01 فبراير 2019
حربٌ يمنيّةٌ وجدلٌ مغربيّ
رسمياً، ومن بيانات الخارجية المغربية، يتأسس قرار انضمام المغرب إلى "التحالف من أجل دعم الشرعية في اليمن"، على ثلاث حجج رئيسية: الأولى، أنه جاء استجابة لطلب عبد ربه منصور هادي، بوصفه "الرئيس الشرعي للجمهورية اليمنية". والثانية، "دعم الشرعية في اليمن والتضامن مع مناصريها". الثالثة، تتعلّق بـ"الالتزام الموصول بالدفاع عن أمن الشقيقة المملكة العربية السعودية والحرم الشريف، وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تجمعه بالمملكة المغربية شراكة استراتيجية متعددة".
لم تكن المُشاركة المغربية، على رمزيتها، لتمر من دون جدلٍ. جاء أول ردود الفعل من المجتمع المدني، وأساساً من تنظيماته الحقوقية، حيث اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنها ترفض رفضاً قاطعاً أي "تدخل عسكري في المنطقة، وأي استغلال للوضع في اليمن، سواء من القوى الديكتاتورية المستبدّة المتورطة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلدانها، أو من الامبرياليات الداعمة لها، والتي كان لها دور كبير في إجهاض حراك شعوب المنطقة العربية والمغاربية وثوراتهم". وخارج الصمت الحزبي السائد، دان الحزب الاشتراكي الموحد، أحد التنظيمات السياسية اليسارية، الدعم المغربي لهذه الحرب التي وصف قيادتها بالتحالف "الرجعي الإمبريالي".
وقد سجل الجزء الكبير من كتّاب الرأي والافتتاحيات في الصحافة المكتوبة موقفاً حاسماً ضد المشاركة المغربية في حربٍ وصفت بأنها "قادمة من أيام الجاهلية"، وأنها "ليست حرباً بين الشعوب. حرب أطماع وليست حرب مبادئ. حرب أنظمة غير ديمقراطية لا تعرف كيف تتحاور وتتفاوض وتتنازل لبعضها، لإنقاذ حياة البشر"، ومن شأنها، لدى كُتّابٍ آخرين، أن تؤجّج التعصب الطائفي والمذهبي، وهي، قبل ذلك حرب "بليدة وظالمة".
وقد عبّر حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، ما يفيد بتفهّمه المشاركة المغربية في هذه الحرب، وبدا ذلك كما لو كان استكمالاً من الحزب، ذي المرجعية الإسلامية، لمرحلة "التّمرُنِ على الدولة"، والتي تجلّت، قبل أيام، في بحثه عمّا يكفي من مبررات، وهو الذي ظل يعتبر ما وقع في مصر انقلاباً واضحاً على الشرعية، لتسويغ استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي أمينه العام ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على هامش تمثيله الدولة المغربية في القمة العربية في شرم الشيخ.
جزء آخر من هذا الجدل حول حرب اليمن اتخذ شكل تناظرٍ دستوري وقانوني بشأن تكييف المشاركة المغربية وشكليات "إعلان الحرب". واعتبر بعض الفقه الدستوري أن قرار مشاركة المغرب في الحرب على جماعة الحوثيين في اليمن يُعدّ "إشهاراً للحرب" الذي تُنظمه مقتضيات دستور 2011، ما يعني أن الدولة المغربية لم تلتزم بمنطوق الدستور في هذا الموضوع. وفي الدستور المغربي، يدرج الفصل 49 منه "إشهار الحرب" ضمن اختصاصات المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك. ويؤكد الفصل 99 أن اتخاذ قرار "إشهار الحرب" في المجلس الوزاري يتم "بعد إحاطة البرلمان علماً بذلك من لدن الملك".
في المقابل، اعتبر باحثون آخرون أن الواقعة "لا تتعلّق بإشهار الحرب" الذي "له شكليات دستورية محددة"، موضحين أن المغرب في حالة اليمن "مشارك ومساند لتحالف إقليمي"، بعد أن قرّر "الاستجابة لطلب من الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي"، بوصفه "الرئيس الشرعي لليمن"، وأن ذلك تم بناءً على التزامات المغرب الدولية والإقليمية بـ"الإسهام في تفعيل مبادئ التضامن والدفاع المشترك"، و"مواصلة العمل على المحافظة على السلام والأمن في العالم"، كما هو منصوص عليه في ديباجة الدستور لسنة 2011. وعليه، يرى هذا التحليل أن مشاركة المغرب إلى جانب التحالف ضد جماعة الحوثي في اليمن لا يمكن أن "تكيّف" تدخلاً عسكرياً مباشراً، وإنما مجرد "دعم ومساندة لحلفائه في دول الخليج"، وهو ما يحيل على الطريقة نفسها التي تصرّف بها عندما تعلّق الأمر بالتحالف الدولي ضد داعش في العراق، قبل أشهر، حين قرّرت المملكة تقديم دعم إنساني ولوجيستيكي فقط، أما مشاركة قوات جوية مغربية في تلك الحرب فقد تمت باسم الإمارات العربية المتحدة، وفي إطار اتفاقية التعاون والدفاع المشترك بينهما.
