حافية القدمين

01 مايو 2018
+ الخط -
تمسّك بالأمل مهما كانت الظروف ضدك، وثق أن الماء لا يقضي على السفينة ما لم يتسرب إلى داخلها، وكذلك اليأس والإحباط قد يحومان حولك من وقت لآخر، وهذا لا يمثل خطورة عليك في الواقع، بل تكمن الخطورة المحدقة في أن ينفذ اليأس إلى قلبك.

نفذ اليأس إلى قلوب كثيرين، وقد عايشنا انكساراتهم وتعاطفنا معهم، ولكن الإلهام الذي نبحث عنه لم نجده بينهم. الإلهام الذي نبحث عنه نستقبله من أناسٍ قاتلوا من دون هوادة، وثابروا من دون خنوع أو انسحاب أمام أزمات الحياة؛ فسطروا قصصًا خالدة ورائدة في حياة البشرية.

لو كنت حافيًا فإن بمقدورك النجاح، وهذا ما حققته حافية القدمين. هي طفلة في بواكير العمر، لم تعرف الراحة يومًا، يحفل صدرها بذكريات صعبة تفوق عمرها؛ ذكريات ستبقى في وجدانها مدى الحياة.


الطفلة سمراء البشرة باسمة الثغر تحمل أوجاع الكبار، إنها ذكريات طفلة وجدت نفسها تعول أسرة بأكملها؛ فوالدها قد هدّه المرض بعد شقاء مرير، ووالدتها فارقت الحياة وهي قلقة على مستقبل ابنتها، ولم تجد الطفلة ما تدفع به شبح الجوع إلا بيع المناديل. ليست حرفة ولكنها لا تستطيع أن تمارس عملًا صعبًا؛ فجسدها النحيل ليس مؤهلًا بعد لقسوة الحياة، ولكنها مجبرة على أن تحفظ ماء وجه أسرتها ببيع المناديل.

وبينما تقف مروة حسن أمام حديقة درة النيل بأسوان الساحرة، بعد صلاة الجمعة وتتأهب لبيع ما معها من مناديل؛ فإذا بها تتوقف أمام حشد كبير من الناس، وبينهم أطفال يستعدون للماراثون. هي لم تعرف ما هو الماراثون، ولكن أخذها ما يأخذ الأطفال من الفضول، وأبدت استعدادًا للمشاركة في هذا الجري. هي أيضًا لم تسدد رسوم هذ الماراثون، ولا تدرك ما أهميته، ولا ماذا بعد هذا الماراثون، هي طفلة رأت أطفالًا يستعدون للجري؛ فقررت أن تستعيد طفولتها، ولو لدقائق، ثم تعود إلى حمل أعباء الكبار.

دخلت مروة حسن سباق الماراثون لمسافة واحد كيلو متر، وهذا السباق أطلقته مؤسسة مجدي يعقوب لدعم التبرعات للأطفال مرضى القلب، شاركت معهم هذه اللحظات الطفولية، وإذا بها تلتهب حماسة وتفوز بالمركز الأول في السباق، ويصدق فيها المثل الشعبي "جه يطل غلب الكل". سبقت جميع الأطفال من دون تحضير مسبق، ومن دون حذاء رياضي يناسب الماراثون أو ملابس خاصة بالماراثون، استعملت الموهبة فحسب. نجحت في هذا السباق، ولعلها تنجح في سباق الحياة بفضل كفاحها، ولكن ذلك لم يكن نهاية القصة؛ فقد أبدت مروة مهارة لافتة للنظر دفعت المسؤولين في نادي طلائع الجيش إلى قيدها بالنادي، واكتشفوا مشروع بطلة أولمبية بالصدفة المحضة.

سُجلت مروة حسن في اتحاد ألعاب القوى بقرار من اللجنة الأولمبية المصرية، وغدًا نشاهدها بطلة في مضمار الكبار، وقد نراها تكسر الرقم القياسي للأميركية توري بوي، والهولندية دافني شيبرز، والجامايكية إيلين تومسون وغيرهن من بطلات العالم في سباقات الماراثون.

يمتلك الناس من حولك مهارات، الروعة أن نحاول اكتشاف تلك المهارات، وأن نساعد أصحابها على استثمار مهاراتهم، وعندها نصنع جيلًا من المبدعين، وتتغير حياتنا جميعًا للأفضل.

ليس مهمًا أن تحرز الهدف، ولكن أن يُحرز الهدف، ولا بأس أن تمنح الفرصة للناس من دون أحكام مسبقة؛ فماذا لو حُرمت مروة حسن من دخول الماراثون بدعوى أنها لم تسدد الرسوم؟ لفتة كريمة قدمتها منظمة مجدي يعقوب إلى مروة حسن، وهذا ليس غريبًا على مؤسسة تسعى إلى رسم ابتسامة على وجوه الأطفال، والشكر الجزيل لكل من يصنع بطلًا أو يسهم في ظهور موهبة واعدة. مروة حسن مثال يستحق التقدير والرعاية، والموهبة تفرض نفسها بقوة.
دلالات