24 نوفمبر 2019
حتى لا تنزلق المعارضة المصرية ناحية الإقصاء
سيف الإسلام عيد
بين حين وآخر ترتفع بعض الأصوات المعارضة، سواء فردية أو جماعية تنطلق في الغالب من خارج مصر ضدّ النظام السلطوي الذي يحكم مصر منذ يوليو/تموز 2013، ويتحمس لها الكثيرون في كل مرة تنطلق مبادرة أو حملة من أجل اصطفاف وطني شامل قد يوحد قوى المعارضة المتفرقة منذ قيام الانقلاب.
وفي الوقت الذي يحاول فيه بعض المعارضين الوطنيين البحث في وسيلة قد توحّد المعارضة يلقى آخرون بالتهم عليها بمجرد ظهورها، بل وتخوين مُطلقيها لمجرد الاختلاف في الرؤى أو الأيديولوجية أو في بعض الأوقات لخلافات شخصية، الشواهد على ذلك في حالة المعارضة المصرية في الخارج كثيرة وغنية، ولا سيما أنها تشهد إطلاق مبادرات وحملات بانتظام، لعل أبرزها الموجة التي أثارها الفنانان المصريان عمرو واكد وخالد أبو النجا، والحقوقي معتز الفجيري، بعد زيارتهما بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي والحديث في الشأن السياسي والحقوقي المصري. الزيارة ليست الأولى لمعارضين مصريين في الخارج إلى الكونغرس الأميركي؛ فقد سبقتها زيارات عدة لم تأتِ بشيء ملموس قد عاد على المعارضة المصرية في الخارج ككل سواء علمانية أو إسلامية، وبتفسيري لأنها لم تقدم ما يتوافق مع المصالح الأميركية أو تستحق الدعم الأميركي. لحجم الشخصيات الزائرة هذه المرة وصيتها الذائع باعتبار وجود فنانين سينمائيين ضمنها ومن غير الإسلاميين التقليديين، أحدثت تلك الحملة صدًي واسعًا في الأوساط الغربية عن وجود انتهاكات حقيقية في مصر! وهو ما يفتح باب النقاش حول استجابة الدوائر الإعلامية الغربية للدعوات الليبرالية دون غيرها. وقد قابل النظام المصري هذه الموجة بأشد الإجراءات منها الحكم على "واكد" بالسجن لثماني سنوات من محكمة عسكرية، وحملات لتشويه "واكد" و"أبو النجا"، والتشهير بهما إلى حد السخافة والتطاول على الأعراض.
لعلّ أبرز ما ثبّط من أداء هذه الحملة استغلال تصدرها المشهد من أجل بث ميول "إقصائية شديدة" تجاه الإسلاميين، بدت واضحة -مثلًا- في تغريدات "خالد أبو النجا"، الذي خلط الأمور بين العسكري السلطوي والإخواني المعارض باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، ودعوته الحكم الإخواني بالفاشية الدينية وأمور قد جعلت الحملة ضد النظام المصري تنحرف عن مسارها للنيل من "الإسلاميين" عمومًا دون النظام السلطوي في مصر وأحاديث ونقاشات أيديولوجية وهوياتية زادت تلك الحملة انحرافًا عن مسارها، علاوة على التحدث عن مستقبل لا يوجد فيه الإسلاميون في الساحة السياسية من الأساس لا دعوتهم مثلا للمراجعات أو إبداء التحفظات على بعض الأفكار الجوهرية لديهم. وهنا تتضح سلبيات تلك المحاولة التي أصفها بـاستغلال للحدث من أجل تصدير فكرة الإقصاء ضد فصيل سياسي له قواعده المجتمعية التي لا يمكن إغفال وجودها المتجذر في البيئة المصرية أو الحديث عن مستقبل بدونها. وكذلك المبادرة التي دعا إليها د. أيمن نور بعد الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية والتي دعت 100 شخصية معارضة مصرية إلى الحوار بشأن الخروج من حنق "الأزمة السياسية" والتي سرعان ما انهارت بالحديث عن جدوى المعارضة من الخارج من عدمه، وكأن المعارضة المصرية في الخارج هي الأولى من نوعها في تاريخ المعارضات!
