حرائق الأمازون... كوكب الأرض مصاب في رئتَيه

24 اغسطس 2019
ألسنة النار التهمت المساحات الخضراء (فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت النيران تلتهم مساحات كبيرة من غابات الأمازون، وسط مخاوف المعنيين من تدهور أكبر في المناخ، لا سيّما أنّ تلك الحرائق قد تساهم في زيادة الاحتباس الحراري حول العالم.

"رئتا كوكب الأرض". هذه هي غابات الأمازون التي تنتج نحو 20 في المائة من الأوكسجين في العالم، بحسب ما يجمع الخبراء. لكنّ الحرائق تهدّد هاتَين الرئتَين، وبالتالي كوكب الأرض، لا سيّما أنّها مستمرّة منذ نحو ثلاثة أسابيع وقد فاق عددها هذا العام ما سُجّل في العام الماضي بنحو 80 في المائة، وفقاً لبيانات المعهد الوطني لأبحاث الفضاء في البرازيل. ووسط ما يمكن اعتباره "كارثة عالمية"، بدأ الادعاء العام في البرازيل تحقيقاته حول أسباب الحرائق الضخمة في غابات الأمازون، فيما دعت الأمم المتحدة وكذلك فرنسا الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو إلى التحرّك لحماية الغابات التي تستعرّ فيها النيران، والهدف إنقاذ "رئتَي الأرض". لكنّ بولسونارو اتّهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالعمل "بعقلية استعمارية"، بعدما كان الأخير قد أكّد أنّه سوف يبحث مع قادة مجموعة السبع في قمّتهم المقبلة قضية حرائق الغابات في الأمازون. ولم يتوقّف بولسونارو هنا، بل اتهم منظمات غير ربحية بالوقوف وراء "إشعال" عدد كبير من حرائق الغابات بعد تخفيض ميزانياتها.

بعيداً عن التجاذبات السياسية ومواقف الرئيس البرازيلي الذي لطالما أثار الجدال، كان لـ"العربي الجديد" حديث مع مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند (لبنان)، الدكتور جورج متري، حول الموضوع. يقول متري إنّ "حرائق غابات هذا العام كسرت الأرقام القياسية حول العالم، خصوصاً في الأمازون، حيث تستمر منذ ثلاثة أسابيع"، لافتاً كذلك إلى "حرائق استمرت على مدى ثلاثة أشهر، وما زال بعضها مشتعلاً، في دائرة القطب الشمالي. وتلك الحرائق التي تؤدّي إلى انبعاث ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان، من شأنها أن تفاقم الاحتباس الحراري. فالسخام الناجم عن تلك الحرائق يعود ليسقط على الجليد، ويساهم بالتالي بذوبانه بطريقة أسرع. فالسخام يضعف قدرة الجليد على عكس أشعة الشمس والتالي الحفاظ على حرارة الأرض".

"تضامناً مع الأمازون" (فرانس برس)

يضيف متري: "بالعودة إلى الأمازون، فإنّ الحرائق هناك تتكرر في كل عام في مثل هذا الوقت، أي في موسم الجفاف الممتد من منتصف أغسطس/ آب وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني. وهذا العام، سُجّل نحو 75 ألف حريق في هذه المنطقة التي تُعَدّ الغابات الاستوائية الأكبر في العالم". يُذكر أنّ بيانات المعهد الوطني لأبحاث الفضاء في البرازيل تفيد بأنّ هذا العدد هو الأكبر منذ عام 2013. ويتابع أنّ "تلك الغابات تضمّ مخزوناً كبيراً من الكربون الذي من شأنه أن يؤثّر على الاحتباس الحراري عندما يتحوّل إلى ثاني أكسيد الكربون بسبب الحرائق التي تُعَدّ الأكبر في المنطقة اليوم. كذلك فإنّ ثمّة أهمية إيكولوجية كبرى لتلك الغابات، إذ إنّها تضمّ ثلاثة ملايين نوع من النبات والحيوان".