واعتبر الرأي الذي يقول بعدم دستورية هذه الخطوة، رداً على هذا اللبس في التكييف، أن احترام الشكليات الواردة في الدستور يبقى أساسياً، مهما كان مفهوم إشهار الحرب غامضاً وضبابياً.
وتسمح إعادة بناء مفردات النقاش العام داخل الساحة المغربية بشأن المساهمة المغربية في عاصفة الحزم، في الوقت نفسه، بإعادة اكتشاف حدود الحوار العمومي الوطني حول قضايا السياسة الخارجية، فالأحزاب السياسية لم تهتم أصلاً بالموضوع، مُفضّلة انشغالها الأساسي المعتبر، التراشق الإعلامي الهابط والمشخصن، والنزول بالنقاش السياسي إلى قعر الرداءة، خصوصاً وهي تكتشف موضوعاً جديداً لحربها الكلامية التافهة، وهو النبش في الحياة الخاصة للوزراء!
كما أن التداول في هذا الموضوع لم يصل إلى عتبة المؤسسة البرلمانية، إذ لم يُخصّص للمشاركة المغربية في "عاصفة الحزم" ولو اجتماعٌ "شكليٌ للإخبار" لإحدى لجنتي الخارجية في مجلسي البرلمان. واستبطان النخب السياسية المغربية اندراج القضايا الخارجية ضمن المجال المحجوز للملك يجعلها تفضّل الصيام على الكلام في شأن مخرجات وقرارات الدولة المتعلقة بالعلاقات الدولية للمملكة. لكن، في المقابل، إن يقظة المجتمع المدني وحيوية الشباب النشيط في شبكات التواصل الاجتماعي، جعلت من موضوع التعليق على المساهمة المغربية في "عاصفة الحزم" موضوعاً أثيراً للجدل والنقاش والنقد.
مرة أخرى، إذن، يعيد المتتبعون للحياة السياسية المغربية اكتشاف انزياح الفضاء العمومي التداولي من حلبة المؤسسات الرسمية والدوائر الحزبية إلى مجالات الفعل المدني والصحافة المستقلة ووسائط الاتصال الحديثة.
لم تكن المُشاركة المغربية، على رمزيتها، لتمر من دون جدلٍ. جاء أول ردود الفعل من المجتمع المدني، وأساساً من تنظيماته الحقوقية، حيث اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنها ترفض رفضاً قاطعاً أي "تدخل عسكري في المنطقة، وأي استغلال للوضع في اليمن، سواء من القوى الديكتاتورية المستبدّة المتورطة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلدانها، أو من الامبرياليات الداعمة لها، والتي كان لها دور كبير في إجهاض حراك شعوب المنطقة العربية والمغاربية وثوراتهم". وخارج الصمت الحزبي السائد، دان الحزب الاشتراكي الموحد، أحد التنظيمات السياسية اليسارية، الدعم المغربي لهذه الحرب التي وصف قيادتها بالتحالف "الرجعي الإمبريالي".
وقد سجل الجزء الكبير من كتّاب الرأي والافتتاحيات في الصحافة المكتوبة موقفاً حاسماً ضد المشاركة المغربية في حربٍ وصفت بأنها "قادمة من أيام الجاهلية"، وأنها "ليست حرباً بين الشعوب. حرب أطماع وليست حرب مبادئ. حرب أنظمة غير ديمقراطية لا تعرف كيف تتحاور وتتفاوض وتتنازل لبعضها، لإنقاذ حياة البشر"، ومن شأنها، لدى كُتّابٍ آخرين، أن تؤجّج التعصب الطائفي والمذهبي، وهي، قبل ذلك حرب "بليدة وظالمة".
وقد عبّر حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، ما يفيد بتفهّمه المشاركة المغربية في هذه الحرب، وبدا ذلك كما لو كان استكمالاً من الحزب، ذي المرجعية الإسلامية، لمرحلة "التّمرُنِ على الدولة"، والتي تجلّت، قبل أيام، في بحثه عمّا يكفي من مبررات، وهو الذي ظل يعتبر ما وقع في مصر انقلاباً واضحاً على الشرعية، لتسويغ استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي أمينه العام ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على هامش تمثيله الدولة المغربية في القمة العربية في شرم الشيخ.