جزء كبير من فشل المعارضة المصرية "علمانية أو إسلامية" في صياغة مشروع وطني قادر على إنهاء الحكم العسكري هو انزلاقها للمعارك الفكرية والتنازع بشأن القضايا الأخلاقية، وتقديمها على مسألة الاصطفاف الوطني، والتي شغلت المعارضة بما ليس من أولوياتها. وبدأت النزالات بشأن قضايا أيديولوجية وهي مرحلة من مراحل الاستقطاب الشديد التي استغلها النظام ومنح بعض المساحات النقاشية لقضايا فكرية أزلية تنسف فكرة الاصطفاف بحد ذاتها وتساعد في توسيع الهُوة بين المعسكرين العلماني والإسلامي. استغلت بعض القوى العلمانية الفراغ الذي تركه الإسلاميون بعد الحملة الأمنية عليهم وحاولوا التوسع فكريًا من خلال إثارة بعض القضايا الفكرية في وسائل الإعلام التي تبع بعضها للنظام، وتحول كثير منهم من معارضين سياسيين إلى منظرين لمفاهيم إسلامية جديدة والحديث في قضايا فكرية عفا عليها الزمن، تحت مرأى ومسمع من النظام السلطوي بل وترك مساحة كبيرة له.
ورغم الحملة الأمنية الشرسة التي استهدفت الإسلاميين منذ يوليو/تموز 2013 إلى اليوم إلا أن التنظيم الأكبر "الإخوان المسلمون" ما زال قائمًا بمعسكرين متهرئين تنظيميا داخل مصر وخارجها، وما زال يمثل التخوّف الأكبر لنظام السيسي، رغم عدم امتلاك الإخوان المسلمين لأي رؤية مستقبلية واقعية أو استراتيجية للاصطفاف الوطني، و هنا لا يمكن إعفاء الإسلاميين من الاتهام بممارسة الإقصاء أيضا سواء أثناء وجودهم في السلطة ــ وهو ما أدى إلى انقضاض الانقلاب العسكري عليهم بعد مطالبات قوى يمينة ويسارية للجيش بالتدخل ــ أو خلال قيادتهم للمعارضة بعد الانقلاب العسكري وعجزهم عن توحيد الصفوف الوطنية وانصرافهم إلى محاولة تكوين اصطفاف أيديولوجي لم ينجح في النهاية في وضع حتى تصوّر للدولة والنظام السياسي وطريقة التعاطي مع مستجدات المشهد السياسي المصري!
صحيح أن الإسلاميين يشكلون رقمًا صعبًا يستحيل تجاهله في السياسة المصرية فهم قادرون على الإبقاء على التنظيم رغم ظروف القمع والعمل في الظلام، خصوصاً "جماعة الإخوان المسلمين" التي تحترف الإبقاء على التنظيم منذ صدامها الأول مع الدولة في أربعينيات القرن الماضي، كذلك تجيد العمل السري، والعيش في سردية "المحنة"، والدخول بالتنظيم إلى مرحلة التجمّد الذي يبقي عليه حيًا دون إدخال دماء جديدة أو العمل على التغيير من داخله.
لذلك، فإن محاولة صياغة استراتيجية من جانب القوى المعارضة "علمانية"، التي تكوّنت مؤخرًا سواء في شكل حركات نخبوية فردية تظن أنها القادرة على قيادة تحول ديمقراطي، بدون وجود قاعدة جماهيرية تؤيد هذا الطرح ستؤول حتما إلى الفشل، كما أن نفس المحاولة من جانب "الإسلاميين" في تصوّر مصر دولة "إسلامية" دون وجود ليبراليين واشتراكيين، هو ضرب من الإقصاء هو الآخر. وكي لا يكون الظاهر هو أن المحاولات المعارضة الأخيرة مجرد استجداء للغرب وعدم قبول بوجود فصيل سياسي أصيل متجذر في المجتمع المصري، عليها صياغة مشروع وطني للاصطفاف، ربما يكون من الأفضل فيه البدء بالحوار الذي تكون من مخرجاته تراجع الإسلاميين عن الرغبة في قيادة المشهد السياسي منفردين، وهو ما لا يعني أبدًا إلغاء وجودهم منه تمامًا. وعلى الجانب الآخر على الإسلاميين القبول بفكرة أنهم عجزوا عن صياغة حلّ سياسي للأزمة المصرية ومجابهة النظام الذي يزداد شراسة مع مرور الوقت بفعل الدعم الدولي الذي يتمتع به. إذن، فإن البقاء في دائرة الخلافات الفكرية مقدّمة على الاصطفاف والاتفاق على الحد الأدنى من قيم الديمقراطية والعدالة والحرية، وصياغة استراتيجية سياسية من شأنها إسقاط النظام العسكري في مصر، من دون الوقوع في دائرة الإقصاء وتبادل الاتهامات بشأن الأحداث الماضية، قد يفضي بالنهاية إلى تفسّخ كل تلك الجهود في صالح البقاء الأطول للنظام العسكري.