ويؤكّد متري أنّ "النار أداة سهلة لحرق الغابات وتحويل وجهة استخدامها. والحرائق الأخيرة من شأنها أن تحوّل الغابات إلى أراضٍ زراعية أو إلى مراعٍ أو إلى مساحات للمناجم. لطالما استخدم الإنسان النار لتحويل الغطاء الحرجي إلى مراعٍ، خصوصاً أنّ البرازيل تُعَدّ من أكبر الدول المصدّرة للحوم حول العالم. ولأنّها كذلك، فهي بحاجة إلى مساحات كافية لرعي الماشية". ويكمل أنّ "ما يزيد الأمر سوءاً هو الجفاف الذي يصيب تلك المناطق، إذ إنّه يجعل التعامل مع الحرائق أكثر صعوبة. هو يُعَدّ مسرّعاً لتلك الحرائق. والمخيف أنّ الحرائق تساهم في تدهور الغابات. ونحن كنّا قد خسرنا منذ منتصف القرن الماضي نحو 15 أو 20 في المائة من الغابات، فيما نمضي في خسارة نسبة مشابهة. والخسارة تأتي من خلال الحرائق وكذلك قطع الغابات، علماً أنّنا نخسر في الدقيقة الواحدة مساحة تعادل مساحة ملعب كرة قدم. وتلك الخسارة من شأنها أن تتسبب في تفاقم حالة الاحتباس الحراري". بالنسبة إلى متري، فإنّه "من الممكن الحديث عن أزمة مناخية، لا سيّما أنّ الحرائق في تلك الغابات تهدّد العالم كله وليس فقط منطقتها. فهي (حرائق الغابات) تأتي إلى جانب المشكلات البيئية الأخرى التي يعانيها الكوكب اليوم لتصعّب أكثر التعامل مع الأزمة، لا بل تؤدّي إلى تفاقمها. فذلك كله يفوق قدرة الإنسان".




حلقة مفرغة

حول موقف منظمة "غرينبيس" البيئية غير الحكومية من حرائق غابات الأمازون الأخيرة، يقول مسؤول حملات المنظمة جوليان جريصاتي لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما يجري منذ ثلاثة أسابيع يُعَدّ كارثة حقيقية، وآثاره خطيرة على المناخ والتنوّع الحيوي وحياة السكان الأصليين في تلك المنطقة"، موضحاً أنّ "عدد الحرائق المسجّلة هناك في عام 2019 هو الأكبر في خلال السنوات الأخيرة". يضيف جريصاتي أنّه "في ما يتعلّق بالتغيّر المناخي، تمثّل غابات الأمازون رئتَي الكوكب، إذ إنّها تنتج أكثر من 20 في المائة من الأوكسجين وهي بمثابة مصرف للكربون، حيث إنّها تمتصّ كميّة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وهو أحد غازات الدفيئة الذي يؤدّي دوراً حيوياً في تنظيم المناخ عالمياً. لكنّ هذه الحرائق تطلق كميّة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بالتالي فإنّها تغذّي التغيّر المناخي". ويتحدّث جريصاتي هنا عن "حلقة مفرغة، إذ إنّه كلّما ارتفع عدد الحرائق ارتفعت كذلك انبعاثات غازات الدفيئة، الأمر الذي يرفع حرارة الكوكب ويزيد من الظواهر المناخية القاسية من قبيل الجفاف الشديد". ويتابع جريصاتي أنّه "في ما يتعلّق بالتنوّع الحيوي، فإنّ الأمازون هي أكبر الغابات المطيرة في العالم. والغابات المطيرة تُعَدّ من بين الموائل الأكثر تنوعاً أحيائياً في العالم. هي تحتلّ نحو خمسة في المائة من مساحة الكوكب وتضمّ ما بين 60 و70 في المائة من الحياة. وهو ما يعني أنّ تلك الحرائق تتسبّب في خسائر فادحة في الحياة".

