ليس سرا أن الكثيرين سيخرجون خاسرين من هذه الإضرابات التي انطلقت قبل 15 يوما، احتجاجا على مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد في فرنسا، والذي تريد منه الحكومة إقرار نظام شامل، يضع حدا لـ42 نظام تقاعد خاصا أو مستقلا.
الفرنسيون، وخاصة في باريس وضواحيها، الذين يستخدمون وسائل النقل العمومية يعيشون فوضى كبيرة في الوصول إلى عملهم، والبعض منهم يُضطر لاستخدام وسائل نقل خاصة، سيارات تاكسي وغيرها، أو يضطر للبقاء في عين المكان، وحجز فندق، مما سيؤثر سلبا على مرتباتهم، نهاية الشهر، خاصة وأن الموسم موسم أعياد وهدايا وتنقل وزيارات أهل.
كما أن المُضربين، الذين يخوضون هذا الصراع، والذين يتوعدون بمواصلته أثناء الأعياد وما بعدها، خاسرون أيضا، وسيتلقون مرتّبات هزيلة في نهاية هذا الشهر، إذ إن المضربين لا يتلقون تعويضات طيلة أيام الإضراب.
وإلى جانب هؤلاء يعبر أصحاب المتاجر والفنادق والمطاعم في العاصمة وضواحيها عن قلق كبير وجدي، من أن استمرار الإضراب، إلى أجل غير معروف، يُؤثر، سلبا، عليهم، ويدفع المواطنين لاستهلاك أقلّ، في حين أن الأجواء لا تساعد على وصول سياح كثيرين، يستطيعون إنقاذ الموسم التجاري.
كما أنّ معظم المقاهي والمطاعم شهدت عزوفا كبيرا لزبائنها، والشيء نفسه تشهده المسارح، ويقدر إلغاءات الحجز في هذه الأيام، بنسبة 40 في المائة.
والتذمر نفسه تعرفه فنادق العاصمة، التي تشهد، عادة، في مثل هذه التواريخ، وصول سياح، من الداخل الفرنسي، وأيضا من الخارج.
ولأنه لا يزال ممكنا إنقاذ الموسم، أو التخفيف من الخسارات، تريد الحكومة الوصول إلى "هدنة" مع النقابات، طيلة أعياد الميلاد ورأس السنة، وهو مطلب "غُرَف التجارة والصناعة" كذلك، التي تأمل وقف الإضرابات في قطاع النقل.
وأكدت في بيان لها، صدر أمس الأربعاء، 18 ديسمبر/كانون الأول، أن "للإضرابات الحالية تأثيرا سلبيا على كل قطاعات الاقتصاد في البلد"، وأضاف البيان: "إننا في مرحلة استراتيجية بالنسبة للتجارة والسياحة في بلدنا"، إذ إنهما القطاعان اللذان تأثرا، أكثر، بالإضرابات الحالية. وشدد رئيس هذه الجمعية، بيير غوغي، على أن "كثيرا من القطاعات تعرضت لخسارات كبيرة، وهي في حاجة إلى هدنة سريعة حتى لا تَنهار".
ويتحدث تجار العاصمة، بشكل متفَّق عليه، عن انخفاض مبيعاتهم بنسبة 25 إلى 30 في المائة، في باريس والضاحية، في الأسبوع الأخير.
من جهته أشار رئيس "مجلس تجارة فرنسا" (cdcf)، ويليام كيبيرلي، إلى أن كل القطاعات تأثرت بهذه الإضرابات في باريس والضواحي، وإن كانت قطاعات العطور والألعاب والشوكولاتة، هي الأكثر تعرّضاً للخسارات، بسبب طبيعة الموسم (الأعياد والهدايا). وهي أوضاع تختلف عن أوضاع الأقاليم الأخرى التي تعتبر التجارة فيها مستقرة، والتي لم تؤثر عليها الإضرابات المتواصلة.
من جهتها، أعلنت وزارة الاقتصاد عن إجراءات دعم شركات السياحة في العاصمة وضواحيها. وذلك بعد اجتماع في الوزارة حضره ممثلون عن قطاعات التجارة والصناعة التقليدية والفندقة والنقل، تقرّر فيه إعادة تنشيط إجراءات الدعم لمساعدة شركات قطاع السياحة في باريس وضواحيها، التي تأثرت بحركة الإضراب احتجاجا على إصلاح نظام المعاشات.
وتتمثل هذه المساعدات في استفادة الشركات من تمديد دفع تكاليف الضريبة والضمان الاجتماعي، وأيضا إجراءات البطالة الجزئية وأيضا السماح بفتح المتاجر أيام الآحاد.
وعلى الرغم من أنه لا يعرف، بالتحديد، حجم الخسائر، إلاّ أن عودة الأمور إلى طبيعتها، قد تخفف الخسائر، وتعيد البهجة إلى الأعياد، وهذا متوقف على اتفاق بين النقابات والحكومة، وبسبب البَوْن الشاسع بين مواقفهما، فإن التفاؤل ليس على موعد.