وفي الوقت الذي يحاول فيه بعض المعارضين الوطنيين البحث في وسيلة قد توحّد المعارضة يلقى آخرون بالتهم عليها بمجرد ظهورها، بل وتخوين مُطلقيها لمجرد الاختلاف في الرؤى أو الأيديولوجية أو في بعض الأوقات لخلافات شخصية، الشواهد على ذلك في حالة المعارضة المصرية في الخارج كثيرة وغنية، ولا سيما أنها تشهد إطلاق مبادرات وحملات بانتظام، لعل أبرزها الموجة التي أثارها الفنانان المصريان عمرو واكد وخالد أبو النجا، والحقوقي معتز الفجيري، بعد زيارتهما بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي والحديث في الشأن السياسي والحقوقي المصري. الزيارة ليست الأولى لمعارضين مصريين في الخارج إلى الكونغرس الأميركي؛ فقد سبقتها زيارات عدة لم تأتِ بشيء ملموس قد عاد على المعارضة المصرية في الخارج ككل سواء علمانية أو إسلامية، وبتفسيري لأنها لم تقدم ما يتوافق مع المصالح الأميركية أو تستحق الدعم الأميركي. لحجم الشخصيات الزائرة هذه المرة وصيتها الذائع باعتبار وجود فنانين سينمائيين ضمنها ومن غير الإسلاميين التقليديين، أحدثت تلك الحملة صدًي واسعًا في الأوساط الغربية عن وجود انتهاكات حقيقية في مصر! وهو ما يفتح باب النقاش حول استجابة الدوائر الإعلامية الغربية للدعوات الليبرالية دون غيرها. وقد قابل النظام المصري هذه الموجة بأشد الإجراءات منها الحكم على "واكد" بالسجن لثماني سنوات من محكمة عسكرية، وحملات لتشويه "واكد" و"أبو النجا"، والتشهير بهما إلى حد السخافة والتطاول على الأعراض.
لعلّ أبرز ما ثبّط من أداء هذه الحملة استغلال تصدرها المشهد من أجل بث ميول "إقصائية شديدة" تجاه الإسلاميين، بدت واضحة -مثلًا- في تغريدات "خالد أبو النجا"، الذي خلط الأمور بين العسكري السلطوي والإخواني المعارض باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، ودعوته الحكم الإخواني بالفاشية الدينية وأمور قد جعلت الحملة ضد النظام المصري تنحرف عن مسارها للنيل من "الإسلاميين" عمومًا دون النظام السلطوي في مصر وأحاديث ونقاشات أيديولوجية وهوياتية زادت تلك الحملة انحرافًا عن مسارها، علاوة على التحدث عن مستقبل لا يوجد فيه الإسلاميون في الساحة السياسية من الأساس لا دعوتهم مثلا للمراجعات أو إبداء التحفظات على بعض الأفكار الجوهرية لديهم. وهنا تتضح سلبيات تلك المحاولة التي أصفها بـاستغلال للحدث من أجل تصدير فكرة الإقصاء ضد فصيل سياسي له قواعده المجتمعية التي لا يمكن إغفال وجودها المتجذر في البيئة المصرية أو الحديث عن مستقبل بدونها. وكذلك المبادرة التي دعا إليها د. أيمن نور بعد الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية والتي دعت 100 شخصية معارضة مصرية إلى الحوار بشأن الخروج من حنق "الأزمة السياسية" والتي سرعان ما انهارت بالحديث عن جدوى المعارضة من الخارج من عدمه، وكأن المعارضة المصرية في الخارج هي الأولى من نوعها في تاريخ المعارضات!
جزء كبير من فشل المعارضة المصرية "علمانية أو إسلامية" في صياغة مشروع وطني قادر على إنهاء الحكم العسكري هو انزلاقها للمعارك الفكرية والتنازع بشأن القضايا الأخلاقية، وتقديمها على مسألة الاصطفاف الوطني، والتي شغلت المعارضة بما ليس من أولوياتها. وبدأت النزالات بشأن قضايا أيديولوجية وهي مرحلة من مراحل الاستقطاب الشديد التي استغلها النظام ومنح بعض المساحات النقاشية لقضايا فكرية أزلية تنسف فكرة الاصطفاف بحد ذاتها وتساعد في توسيع الهُوة بين المعسكرين العلماني والإسلامي. استغلت بعض القوى العلمانية الفراغ الذي تركه الإسلاميون بعد الحملة الأمنية عليهم وحاولوا التوسع فكريًا من خلال إثارة بعض القضايا الفكرية في وسائل الإعلام التي تبع بعضها للنظام، وتحول كثير منهم من معارضين سياسيين إلى منظرين لمفاهيم إسلامية جديدة والحديث في قضايا فكرية عفا عليها الزمن، تحت مرأى ومسمع من النظام السلطوي بل وترك مساحة كبيرة له.