تعليقاً على اتهامات الرئيس البرازيلي الذي حمّل مسؤولية تلك الحرائق لمنظمات بيئية غير حكومية، يقول جريصاتي: "نحن نرفض تلك الاتهامات المضللة والخطيرة والتي لا تستند إلى أيّ أساس. الحرائق هي الأداة الأساسية المستخدمة في إزالة الغابات، بما في ذلك من قبل المزارعين". يضيف أنّ "الحرائق في البيئات الطبيعية، التي يتسبب بها النشاط الإنساني في معظم الأحيان، تُضرَم عادة من أجل تنظيف المناطق لأغراض زراعية وكذلك بهدف إزالة الغابات. وثمّة صلة وثيقة ما بين الحرائق وإزالة الغابات".

تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة "وورلد وايلد لايف فاند" رفضت من جهتها تصريحات بولسونارو، فأصدرت بياناً أشارت فيه إلى أنّ نهج إحراق الغابات المتّبع في المنطقة هو من الطرق المستخدمة لإزالتها. وشدّدت على أنّ اتهامات بولسونارو "لا تستند إلى أيّ دليل". يُذكر أنّ ثمّة منظمات غير حكومية تلقي اللوم على سياسات بولسونارو في ما يتعلّق بتفاقم إزالة الغابات في الأمازون.

تنديد بحرائق الغابات وعواقبها على كوكبنا (إيزابيل إنفانتس/ فرانس برس)

ما العمل؟

وعند السؤال عن الخطوات اللازمة في السياق، يدعو جريصاتي إلى "وجوب أن تتّخذ حكومة بولسونارو إجراءات فعالة لمكافحة تزايد إزالة الغابات والحرائق. كذلك من الضروري تجهيز هيئات الرقابة بشكل فعال ودعمها حتى تتمكّن من مواصلة عملها في ما يتعلق بالحرائق وإزالة الغابات، بناءً على بيانات المؤسسات العلمية البرازيلية. بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من أن تكون البيانات والإجراءات شفّافة ومتاحة أمام جميع السكان".

ويشير جريصاتي إلى أنّ "غرينبيس" من جهتها، "تعمل في كلّ عام على رصد الحرائق في منطقة الأمازون والإبلاغ عنها والتنبيه إلى مخاطرها وعواقبها. منذ 27 عاماً تقوم المنظمة بالتحقيق حول تدمير الغابات وإجراء البحوث والتوثيق وإعداد التقارير والرصد. ونحن منظمة غير حكومية وحيادية، لذا فإنّنا نضغط على أيّ حكومة لحماية الأمازون". يضيف أنّه "في خلال عام 2019، رصدنا إزالة الغابات والحرائق وشجبناها في ولاية روندونيا البرازيلية. وقبل ذلك، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وثّقنا من الجوّ الأضرار التي خلفتها الحرائق بين ولايات أمازوناس وأكري وروندونيا".




كذلك يؤكّد جريصاتي أنّه "بإمكان أشخاص في كل أنحاء العالم الإتيان بمساعدة معيّنة بطرق مختلفة. ومن تلك الطرق، مشاركة تدوينات ومنشورات حول هذا الموضوع، لأنّه من المهم جداً أن يراقب العالم كله منطقة الأمازون ويعرف ماذا يحدث هناك". ويوجّه جريصاتي في السياق دعوة إلى "التحرّك على الأرض من خلال احتجاجات لحماية الأمازون" أو إلى "إطلاق مبادرات محلية لنشر الموضوع في المجتمع"، بالإضافة إلى توقيع العريضة الخاصة بمنظمة "غرينبيس". ويتابع أنّه "بإمكان المستهلكين مطالبة الشركات التي تزوّدهم بالأغذية والمنتجات بأن تلتزم بوضع حدّ لتدمير الغابات في كل أنحاء العالم". ثمّ يتحدّث جريصاتي عن أهمية "دعم الشعوب الأصلية"، شارحاً أنّ "ترسيم حدود أراضي السكان الأصليين وسيلة فعّالة للحدّ من إزالة الغابات".
دلالات
المساهمون