كشف تقرير حديث في صحيفة "هآرتس"، أمس الاثنين، من جديد، حجم المخاوف في جيش الاحتلال من النقص القائم حالياً، والمتوقع ازدياده مستقبلاً، في حجم وعدد الجنود في الوحدات القتالية والميدانية، من ذوي الامتيازات أو الخصائص النوعية العالية. وذلك بفعل استمرار ظاهرة التسرّب من الجيش التي بلغت عام 2016 بحسب المعطيات الرسمية نحو 7 في المائة، من جهة، وتفضيل عدد كبير من المرشحين للخدمة العسكرية الإلزامية، من ذوي "المهارات" العالية، الاتجاه للخدمة العسكرية في الوحدات التكنولوجية ووحدات "السايبر"، مما ترك نقصاً في أصحاب هذه المهارات في باقي الوحدات الميدانية التي يُنظر إليها بأنها "وحدات نخبوية".
لكن التقرير ذكر في السياق نفسه، ما يسميه "إشكالية العلاقة التي تربط الجيش كمؤسسة عسكرية بالمجتمع الإسرائيلي"، خصوصاً في ظلّ الملفات أو الأزمات، التي برزت إلى السطح في العامين الأخيرين، وتمحورت حول مسائل خدمة الإناث في الوحدات القتالية، أو في الوحدات المختلطة للذكور والإناث، في ظل تهديدات من قبل التيار الديني في المجتمع الإسرائيلي، وبضمنها التيارات الدينية الصهيونية، بالامتناع كلياً عن أداء الخدمة العسكرية في حال فرض على المتدينين الانخراط في وحدات مختلطة. كما أن هناك أزمات متعلقة بموقف الجيش والمجتمع من انخراط وخدمة المثليين في الجيش، فضلاً عن الإشكاليات التي أثارتها محاكمة الجندي القاتل، أليئور أزاريا، الذي أعدم الشهيد عبد الفتاح الشريف في 24 مارس/آذار من العام الماضي وتم تقديمه للمحاكمة الصورية بتهمة مخففة للغاية، هي "تجاوز الصلاحيات وخرق أوامر إطلاق النار"، وحُكم عليه بالسجن الفعلي لعام ونصف العام فقط.
وقد أثارت هذه القضية في حينه، حجم الهوة بين ما تحاول إسرائيل وصفه بـ"طهارة السلاح"، وبين المواقف الحقيقية للمجتمع الإسرائيلي عموماً، في التأييد التلقائي للجندي القاتل، ورفض محاكمته والدعوة من قبل المجتمع الإسرائيلي، بدءاً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وحتى أعضاء الكنيست من حزب العمل، ممثلين برئيسة الحزب سابقا النائبة شيلي يحيموفيتش إلى منح الجندي القاتل العفو.
وبحسب عاموس هرئيل في "هآرتس"، فإن "القلق الرئيسي في صفوف قيادة المؤسسة العسكرية هو في تراجع نسبة المجندين للوحدات القتالية، خصوصاً في وضع يبدو فيه أن الأمور قد تتدهور إقليمياً لمواجهة في قطاع غزة، بفعل ما يحصل الآن، أو على الجهة الشمالية مع سورية وحزب الله، وهو ما يوجب إعداد الجيش لحالات الطوارئ".
واعتمد هرئيل في تقريره، إضافة إلى المعطيات الرسمية للقوى البشرية في جيش الاحتلال، على تصورات وانطباعات رئيس لواء القوى البشرية الكولونيل عيران نيف. وبحسب نيف، فإن "نقطة الانطلاق لجيش الاحتلال في بناء قوته من جهة والاستعداد لمواجهات مقبلة، تتجلّى في الأهمية التي يوليها الجيش، وقائده الجنرال غادي أيزنكوت، لحركة القوات البرية في عمق أرض العدو، خلال المعارك".
وأضاف أن "الاستنتاج الرئيسي لشكل الحرب المقبلة، لدى قيادة الجيش، يقول بأنه لا شك بأن حركة وقدرة القوات البرية على المناورة والتحرك في أرض العدو، ستكون مصيرية في حسم نتيجة القتال. وهذه قناعة واضحة وراسخة عند القوى البرية في الجيش، لكننا نريد أن تتدرب الوحدات التي تستعد لحسم المعركة بشكل أكبر، والعودة إلى نموذج يكون حجم التدريبات موازياً ومساوياً لحجم الانشغال بالمهام اليومية والميدانية، لـ17 أسبوعاً لكل منها، كما كان الحال عليه خلال فترة الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2004).
