31 أكتوبر 2024
حديث طائفي عن سورية... ولكن
يتحاشى الكتّاب وأصحاب الرأي تحليل الأحداث على أساس طائفي، لتخلّفه وعدم قدرته على إبراز المكون الحداثي في ثقاقتهم، ولأنه ينطوي على إشكالية منهجية تؤثر في نتائج التحليل، لارتكازه على التعميم، واعتباره الجماعات مغلقة على قيم وثقافة ورؤى سياسية واحدة. وبين قناعة ذاتية وإشكالية منهجية، يجري إلغاء معطيات وحقائق كثيرة، وإخراجها عنوةً من الحقل التحليلي، لتنتج تحليلاً مشوهاً، يزيد من تشويه الخريطة المعرفية للحدث.
لكن الوقائع تفرض، أحياناً، استخدام أدوات هذا المنهج، لعدم وجود إمكانية لمقاربتها بغيرها، فإذا كان الواقع طائفياً بوسائله ونتائجه، يصبح من التضليل مقاربته بطرق مختلفة، وكثيراً ما يقع اللوم على التفسير الطائفي للأحداث، بذريعة أنه يتسبب في الانقسام، ويتم التغافل عن السلوك الطائفي الذي يصنع هذه الأحداث، وكأن الاستمرار في التعمية عنها هو السبيل للقضاء عليها.
غالباً ما يجري، في سورية، الالتفاف على هذا الواقع وتجميله، بالقول إنّ الإشكالية تتمثّل بوجود نظام استبدادي لا يفرّق بين طرف وآخر، فهناك حلفاء سنة مع النظام، وحتى بين قوّاته، وبالتالي، لا تستهدف منظومته الحربية وأجهزته الأمنية الناس بصفتهم المذهبية، بقدر ما تستهدف المعارضين، بدليل أن ثمة معتقلين من كل أطياف المجتمع السوري. ولكن، نتيجة ثورة رفعت شعار المواطنة والحرية، جرى تدمير نسيج المكون السنّي بغالبيته، وجرى تصميم استراتيجيات المواجهة لهذه الثورة من أجل تحقيق هذا الغرض. ولفهم ذلك بشكل أعمق، يمكن التدقيق بمخرجات هذه الإستراتيجية التي تمظهرت، غالباً، بالحصار والتفريغ السكاني والمجازر الجماعية والاعتقال العشوائي والإخفاء القسري والاغتصاب والقصف العشوائي بالبراميل وقذائف المدفعية، حتى أبناء الأقليات الذين تم اعتقالهم، من نشطاء ومثقفين وسياسيين، كانت التّهم الموجّهة لهم: التعاون مع الإرهابيين "السنّة"، أو تقديم خدمات لوجستية لهم، أو إغاثتهم، أو تقوية موقفهم السياسي.
وقد ساعد وجود العراق وإيران في إيجاد عمق إستراتيجي لإنجاح هذه الإستراتيجية، بمدّها بكل مستلزماتها من أدواتٍ ماديةٍ وكوادر لإنجاز هذه المهمة، فإيران دخلت الحرب على أساس طائفي بحت، وكذلك حكومات العراق، في عهدي نوري المالكي وحيدر العبادي، فضلاً عن حزب الله، وبالتالي، اندمجوا ضمن أهداف ومكونات الإستراتيجية الطائفية التي تقوم على إلغاء الطرف الطائفي الآخر، واحتلال الحيز الجغرافي الذي يملكه، وإضعاف مكونه الديمغرافي إلى أبعد حد.
واتبع نظام الأسد، وحليفته إيران، استراتيجية متدحرجة، تقوم على إيجاد وقائع يومية جديدة
سيئة، تصعّب استمرار سنّة سورية وتحطّم قوتهم، وتقوم على احتمال أنه، حتى في حال فرض هدنة، أو حتى جرى إخضاع الثورة في سورية، يجب أن تشكّل أيضاً دينامية لاقتلاع السنة وإضعافهم، المهم في الخطة أن تستمر عمليات الاقتلاع والإبادة، وطالما بقي الأسد يسطو على الشرعية ويمتلك الدولة، فإن هذه الأليات التشغيلية تستمر بعملها.
