمرور عبر نقاطها إلا بعد تلقي توجيهات غرف العمليات التابعة لها، وأنها اعتقلت أفراداً من الجيش والأمن، بما في ذلك، اعتقال مدير الأمن في منطقة الروضة وعناصر، واقتيادهم إلى منطقة عزان. وطالبت قيادة السلطة المحلية والقيادات العسكرية بإخضاع "قوات النخبة الشبوانية" إلى إشراف اللجنة الأمنية بالمحافظة، وأن تسلم المقرات التي سيطرت عليها، وتعتذر عن الممارسات التي تقوم بها، بالإضافة إلى خروجها من عتق وتسليمها إلى قوات الجيش والأمن، لتجنب حدوث أي احتكاك أو صدام معها.
وفيما بقيت الأزمة بحدود الحوادث، إلى ما قبل يومين، جاءت الخطوة التي أقدمت عليها "قوات النخبة الشبوانية" بمنع وزير النقل ووفد حكومي من الوصول إلى إحدى المناطق الساحلية لافتتاح ميناء "قنا" في المحافظة، لتنقل الأزمة إلى واجهة التطورات اليمنية، بسبب التصريحات التي أدلى بها الجبواني. وعقد الوزير اليمني، مؤتمراً صحافياً، أول من أمس، عقب منعه من الوصول إلى ميناء "قنا" في محافظة شبوة، كشف خلاله تفاصيل منع عناصر من "النخبة الشبوانية" من وصوله إلى الميناء، الذي كان من المقرر أن يقوم بوضع حجر الأساس لإنشائه في منطقة بلحاف. وباعتبار الوزير أن قوات "النخبة" لا تتبع الحكومة اليمنية وإنما تتبع الإمارات، فقد أزاح "غطاء الشرعية" عن ممارسات هذه القوات. وأكد في السياق، أنه تم إبلاغهم من قبل عناصر "النخبة"، الذين منعوا موكبه من الوصول إلى الميناء، أنهم قاموا بذلك بأوامر صادرة من القوات الإماراتية. ومن أبرز ما كشف عنه الجبواني، الذي عينه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في ديسمبر/كانون الأول العام 2017، هو أن رئيس الهيئة العامة للأركان في القوات المسلحة الإماراتية، كان يوم السبت الماضي، متواجداً في منطقة بلحاف الساحلية في شبوة، في مؤشر آخر، على حجم ومستوى الصراع الدائر في المحافظة بين الحكومة الشرعية والقوات الإماراتية. فضلاً عن أن الزيارة غير المعلنة، تعكس صورة عن الحضور الإماراتي العسكري في اليمن، وكيف أن قيادات عسكرية رفيعة المستوى باتت تتحرك وتزور مناطق تتواجد فيها الإمارات، دون تنسيق مع الجانب اليمني. ولم يستبعد الجبواني أن يكون رئيس الأركان الإماراتي نفسه يقف وراء أوامر منعه من الوصول إلى الميناء.
إلى ذلك، أطلق الجبواني تصريحات، هي الأولى من نوعها لمسؤول في الحكومة الشرعية، تمثل انتفاضة بحد ذاتها من وسط الشرعية تجاه التحالف، والإمارات تحديداً، إذ أعلن الوزير اليمني أن الإمارات أنشأت جيوشاً قبلية ومناطقية، وأن المناطق المحررة من الحوثيين، والجنوبية خصوصاً (التي تعد أبوظبي صاحبة القرار الأول فيها عسكرياً إلى حد كبير)، تعيش وضعاً سيئاً جداً. وخلافاً لما تردده الإمارات عن الحملات التي تقوم بها القوات المدعومة منها ضد تنظيم "القاعدة"، أشار الجبواني، إلى انتشار مسلحي "القاعدة" على نحو غير مسبوق في محافظات يمنية. ووصف "قوات النخبة"، التي تأسست بإشراف ودعم إماراتي، بأنها أقرب إلى شركات أمنية، على غرار "بلاك ووتر". وحذر من عدم تصحيح الوضع، قائلاً "إما نصحح الوضع، وتكون الإمارات حليفاً للحكومة فقط، وإلا سنتخذ قراراً سياسياً من أعلى المستويات إلى أدناها، بأن هذه الشراكة (مع التحالف) ذهبت في اتجاهات أخرى". وأضاف "نحن كدولة لن نقبل باستمرار هذا الوضع. لا بد من تصحيح العلاقة في إطار التحالف، وإلا فأنا كعضو في الحكومة لا يشرفني الاستمرار في هذه الحكومة".
وتمثل تصريحات الجبواني اتهامات خطيرة في مجملها، تعني في ما تعني أن الوجود الإماراتي في اليمن بات متهماً بشكل رسمي من الحكومة الشرعية بالقيام بأعمال خطيرة، تهدد وحدة واستقرار البلاد، من خلال إنشاء قوات غير خاضعة للحكومة، ومنع الجانب اليمني الحكومي، من ممارسة مهامه في المناطق التي تُوصف بالمحررة. كل ذلك، يمثل منعطفاً خطيراً في علاقة التحالف بالحكومة اليمنية، إذ كان من الطبيعي أن تصدر الاتهامات التي أطلقها الجبواني من طرف كالحوثيين، لكن أن تصدر عن الحكومة الشرعية، فإن ذلك يمثل خطوة لها ما بعدها على الأرجح، إذ لم يعد بإمكان التحالف، بعد اليوم، التغطية على ما يدور في المناطق الجنوبية، بعد أن انتقلت الاتهامات، التي كانت ترددها وسائل الإعلام والشخصيات المحلية ومعارضو التحالف، إلى لسان الحكومة الشرعية، التي يفترض أن التحالف جاء لدعمها ضد انقلاب الحوثيين.
ويبدو أن شبوة، بما أنها محافظة نفطية تتمتع بأهمية جيوسياسية، باعتبارها إحدى المحافظات المعتبرة من حيث المساحة والثروة والشريط الساحلي، وتمثل حلقة الوصل جنوباً بين عدن ومحيطها وبين محافظات الشرق، (حضرموت ومحيطها)، وصولاً إلى الطبيعة السياسية والاجتماعية للمحافظة، إذ تتمتع مختلف الأطراف فيها بنفوذ متفاوت، وتحضر فيها الدعوات الانفصالية بصورة أقل مما هي عليه في المحافظات الجنوبية الأخرى. ومن الناحية الأمنية، فإن شبوة تعد على رأس مناطق اليمن المهمة عسكرياً وأمنياً، سواء لاعتبارات المساحة والموقع والثروة أو لكونها إحدى أهم المحافظات التي يتمتع فيها تنظيم "القاعدة" بالنفوذ والانتشار. الجدير بالذكر، أنه وعقب التصريحات التي أدلى بها الوزير اليمني، أعلنت القوات المدعومة إماراتياً، عن عملية ضد "القاعدة" في منطقة الصعيد في المحافظة. إلا أن الإعلان لم يكن كافياً لامتصاص أصداء "الفضيحة" والاتهامات الخطيرة التي أطلقها مسؤول حكومي، والتي رأى يمنيون أنها قد تؤدي إلى تصعيد غير مسبوق بين الشرعية والتحالف، أو قد تدفع التحالف لإجراء مراجعة في محاولة لتحسين صورته أمام الرأي العام اليمني.
كما جاءت الانتقادات بالتزامن مع إعلان هادي تعيين مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس الأركان السابق، الفريق محمد علي المقدشي، قائماً بأعمال وزير الدفاع، وهو التعيين الأول من نوعه منذ تصاعد الحرب بالبلاد.