حبّ واحترام

15 نوفمبر 2018
قد يترافق الحبّ والاحترام وقد ينفصلان (كارل كورت/Getty)
+ الخط -

"يا مجنونة أنا بحبّك... والحبّ أقوى من الاحترام" قد يعتبرها البعض مجرد عبارة سطحية في مسلسل كوميدي (ضيعة ضايعة/ الجزء الأول/ الحلقة الرابعة والعشرون) فيتعامل معها بما يقتضي الموقف الترفيهي من ضحك. لكنّ العبارة فعلياً تعكس ما هو أعمق بكثير من ذلك، مما يدخل في البنية المعرفية الاجتماعية لكثير من المجتمعات.

الكلام على لسان زوج يحاول أن يسترضي زوجته التي غادرت البيت في ثورة اشتركت فيها نساء أخريات في القرية، كي تعود. هو غير قادر على استيراد ما هو خارج عن واقعه الاجتماعي وبنيته المعرفية. لن يخطر له ذلك في بال أساساً، وإذا ما أخبره أحد ما عنه سينكره أو في أحسن الأحوال سيهمله، حتى وإن اعتمده في يوم.

ليس الأمر مرتبطاً بالرجال والنساء، بل بأيّ علاقة، وأيّ ممارسة اجتماعية تورث توريثاً وتجبل في كيان الشخص، لتحدد ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي في سلوكه. وإن اصطدم السلوك مع واقع مختلف أو اتخذ اتجاهاً متطرفاً أدى إلى أذى لدى من هو خارج عنه، ركن إلى المنظومة الثقافية الكبرى مستمداً منها ذلك التبرير الأخلاقي الواقعي بالنسبة له كونه خارجاً عن بنيته الاجتماعية ويرتبط بها أيّما ارتباط. وهي بنية متماسكة يغذي سلوك أفرادها بعضهم البعض فيها ومنها، وتزداد تماسكاً بهم، وتزيدهم تمسكاً بها وتماسكاً في ما بينهم على أساسها.

"الحبّ أقوى من الاحترام" تشبه هذه العبارة مثلاً شعبياً لبنانياً ما زال سائراً على الألسن: "ضرب الحبيب متل أكل الزبيب". يبرر هذا المثل الضرب بين الأحبة، على أسس مختلفة قد تجد مخرجاً لها في أنّ هذا النوع من الضرب هدفه تعزيز الرباط العاطفي، من يعلم؟ وهو قريب أيضاً من مثل آخر: "من أضحكك ضحك عليك، ومن أبكاك بكى عليك" كأنّ من الضروري أن تبكي كي يبكي عليك ذلك الآخر، أي أن يشعر معك في مصابك مهما كان. وهو ما يبرر له كذلك، أن يتعامل مع الآخرين بسلوك سيئ فقط لأنّه سيكون معهم في الشدائد الموعودة.

الأخطر في هذه المسألة الانقياد الذي تطبع به مثل هذه الثقافة "المغلوبين" كما يسمّيهم ابن خلدون إلى "الغالبين". في هذه الحال، ينتقل السلوك من جيل إلى جيل بما هو جمعي بنيوي يجد مبرراته في الثقافة الكاملة للمجتمع، وتبقى الفئات الضعيفة على حالها من اضطهاد مغلف بالحب، إلى أن يتسنى لها الوصول إلى صفة الغالبين، فتضطهد من هم أضعف.




الأمثال قابلة للنقد، مهما صُوّرت على أنّها دستور شعبي مقدس تتقدمه عبارة "ما في مثل كذب" فهي "تحتمل المغالطات" كما يقول السوسيولوجي خليل أحمد خليل. وعلى مستوى النقد، يمكن أن يتصدى أحدنا لمثل هذه الثنائية ليعلنها: فليفنَ الحبّ إن كان من دون احترام للحقوق، مهما كانت الحقوق.
المساهمون