31 أكتوبر 2024
جورج ويا نجم كرة القدم رئيساً
خوض مباراة في السياسة من أجل الفوز بمنصب رئيس دولة، وامتلاك المهارات والتقنيات اللازمة لكسب استحقاقٍ على قدر كبير من الأهمية، ليس أمراً بسيطاً، لأن رهاناً من هذا الحجم يتطلب خبرة ومراساً وإلماماً بقواعد الصراع السياسي، ووعياً عميقاً بمقتضيات التنافس والتدافع الانتخابي، بما في ذلك الاستناد إلى حزب سياسي متجذّر في المجتمع، ويملك برنامجاً ومشروعاً واضحين، وخطاباً مقنعاً ومصداقية لا مراء فيها، حزب قادر على الاستقطاب الدائم، ويتوفر على إمكانات وموارد معقولة لتعبئة المواطنين وتأطيرهم.
لم يكن أحد يتكهن قبل بضع سنوات أن جورج ويا (51 عاماً)، أحد أفضل المهاجمين فى لعبة كرة القدم في تاريخ أفريقيا، واللاعب الأفضل على الإطلاق في تاريخ بلاده ليبيريا، سيقتحم يوماً ما المعترك السياسي، ويقنع الشارع بجدوى ترشحه رئيساً، ونجاعة وعوده، وصدق التزاماته للتصويت لصالحه، وهو ما تأتى له، حيث أصبح رئيساً للجمهورية، بعدما كسر شوكة منافسه، جوزيف بواكاي، نائب الرئيسة المنتهية ولايتها، ليفوز فى جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية بأكثر من 61% من الأصوات، وهو القائل "لا أحد عليه أن يخشى من التغيير.. أنظروا إلى مسار حياتي، انتقلت من لاعب كرة القدم إلى رجل سياسة. يمكنكم بدوركم أن
تكونوا هذا الشخص". وها هو الحلم الذي تشبث به ويا أعواماً طويلة يتحقق، فهل سيتألق في السياسة كما تألق في كرة القدم، عندما كان يمطر شباك الخصوم بأهداف من صنع عبقريته ومؤهلاته؟.
أن يفوز شخص من عيار جورج ويا الذي تألق دولياً في لعبة كرة القدم، في انتخابات رئاسية، ساخنة بكل المقاييس في جمهورية ليبيريا، مثير للفضول والدهشة، علماً أن التقاليد الديمقراطية والشروط الاجتماعية والبيئة السياسية ومخلفات الحرب الأهلية التي ألحقت خسائر كبيرة بالبلاد سنوات، عوامل يصعب معها تصور وصول طفلٍ ترعرع في حي صفيحٍ فقير إلى مربع السلطة، وكل رأسماله مسار كروي ناجح بامتياز، وموهبة مكّنته من الحصول على جوائز كثيرة وثمينة، كفوزه بالكرة الذهبية وبجائزة أحسن لاعب في العالم، وأفضل لاعب في إفريقيا ثلاث مرات، علاوة على أنه لعب في أعرق النوادي وأشهرها، منها فريقا إمارة موناكو وباريس سان جرمان الفرنسيان وأي سي ميلانو الإيطالي. وكلما كان في صفوف فريق إلا وتمكّن من الظفر باللقب، مثلما حصل مع النوادي الثلاثة، لأنه كان الهدّاف المثالي والأساسي الذي يتمناه كل فريق، كما أنه لعب في نوادٍ إنكليزية.
وعلى الرغم من أن التحدّي لم يكن سهلاً، وأن جورج ويا لا يتحدّث الإنكليزية بطلاقة، ولا يتقن تشفير رموز اللعبة السياسية وتفكيكها باحتراف، كما كان يفكك ويقرأ أسرار كرة القدم، إلا أنه اشتغل جيداً وببراغماتية على مدى حوالى عقد، لتسويق صورته، وتوسيع شبكة مؤيديه، سيما بعد حصوله على شهادة عليا في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما مكّنه من الفوز بمقعد في مجلس الشيوخ، خطوة أولى على طريق الاختراقات السياسية التي توّجت بالوصول إلى القصر الجمهوري، وليصبح الرجل الأول في البلاد.