واستتباعاً، تجري الحرب، اليوم، بضراوة على التجمعات المحلية للسنة التي تشكّل كثافة كبيرة، حمص وأرياف دمشق وأرياف حلب، كما جرى وضع جنوب سورية تحت إشراف روسيا وإسرائيل ومراقبتهما لمرحلة مقبلة. أيضا الحرب تقوم على تنظيف مربعات وتوسيع المربع الذي تحت السيطرة، وإخراج السنة منه على أساس الاستمرار في عملية استكمال توسيع المربع إلى المرحلة التي يصار فيها إخراج السنة نهائيا من سورية.
وقد شكل دخول روسيا عاملاً مساعداً على إنجاز هذه الإستراتيجية، حيث تنفذها بحرفية كاملة بإصرارها على تحطيم بنية مرتكزات السنّة في سورية، وتجريدهم من كل عوامل القوة، وقد أضاف بوتين إلى هذه الإستراتيجية إغلاق كل منافذ الحياة على مناطق الشمال والجنوب، وفتح إمكانية لإسرائيل للقيام بجزء من عملية التطهير والإفراغ. وتستثمر روسيا وحلفاؤها مناخ الحرب على الإرهاب، لإدماج مشروعها في إطاره، وفي ظل الصمت العالمي، كما تستثمر حالة اللبس بين الحرب على التطرف وحق السوريين في الحياة والاستقرار.
نتيجة ذلك كله، أصبحت المجتمعات السنية ضعيفة ومنهكة، وهي تقف على بوابات الاقتلاع، وتساعد على إتمام هذه المهمة التحضيرات اللوجستية التي يتم تجهيزها، حيث تؤسس إيران لبنية عسكرية مذهبية، قوامها مئات آلاف المقاتلين العراقيين والأفغان والإيرانيين، كما تضاعف روسيا من أصولها العسكرية بدرجة ملحوظة في سورية، ما يعني أننا، وبعد أقل من عقد، نكون أمام خريطة ديمغرافية مختلفة، يصبح معها الوجود السني نادراً.
عملياً، وبعد تهجير أكثر من خمسة ملايين، وقتل وإخفاء واعتقال حوالي مليونين، ومحاصرة مثلهم، وارتهان عدة ملايين بين حواجز النظام، وهروب جيل الشباب، فإننا أمام دينامية اقتلاع خطيرة، ستقذف كل يوم آلافاً من سنة سورية الذين باتوا أقلية، وليس أقلية مستقرّة، بل مجموعات متناثرة في مواجهة العاصفة، ومسموح استخدام كل آليات التدمير والاقتلاع بحقهم. ويتوجب، تالياً، على المجتمع الدولي المهتم بالأقليات الاهتمام بهذه الأقلية، ورفع درجة الإنذار لحمايتها من بطش مجموعة من الدول.
لكن الوقائع تفرض، أحياناً، استخدام أدوات هذا المنهج، لعدم وجود إمكانية لمقاربتها بغيرها، فإذا كان الواقع طائفياً بوسائله ونتائجه، يصبح من التضليل مقاربته بطرق مختلفة، وكثيراً ما يقع اللوم على التفسير الطائفي للأحداث، بذريعة أنه يتسبب في الانقسام، ويتم التغافل عن السلوك الطائفي الذي يصنع هذه الأحداث، وكأن الاستمرار في التعمية عنها هو السبيل للقضاء عليها.
غالباً ما يجري، في سورية، الالتفاف على هذا الواقع وتجميله، بالقول إنّ الإشكالية تتمثّل بوجود نظام استبدادي لا يفرّق بين طرف وآخر، فهناك حلفاء سنة مع النظام، وحتى بين قوّاته، وبالتالي، لا تستهدف منظومته الحربية وأجهزته الأمنية الناس بصفتهم المذهبية، بقدر ما تستهدف المعارضين، بدليل أن ثمة معتقلين من كل أطياف المجتمع السوري. ولكن، نتيجة ثورة رفعت شعار المواطنة والحرية، جرى تدمير نسيج المكون السنّي بغالبيته، وجرى تصميم استراتيجيات المواجهة لهذه الثورة من أجل تحقيق هذا الغرض. ولفهم ذلك بشكل أعمق، يمكن التدقيق بمخرجات هذه الإستراتيجية التي تمظهرت، غالباً، بالحصار والتفريغ السكاني والمجازر الجماعية والاعتقال العشوائي والإخفاء القسري والاغتصاب والقصف العشوائي بالبراميل وقذائف المدفعية، حتى أبناء الأقليات الذين تم اعتقالهم، من نشطاء ومثقفين وسياسيين، كانت التّهم الموجّهة لهم: التعاون مع الإرهابيين "السنّة"، أو تقديم خدمات لوجستية لهم، أو إغاثتهم، أو تقوية موقفهم السياسي.
