حبيب الله خان... من موظف حكومي إلى إسكافي

05 اغسطس 2018
كان يحلم بتعليم أولاده (العربي الجديد)
+ الخط -
في أوائل تسعينيات القرن الماضي، انفجر لغم أرضي في الإسكافي حبيب الله خان. لكنّ البتر المفاجئ لقدمه لم يمنعه من متابعة العمل من أجل أسرته. انتقل من عمل حكومي إلى مهنة متواضعة لا يجد نفسه سعيداً فيها، إذ يمضي يومه في تعب ومشقة، فقط ليجمع بعض الدخل الذي يعيل به أسرته.

كان حبيب الله خان (66 عاماً) يعمل في وزارة العمل في فرع تصميم المباني الحكومية وكانت أحواله جيدة، إذ يتقاضى الراتب الحكومي ويرتب حياته وحياة أسرته على أساسه. لكن، في بداية التسعينيات نقل من وظيفته في كابول إلى إقليم لوجر، حيث كانت المعارك الطاحنة بين القوات الموالية للحكومة وبين الأحزاب الجهادية.

لم تمضِ أيام حتى تعرض لانفجار لغم أرضي أدى إلى قتل أحد رفاقه وبتر قدمه. مع ذلك، تابع عمله الحكومي فترة وكان يحظى بالراتب. لكن، بعد سقوط الدولة بيد الأحزاب الجهادية، وبدء موجة الحروب الأهلية، ترك الرجل العمل أو أرغم على ذلك. كان شاباً آنذاك، لكنّه لم يتمكن من الحصول على عمل مناسب. في البداية فتح دكاناً صغيراً بالقرب من منزله، لكن بسبب الفقر وضعف الدخل اضطر لإغلاق الدكان مع تراكم الديون عليه. بدأ البحث مجدداً عن عمل لا يحتاج إلى رأسمال. يقول حبيب الله: "عشت أياماً مريرة. كلما تذكرت تلك الأيام اقشعر جسمي، كنت وأولادي الصغار نبيت من دون طعام. كانوا يبكون في الليل وكنت عاجزاً عن جلب الطعام لهم. أما زوجتي المسكينة فتبحث يميناً وشمالاً علّها تجد شيئاً لكن من دون جدوى".

بعد تلك الفترة من المعاناة، بدأ الرجل يتعلم تصليح الأحذية من أحد جيرانه في منطقة جهار قلعة. ثم بدأ يعمل في المنطقة نفسها، ويكسب رزقاً قليلاً. كان يواجه مشاكل كثيرة، إذ استمر وقتاً قبل أن يتمكن من التنقل والعمل باستخدام قدم واحدة، ثم واصل العمل وطوره بمرور الأيام.



بعد أشهر، انتقل إلى سوق شهر نو، وبدأ يعمل هناك، وجلب ابنه محمد جليل معه لمساعدته بعدما أخرجه مع شقيقاته من المدرسة لعدم قدرته على تحمل نفقات التعليم. عمله كان يتحسن شيئاً فشيئاً، إذ كان في السوق الرئيسي في كابول، أمام محل تجاري كبير. لكن، في أحد الأيام، طلب منه صاحب المحل أن يترك العمل أمام محله لأنّه يضيّق على الزبائن.

ترك الرجل العمل هناك وبدأ يبحث عن مكان آخر حتى ساعده أحد أقاربه ليجد العمل في منطقة بروزه تيمني، وهناك أنشأ غرفة صغيرة من الخشب بمساعدة بعض أقاربه. ومنذ ذلك الحين قبل خمسة أعوام، يعمل الرجل هناك.

يكسب حبيب الله يومياً، ما بين 300 و400 أفغانية (خمسة دولارات أميركية تقريباً) وهو ما لا يكفي احتياجات أسرته، فهو يدفع إيجار المنزل، فيما زوجته مريضة تحتاج إلى أدوية غالية شهرياً. كذلك، لديه ثلاث بنات يقلق بشأنهن جميعاً، إذ يرغب في بناء منازل لهن، لكنّ حالته المتردية تحول دون ذلك. يقول حبيب الله: "أشد ما يقلقني هو أحوال بناتي الثلاث فجميعهن في المنزل ولا يمكنني أن أزوجهن بسبب الفقر والعوز، إذ لم يتقدم إليهن أحد بعد، كما أنّي غير قادر على فعل شيء، في ظل الفقر والعجز اللذين أعيش فيهما. أحوالهن تمنعني من النوم ليلاً لكثرة تفكيري بهن".

أصيبت زوجته بمرض السكري وضغط الدم، كما لديها مشاكل في الجهاز التنفسي، وكلّ ذلك بسبب الفقر كما يقول. كذلك، فإنّ ما يزيد الأمور سوءاً الرغبة في تزويج بناتها من دون أن تتمكن من ذلك، بسبب ضيق الأحوال المعيشية.



أما الابن الوحيد محمد جليل فبعدما عمل مع والده فترة، عاد واشتغل حارساً في إحدى المؤسسات الخاصة. يتقاضى شهريا 6000 أفغانية (86 دولاراً). لكنّ محمد جليل متزوج ولديه ثلاثة أولاد، فلا يستطيع أن يوفر لأولاده ما يحتاجون إليه بهذا الراتب الذي يصفه حبيب الله بالضئيل، فما بالك بتقديم شيء إلى أهله. يقول حبيب الله: "في البداية كنت أريد لابني أن يدرس جيداً ويبقى في المدرسة، لكنّي لم أتمكن من إبقائه فيها بسبب الفقر، فحاولت أن أبقيه في مهنتي لكنّه عندما كبر رفض ذلك، فصار يمضي وقته في المنزل من دون عمل أو دراسة إلى أن وجد عملاً كحارس في إحدى المؤسسات مقابل راتب هو لا شيء في هذ الزمن الذي تزداد أسعاره ارتفاعاً".

كان حلم حبيب الله الوحيد قبل أن يفقد قدمه هو أن يتمكن من تعليم ابنه الوحيد وبناته الثلاث، لكنّ اللغم الأرضي محا أحلامه كلها، فبدأ يفكر في غذائهم قبل التفكير في تعليمهم، ولم يزل على هذه الحال من السعي بالرغم من تقدمه في السن. وعلى الرغم من حالته السيئة، لا يطلب حبيب الله من الحكومة أيّ مساعدة، لكنّه كغيره من الأفغان يدعوها إلى العمل الجاد لأجل الأمن، إذ إنه ضامن الحياة الأساسي ومن دونه لا معنى للحياة.