جونسون يحاول التخلص من مأزق مواقفه الخارجية: سورية نموذجاً

23 يوليو 2016
جونسون: معاناة السوريين لن تنتهي ما بقي الأسد بالسلطة(Getty)
+ الخط -
استدار وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، أخيراً، 180 درجة في مواقفه من الحرب السورية، إذ اعتبر أن "رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد أمر ضروري لحسم الصراع في سورية، ومعاناة الشعب السوري لن تنتهي مع استمرار الأسد في السلطة". وزير الخارجية البريطاني الجديد، الذي سبق له أن وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشخصية سلسلة هاري بوتر الشهير "دوبي قزم المنزل"، وقال في أحد تعليقاته، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إنّه "على الرغم من أنه يبدو قليلاً مثل دوبى قزم المنزل، هو طاغية لا يرحم"، عاد، الثلاثاء الماضي، ليطلب من بوتين "الضغط على الأسد للعودة إلى طاولة المفاوضات".

ودعا وزير الخارجية البريطاني روسيا إلى استخدام "قدرتها الفريدة" لوقف الصراع السوري عبر إقناع الأسد بوضع حد للقتال الذي دمر البلاد على مدى خمس سنوات. وقال جونسون، في مؤتمر صحافي، يوم الثلاثاء، "روسيا على وجه الخصوص تملك قدرة فريدة على إقناع نظام الأسد بإنهاء المذبحة والعودة إلى طاولة المفاوضات". ووصف جونسون الوضع الحالي في سورية بأنه "مروع"، مشيراً إلى أن البلاد تواجه "كارثة إنسانية رهيبة".

يأتي هذا التطور في موقف رئيس الدبلوماسية البريطانية مغايراً لتصريحات سابقة أطلقها عندما كان عمدة للعاصمة لندن، إذ كتب مقالاً في صحيفة "ذا تلغراف" قبيل تعيينه وزيراً للخارجية، الأسبوع الماضي، جاء فيه أنّ "القوى الغربية يجب أن تتعاون مع الأسد وبوتين للوصول إلى حل بشأن الصراع السوري وهزيمة داعش". 

وفي خروج واضح عن سياق السياسة العامة البريطانية من الملف السوري والتدخل الروسي فيه، كتب بوريس جونسون في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنه يتعيّن على بريطانيا أن تعمل مع "الشياطين" (بوتين والأسد) لهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وأشاد جونسون، في مارس/ آذار الماضي، بدعم بوتين للأسد لدحر "داعش" في مدينة تدمر. كما كتب مقالاً في مارس/ آذار الماضي، بعنوان "برافو للأسد"، وذلك لإنقاذه مدينة تدمر الأثرية من براثن "داعش". وقال جونسون في هذا المقال، "بغضّ النظر عما إذا كان نظام الأسد بغيضاً، وهو كذلك، فإن معارضيه في الدولة الإسلامية أسوأ بكثير".

ويرى مراقبون في استدارة جونسون هذه، أنّها عودة إلى الخط العام الذي انتهجه سلفه، فيليب هاموند، في ما يخص الملف السوري، والذي أكد في مداخلة له، في سبتمبر/ أيلول الماضي، في الجلسة المفتوحة بمجلس الأمن حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن نظام الأسد هو من أوصل سورية إلى هذه الأزمة، وأن نظام الأسد هيّأ البيئة لنمو التطرف، ونمو "داعش" خصوصاً. ورفض هاموند، آنذاك، مشورة من يقولون إن "سم الأسد هو العلاج لسرطان داعش. وبالتالي، فإن أفضل مساهمة يمكن أن يقدمها الأسد ومن حوله الآن هي وضع مصالح بلادهم قبل مصالحهم الشخصية، والتنحي الآن لإتاحة انطلاق عملية انتقال سياسية تؤدي لإنهاء الحرب الأهلية وتتيح للسوريين الاتحاد في كفاحهم ضد التطرف".

تغيير مواقف جونسون في الشأن السوري، لن يكون الأخير، إذ عليه التحلي بالكثير من "الدبلوماسية" لتصحيح مواقفه السابقة المثيرة للجدل، والتي غالباً ما كان يعبّر عنها في مقال أسبوعي في صحيفة "ذا تلغراف"، وكان أشد ما قاله في إبريل/ نيسان الماضي، منتقداً تدخل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في مسألة الاستفتاء البريطاني، قائلاً، في تعبير لا يخلو من العنصرية، إن "التراث الكيني في شخصية أوباما عزز مشاعره المعادية لبريطانيا". وأضاف أن "الرئيس نصف الكيني يكن كراهية للإمبراطورية البريطانية".

ولم تنجُ المرشحة الديمقراطية المحتملة للرئاسة الأميركية، هيلاري كلينتون، من لسان جونسون السليط عندما وصفها في مقاله في صحيفة "ذا تلغراف" بـ"ممرضة سادية في مستشفى للأمراض العقلية". وخلال معركة الاستفتاء حول مصير عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، هاجم جونسون قادة الاتحاد الأوروبي، وقال إن مساعيهم لبناء "دولة أوروبا الكبرى" لا تختلف عن مساعي أدولف هتلر ونابليون بونابرت في توحيد أوروبا".

وأثناء زيارة لإسرائيل في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، وصف جونسون حملة المقاطعة الدولية لإسرائيل (BDS) بـ"الفكرة الغبية"، زاعماً أن "حملة المقاطعة المحصورة في أوساط أكاديمية يقودها نفر من اليسار الجامعي لا يمثلون السلك الأكاديمي أو التيار المركزي في الغرب، وبالتالي لا تأثير لهم في بريطانيا".

وعلى الرغم من أن الكثير من الدول والدوائر السياسية والتي فوجئت بتعيين بوريس جونسون على رأس الخارجية البريطانية، سارعت للفصل بين مواقف جونسون الشخصية والسياسة الخارجية للمملكة المتحدة، لكن جونسون، وفي ما يشبه "العودة إلى بيت الطاعة"، باشر بالفعل التخلص من "مشاغبة قلمه ولسانه"، واستبق مواقفه الجديدة من الملف السوري، بالتوقف عن كتابة مقاله الأسبوعي في صحيفة "ذا تلغراف"، "احتراماً لمهامه الجديدة كوزير"، وفقاً لمراقبين.