تشير الاكتشافات الأثرية خلال العقود الأخيرة إلى وجود مجتمعات مستقرّة في شبه الجزيرة العربية إلى حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ومنها مملكة مُجان التي شهدت نشاطاً زراعياً في مناطق عُمان الحالية، وحضارتي العبيد ودلمون في الأحساء والبحرين.
وتتمثّل الفرضية الأبرز في الدراسات الأركيولوجية اليوم بأن أحوالاً مناخية رطبة سادت بين 6000 و4200 ق. م ساهمت في استقرار الناس في الجزيرة العربية، ثم أعقبتها فترة جفاف حوالي ألف عام أدّت إلى تحوّل الناس إلى الرعي مجدداً مع توطّن في الواحات، قبل أن تتأسّس ممالك في شرقها خلال النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد.
"سرد أثري للاستيطان البشري في شبه الجزيرة العربية (3000 ق.م – 1800 ق. م) عنوان المحاضرة التي يلقيها الباحث الفرنسي جيريمي شيتيكيت عند السابعة من مساء اليوم الإثنين في "مركز اليرموك الثقافي" التابع لـ"دار الآثار الإسلامية" في العاصمة الكويتية.
يعود المحاضِر إلى عدد من دراساته حول الموضوع، والتي ينفي فيها أن تكون الجزيرة العربية القديمة صحراء شاسعة، بحسب المسوحات الأثرية خلال الأربعين سنة الماضية، وأهمّها اكتشاف مدن مدفونة في الرمال، أُنشئت في النصف الثاني من الألفية الأولى قبل الميلاد وحتى عشية الإسلام في شرقها، ومنذ القرن الثامن قبل الميلاد في الجنوب.
ويعرض شيتيكيت التحديات البيئية التي فرضت تطوير أنظمة الري الدائمة الانتشار، والتفاوتات الجغرافية التي قادت إلى استجابات متنوّعة بين مجتمعات الجزيرة لضمان عيشهم وتوفير احتياجاتهم، ولكنها تركّزت غالباً في الوديان وهضاب المرتفعات حتى العصر البرونزي.
يوضّح صاحب كتاب "اليمن أرض الآثار" (2016) أيضاً نشوء المدن على ساحل الخليج العربي وعلى طول سلسلة جبال الحجاز والسواحل الجنوبية، والتي بات يتوفّر مؤخراً آلاف النقوش التي تصوّر طبيعة الحياة فيها والبنية الاجتماعية لسكّانها وآثارهم والمهن التي وجدت في كلّ حضارة وشبكة العلاقات التجارية والسياسية التي كانت تجمع بينها وبين ممالك أخرى في المنطقة، والديناميات الحضارية المميزة لها، وكذلك أسباب انهيار هذه المدن سواء بسبب الحروب أو التغيرات المناخية الكبرى التي أصابت المنطقة.