ورغم الحملة الأمنية الشرسة التي استهدفت الإسلاميين منذ يوليو/تموز 2013 إلى اليوم إلا أن التنظيم الأكبر "الإخوان المسلمون" ما زال قائمًا بمعسكرين متهرئين تنظيميا داخل مصر وخارجها، وما زال يمثل التخوّف الأكبر لنظام السيسي، رغم عدم امتلاك الإخوان المسلمين لأي رؤية مستقبلية واقعية أو استراتيجية للاصطفاف الوطني، و هنا لا يمكن إعفاء الإسلاميين من الاتهام بممارسة الإقصاء أيضا سواء أثناء وجودهم في السلطة ــ وهو ما أدى إلى انقضاض الانقلاب العسكري عليهم بعد مطالبات قوى يمينة ويسارية للجيش بالتدخل ــ أو خلال قيادتهم للمعارضة بعد الانقلاب العسكري وعجزهم عن توحيد الصفوف الوطنية وانصرافهم إلى محاولة تكوين اصطفاف أيديولوجي لم ينجح في النهاية في وضع حتى تصوّر للدولة والنظام السياسي وطريقة التعاطي مع مستجدات المشهد السياسي المصري!
صحيح أن الإسلاميين يشكلون رقمًا صعبًا يستحيل تجاهله في السياسة المصرية فهم قادرون على الإبقاء على التنظيم رغم ظروف القمع والعمل في الظلام، خصوصاً "جماعة الإخوان المسلمين" التي تحترف الإبقاء على التنظيم منذ صدامها الأول مع الدولة في أربعينيات القرن الماضي، كذلك تجيد العمل السري، والعيش في سردية "المحنة"، والدخول بالتنظيم إلى مرحلة التجمّد الذي يبقي عليه حيًا دون إدخال دماء جديدة أو العمل على التغيير من داخله.
لذلك، فإن محاولة صياغة استراتيجية من جانب القوى المعارضة "علمانية"، التي تكوّنت مؤخرًا سواء في شكل حركات نخبوية فردية تظن أنها القادرة على قيادة تحول ديمقراطي، بدون وجود قاعدة جماهيرية تؤيد هذا الطرح ستؤول حتما إلى الفشل، كما أن نفس المحاولة من جانب "الإسلاميين" في تصوّر مصر دولة "إسلامية" دون وجود ليبراليين واشتراكيين، هو ضرب من الإقصاء هو الآخر. وكي لا يكون الظاهر هو أن المحاولات المعارضة الأخيرة مجرد استجداء للغرب وعدم قبول بوجود فصيل سياسي أصيل متجذر في المجتمع المصري، عليها صياغة مشروع وطني للاصطفاف، ربما يكون من الأفضل فيه البدء بالحوار الذي تكون من مخرجاته تراجع الإسلاميين عن الرغبة في قيادة المشهد السياسي منفردين، وهو ما لا يعني أبدًا إلغاء وجودهم منه تمامًا. وعلى الجانب الآخر على الإسلاميين القبول بفكرة أنهم عجزوا عن صياغة حلّ سياسي للأزمة المصرية ومجابهة النظام الذي يزداد شراسة مع مرور الوقت بفعل الدعم الدولي الذي يتمتع به. إذن، فإن البقاء في دائرة الخلافات الفكرية مقدّمة على الاصطفاف والاتفاق على الحد الأدنى من قيم الديمقراطية والعدالة والحرية، وصياغة استراتيجية سياسية من شأنها إسقاط النظام العسكري في مصر، من دون الوقوع في دائرة الإقصاء وتبادل الاتهامات بشأن الأحداث الماضية، قد يفضي بالنهاية إلى تفسّخ كل تلك الجهود في صالح البقاء الأطول للنظام العسكري.
دلالات
مدونات أخرى
20 اغسطس 2019
23 يوليو 2019
23 يونيو 2019