عندما أعلنت اللجنة الوطنية التي أشرفت على الانتخابات عن فوز جورج ويا، خرج الأنصار وتدفقت الحشود، وتعالت صيحات الأنصار في شوارع مونروفيا العاصمة، والقلعة الانتخابية لجورج ويا. وعمّت الفرحة كل التراب الليبيري، كما عبّر الشباب عن ارتياحهم لاجتياز مرحلة عصيبة، بسبب الجدل الذي حام حول الخروق والتجاوزات التي شابت الجولة الأولى في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، والاصطفافات الحزبية والسياسية التي كانت تسعى، بكل الوسائل، إلى قطع الطريق على ويا، مرشح التحالف من أجل التغيير الديمقراطي، وحتى لايكون هناك انتقال ديمقراطي، وتداول على السلطة، وجيل جديد من الرؤساء.
كل المراقبين الذين تابعوا الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الليبيرية أجمعوا على أنها نظمت وفق القواعد الدستورية، ما يعني استبعاد أي محاولةٍ للتشكيك في نزاهتها وشفافيتها، علماً أن اللجنة التي أشرفت على هذه الانتخابات اتخذت إجراءاتٍ وقائية وتصحيحية، لتفادي الأسوأ في انتخاباتٍ وصفت بالمصيرية والحاسمة، وكذلك بهدف التفاعل إيجابياً مع اللحظة السياسية الوطنية، ومع تطلعات الشعب الليبيري إلى التغيير، والذي اعتاد أن تحكمه نخبة منحدرة من العبيد الأميركيين القدماء، وهي التي تسيطر منذ عقود على مفاصل الحياة السياسية، بخلاف الرئيس الجديد الذي ينتمي إلى أثنية "كرو"، والتي على الرغم من أنها تشكل إحدى المجموعات العرقية الرئيسية في البلاد، إلا أنها ظلت خارج مربع السلطة.
بدا جورج ويا واثقاً من الانتصار، حتى قبل ظهور النتائج الرسمية، فقد سبق له أن صرح قائلاً "معي الشعب وحزب كبير وتحالف قوي"، وكأي مرشّح يحدوه الأمل، ومتشبع بثقافة التفاؤل، حضّر نفسه جيداً لإدارة البلاد، ولخوض هذه المعركة التي أرادها تحدّياً شخصياً، ورهاناً جماعياً، خصوصاً وأنه حرص على أخذ العبر واستخلاص الدروس من خيباته السياسية السابقة، عندما ترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2005، حيث هزمته إلين جونسون سيرليف، المرأة الأولى في أفريقيا التي أصبحت رئيسة ليبيريا، وأيضاً عندما لم يفز بمنصب نائب رئيس الجمهورية عام 2011.
أمام الرئيس الجديد عدة ملفات معقدة وأساسية، تتطلب إجماعاً وتوافقات سياسية بين مختلف الفرقاء، في طليعتها ترسيخ المصالحة الوطنية الشاملة، لتضميد الجراح التي أحدثتها سنوات الحرب الأهلية التي أنهكت البلاد ودمرت الاقتصاد، وأرعبت العباد، مخلفة أكثر من 250 ألف قتيل، وكان الرئيس الجديد في أثنائها خارج البلاد، لكن المتمرّدين أحرقوا منزله، وقتلوا أقرباء له.
ومن البديهي أن يدرك جورج ويا الذي هنأه نجوم كرة القدم حجم المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه، فهو إلى جانب أنه يرمز إلى التغيير والتجديد والقطيعة مع حوالى 70 سنة من الجمود السياسي وعدم التداول على الحكم، فإنه مطالَبٌ، في الوقت نفسه، بتوفير الشروط الملائمة لطي صفحةٍ من تاريخ البلاد. وفي المقابل، فتح صفحات جديدة بخيارات وسياسات وتوجهات بديلة، وهذه مسألة يحتّمها ويفرضها انبثاق هويات سياسية، وتوازنات عرقية، وظهور جيل جديد ممثل خصوصاً في الشباب الذي يعقد آمالاً واسعة على نجم كروي، قد يصعب عليه أن يحافظ على توهجه ونجوميته في ملعب السياسة.