وقد ساعد وجود العراق وإيران في إيجاد عمق إستراتيجي لإنجاح هذه الإستراتيجية، بمدّها بكل مستلزماتها من أدواتٍ ماديةٍ وكوادر لإنجاز هذه المهمة، فإيران دخلت الحرب على أساس طائفي بحت، وكذلك حكومات العراق، في عهدي نوري المالكي وحيدر العبادي، فضلاً عن حزب الله، وبالتالي، اندمجوا ضمن أهداف ومكونات الإستراتيجية الطائفية التي تقوم على إلغاء الطرف الطائفي الآخر، واحتلال الحيز الجغرافي الذي يملكه، وإضعاف مكونه الديمغرافي إلى أبعد حد.
واتبع نظام الأسد، وحليفته إيران، استراتيجية متدحرجة، تقوم على إيجاد وقائع يومية جديدة
واستتباعاً، تجري الحرب، اليوم، بضراوة على التجمعات المحلية للسنة التي تشكّل كثافة كبيرة، حمص وأرياف دمشق وأرياف حلب، كما جرى وضع جنوب سورية تحت إشراف روسيا وإسرائيل ومراقبتهما لمرحلة مقبلة. أيضا الحرب تقوم على تنظيف مربعات وتوسيع المربع الذي تحت السيطرة، وإخراج السنة منه على أساس الاستمرار في عملية استكمال توسيع المربع إلى المرحلة التي يصار فيها إخراج السنة نهائيا من سورية.
وقد شكل دخول روسيا عاملاً مساعداً على إنجاز هذه الإستراتيجية، حيث تنفذها بحرفية كاملة بإصرارها على تحطيم بنية مرتكزات السنّة في سورية، وتجريدهم من كل عوامل القوة، وقد أضاف بوتين إلى هذه الإستراتيجية إغلاق كل منافذ الحياة على مناطق الشمال والجنوب، وفتح إمكانية لإسرائيل للقيام بجزء من عملية التطهير والإفراغ. وتستثمر روسيا وحلفاؤها مناخ الحرب على الإرهاب، لإدماج مشروعها في إطاره، وفي ظل الصمت العالمي، كما تستثمر حالة اللبس بين الحرب على التطرف وحق السوريين في الحياة والاستقرار.
نتيجة ذلك كله، أصبحت المجتمعات السنية ضعيفة ومنهكة، وهي تقف على بوابات الاقتلاع، وتساعد على إتمام هذه المهمة التحضيرات اللوجستية التي يتم تجهيزها، حيث تؤسس إيران لبنية عسكرية مذهبية، قوامها مئات آلاف المقاتلين العراقيين والأفغان والإيرانيين، كما تضاعف روسيا من أصولها العسكرية بدرجة ملحوظة في سورية، ما يعني أننا، وبعد أقل من عقد، نكون أمام خريطة ديمغرافية مختلفة، يصبح معها الوجود السني نادراً.
عملياً، وبعد تهجير أكثر من خمسة ملايين، وقتل وإخفاء واعتقال حوالي مليونين، ومحاصرة مثلهم، وارتهان عدة ملايين بين حواجز النظام، وهروب جيل الشباب، فإننا أمام دينامية اقتلاع خطيرة، ستقذف كل يوم آلافاً من سنة سورية الذين باتوا أقلية، وليس أقلية مستقرّة، بل مجموعات متناثرة في مواجهة العاصفة، ومسموح استخدام كل آليات التدمير والاقتلاع بحقهم. ويتوجب، تالياً، على المجتمع الدولي المهتم بالأقليات الاهتمام بهذه الأقلية، ورفع درجة الإنذار لحمايتها من بطش مجموعة من الدول.