لكن مشكلة جيش الاحتلال، رغم خطة أيزنكوت المذكورة، هي في حاجته، بحسب نيف إلى "إعداد الجيش للعمليات القتالية الميدانية، خصوصاً أن مواجهة مع عدو، قواته موزعة في أكثر من موقع ويضرب من أكثر من نقطة، كما في حالة حزب الله وحماس، يلزم الجيش بالوصول إلى أرضه وميدانه والمناورة في هذه الأرض، وهو ما يتطلب موارد هائلة وجهودا كبيرة لا بديل عنها".
في هذا الإطار، تطرّق التقرير وفقاً لنيف إلى "مسألة تقليص مدة الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور من 36 شهراً إلى 32 شهراً، وهو أمر ستكون له تداعيات في حال تواصل اتجاه تراجع عدد الذين يفضلون الذهاب للقوات والفرق القتالية، تحديداً ممن يتمتعون بقدرات ومهارات عالية، تلزم أيضاً في ظل تطور الأسلحة البرية، كالدبابات، وتفعيل منظومات إلكترونية وتكنولوجية عالية باتت تتحكم اليوم بالعتاد العسكري المتطور". وازدادت حدة الأزمة إذا أخذنا بالحسبان أن تقليص مدة الخدمة العسكرية، بحسب نيف أن "كل فرقة عسكرية ستخسر عملياً بحسب نظام الخدمة الجديد نحو مائة جندي، لكن، حالياً يمكن التغلب على هذه القضية بفعل نسبة الولادة العالية في إسرائيل في أوائل التسعينيات، مما يعني أنه في دورتي التجنيد المقبلتين، ستتم زيادة عدد المجندين لحل هذه القضية مؤقتاً".
في المقابل، أشار نيف إلى أن "مسألة تجنيد مجندين جدد بنوعية عالية للوحدات القتالية، لا تزال تشكّل هاجساً مقلقاً، فنقطة الارتكاز الرئيسية اللازم توفرها، أو نقطة أرخميدس وفقاً لنيف، هي في تطوير سلك ضباط نوعيين، فطالما ضمنا ذلك سنكون على ما يرام، وعلى سلك الضباط من الرتب المتدنية أن يعرفوا كيف يتحدثون مع الجنود العاديين وأن يسيطروا على التوتر المتمثل بالاهتمام بالفرد وبين مسألة تنفيذ المهام المطلوبة".
لكن نيف اعترف بأن "الشبان الذين يستوعبهم الجيش اليوم يختلفون عن أولئك الذين كان قائدا لهم عندما كان قائد فرقة، فهناك تغييرات تحصل نحن مدركون لها، ففي عهدنا تحدثوا معنا فقط بلغة جافة، مثل إذهب إلى هناك، وافعل كذا. أما اليوم فالجندي يريد لغة الحوار مع رؤسائه".
وارتبطت هذه التغييرات أيضاً بارتفاع نسبة الذين يفضلون من أصحاب "المميزات أو المهارات العالية" التوجه للخدمة في وحدات السايبر والتكنولوجيا، وهو ما سبق للصحف الإسرائيلية أن نشرت عنه قبل أشهر عدة، مع الإشارة إلى إثارة هذه الظاهرة القلق في صفوف القيادات العليا. وهو القلق المتصاعد مع احتمال اندلاع مواجهة عسكرية بفعل التطورات الجارية. واعتبر نيف أن "هذه الظاهرة تشكل تهديداً للمجتمع الإسرائيلي وللجيش، فإذا اختفت حكاية أو أسطورة أن الجميع يأتون للخدمة في الجيش، وفي كل وحدة، وأن الكل يتجه للخدمة في الوحدات الخطيرة والصعبة، ستحدث لنا أمور غير حميدة، فمن الواضح لنا أن من يجب أن يأتي للوحدات البرية هم خيرة الجنود".
ورأى أن "هذا الأمر متفق عليه، أو يوافقه الرأي فيه أيضاً رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، ورئيس قسم الوحدات التكنولوجية. ففي حال جاء مرشح للجيش، يناسب الخدمة في وحدات السايبر، وفي نفس الوقت أيضاً في الوحدات القتالية مثل المظليين أو غفعاتي (أحد ألوية المشاة في جيش الاحتلال)، فليذهب للخدمة في سلاح البرية، لأننا نحتاج الأفضل في سلاح المظليين، فالجيوش البرية تلزم اليوم دراية أكبر في التكنولوجيا، وما يطلب من قدرات من قائد دبابة، لا يقل من حيث النوعية والمستوى المطلوبين عن القدرات التي تطلب من قائد مروحية عسكرية، وبمقدور سلاح السايبر أن يتدبر أمره".