جزء آخر من هذا الجدل حول حرب اليمن اتخذ شكل تناظرٍ دستوري وقانوني بشأن تكييف المشاركة المغربية وشكليات "إعلان الحرب". واعتبر بعض الفقه الدستوري أن قرار مشاركة المغرب في الحرب على جماعة الحوثيين في اليمن يُعدّ "إشهاراً للحرب" الذي تُنظمه مقتضيات دستور 2011، ما يعني أن الدولة المغربية لم تلتزم بمنطوق الدستور في هذا الموضوع. وفي الدستور المغربي، يدرج الفصل 49 منه "إشهار الحرب" ضمن اختصاصات المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك. ويؤكد الفصل 99 أن اتخاذ قرار "إشهار الحرب" في المجلس الوزاري يتم "بعد إحاطة البرلمان علماً بذلك من لدن الملك".
في المقابل، اعتبر باحثون آخرون أن الواقعة "لا تتعلّق بإشهار الحرب" الذي "له شكليات دستورية محددة"، موضحين أن المغرب في حالة اليمن "مشارك ومساند لتحالف إقليمي"، بعد أن قرّر "الاستجابة لطلب من الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي"، بوصفه "الرئيس الشرعي لليمن"، وأن ذلك تم بناءً على التزامات المغرب الدولية والإقليمية بـ"الإسهام في تفعيل مبادئ التضامن والدفاع المشترك"، و"مواصلة العمل على المحافظة على السلام والأمن في العالم"، كما هو منصوص عليه في ديباجة الدستور لسنة 2011. وعليه، يرى هذا التحليل أن مشاركة المغرب إلى جانب التحالف ضد جماعة الحوثي في اليمن لا يمكن أن "تكيّف" تدخلاً عسكرياً مباشراً، وإنما مجرد "دعم ومساندة لحلفائه في دول الخليج"، وهو ما يحيل على الطريقة نفسها التي تصرّف بها عندما تعلّق الأمر بالتحالف الدولي ضد داعش في العراق، قبل أشهر، حين قرّرت المملكة تقديم دعم إنساني ولوجيستيكي فقط، أما مشاركة قوات جوية مغربية في تلك الحرب فقد تمت باسم الإمارات العربية المتحدة، وفي إطار اتفاقية التعاون والدفاع المشترك بينهما.
واعتبر الرأي الذي يقول بعدم دستورية هذه الخطوة، رداً على هذا اللبس في التكييف، أن احترام الشكليات الواردة في الدستور يبقى أساسياً، مهما كان مفهوم إشهار الحرب غامضاً وضبابياً.
وتسمح إعادة بناء مفردات النقاش العام داخل الساحة المغربية بشأن المساهمة المغربية في عاصفة الحزم، في الوقت نفسه، بإعادة اكتشاف حدود الحوار العمومي الوطني حول قضايا السياسة الخارجية، فالأحزاب السياسية لم تهتم أصلاً بالموضوع، مُفضّلة انشغالها الأساسي المعتبر، التراشق الإعلامي الهابط والمشخصن، والنزول بالنقاش السياسي إلى قعر الرداءة، خصوصاً وهي تكتشف موضوعاً جديداً لحربها الكلامية التافهة، وهو النبش في الحياة الخاصة للوزراء!
كما أن التداول في هذا الموضوع لم يصل إلى عتبة المؤسسة البرلمانية، إذ لم يُخصّص للمشاركة المغربية في "عاصفة الحزم" ولو اجتماعٌ "شكليٌ للإخبار" لإحدى لجنتي الخارجية في مجلسي البرلمان. واستبطان النخب السياسية المغربية اندراج القضايا الخارجية ضمن المجال المحجوز للملك يجعلها تفضّل الصيام على الكلام في شأن مخرجات وقرارات الدولة المتعلقة بالعلاقات الدولية للمملكة. لكن، في المقابل، إن يقظة المجتمع المدني وحيوية الشباب النشيط في شبكات التواصل الاجتماعي، جعلت من موضوع التعليق على المساهمة المغربية في "عاصفة الحزم" موضوعاً أثيراً للجدل والنقاش والنقد.
مرة أخرى، إذن، يعيد المتتبعون للحياة السياسية المغربية اكتشاف انزياح الفضاء العمومي التداولي من حلبة المؤسسات الرسمية والدوائر الحزبية إلى مجالات الفعل المدني والصحافة المستقلة ووسائط الاتصال الحديثة.