لم يكن أحد يتكهن قبل بضع سنوات أن جورج ويا (51 عاماً)، أحد أفضل المهاجمين فى لعبة كرة القدم في تاريخ أفريقيا، واللاعب الأفضل على الإطلاق في تاريخ بلاده ليبيريا، سيقتحم يوماً ما المعترك السياسي، ويقنع الشارع بجدوى ترشحه رئيساً، ونجاعة وعوده، وصدق التزاماته للتصويت لصالحه، وهو ما تأتى له، حيث أصبح رئيساً للجمهورية، بعدما كسر شوكة منافسه، جوزيف بواكاي، نائب الرئيسة المنتهية ولايتها، ليفوز فى جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية بأكثر من 61% من الأصوات، وهو القائل "لا أحد عليه أن يخشى من التغيير.. أنظروا إلى مسار حياتي، انتقلت من لاعب كرة القدم إلى رجل سياسة. يمكنكم بدوركم أن
أن يفوز شخص من عيار جورج ويا الذي تألق دولياً في لعبة كرة القدم، في انتخابات رئاسية، ساخنة بكل المقاييس في جمهورية ليبيريا، مثير للفضول والدهشة، علماً أن التقاليد الديمقراطية والشروط الاجتماعية والبيئة السياسية ومخلفات الحرب الأهلية التي ألحقت خسائر كبيرة بالبلاد سنوات، عوامل يصعب معها تصور وصول طفلٍ ترعرع في حي صفيحٍ فقير إلى مربع السلطة، وكل رأسماله مسار كروي ناجح بامتياز، وموهبة مكّنته من الحصول على جوائز كثيرة وثمينة، كفوزه بالكرة الذهبية وبجائزة أحسن لاعب في العالم، وأفضل لاعب في إفريقيا ثلاث مرات، علاوة على أنه لعب في أعرق النوادي وأشهرها، منها فريقا إمارة موناكو وباريس سان جرمان الفرنسيان وأي سي ميلانو الإيطالي. وكلما كان في صفوف فريق إلا وتمكّن من الظفر باللقب، مثلما حصل مع النوادي الثلاثة، لأنه كان الهدّاف المثالي والأساسي الذي يتمناه كل فريق، كما أنه لعب في نوادٍ إنكليزية.
وعلى الرغم من أن التحدّي لم يكن سهلاً، وأن جورج ويا لا يتحدّث الإنكليزية بطلاقة، ولا يتقن تشفير رموز اللعبة السياسية وتفكيكها باحتراف، كما كان يفكك ويقرأ أسرار كرة القدم، إلا أنه اشتغل جيداً وببراغماتية على مدى حوالى عقد، لتسويق صورته، وتوسيع شبكة مؤيديه، سيما بعد حصوله على شهادة عليا في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما مكّنه من الفوز بمقعد في مجلس الشيوخ، خطوة أولى على طريق الاختراقات السياسية التي توّجت بالوصول إلى القصر الجمهوري، وليصبح الرجل الأول في البلاد.
عندما أعلنت اللجنة الوطنية التي أشرفت على الانتخابات عن فوز جورج ويا، خرج الأنصار وتدفقت الحشود، وتعالت صيحات الأنصار في شوارع مونروفيا العاصمة، والقلعة الانتخابية لجورج ويا. وعمّت الفرحة كل التراب الليبيري، كما عبّر الشباب عن ارتياحهم لاجتياز مرحلة عصيبة، بسبب الجدل الذي حام حول الخروق والتجاوزات التي شابت الجولة الأولى في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، والاصطفافات الحزبية والسياسية التي كانت تسعى، بكل الوسائل، إلى قطع الطريق على ويا، مرشح التحالف من أجل التغيير الديمقراطي، وحتى لايكون هناك انتقال ديمقراطي، وتداول على السلطة، وجيل جديد من الرؤساء.
كل المراقبين الذين تابعوا الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الليبيرية أجمعوا على أنها نظمت وفق القواعد الدستورية، ما يعني استبعاد أي محاولةٍ للتشكيك في نزاهتها وشفافيتها، علماً أن اللجنة التي أشرفت على هذه الانتخابات اتخذت إجراءاتٍ وقائية وتصحيحية، لتفادي الأسوأ في انتخاباتٍ وصفت بالمصيرية والحاسمة، وكذلك بهدف التفاعل إيجابياً مع اللحظة السياسية الوطنية، ومع تطلعات الشعب الليبيري إلى التغيير، والذي اعتاد أن تحكمه نخبة منحدرة من العبيد الأميركيين القدماء، وهي التي تسيطر منذ عقود على مفاصل الحياة السياسية، بخلاف الرئيس الجديد الذي ينتمي إلى أثنية "كرو"، والتي على الرغم من أنها تشكل إحدى المجموعات العرقية الرئيسية في البلاد، إلا أنها ظلت خارج مربع السلطة.
بدا جورج ويا واثقاً من الانتصار، حتى قبل ظهور النتائج الرسمية، فقد سبق له أن صرح قائلاً "معي الشعب وحزب كبير وتحالف قوي"، وكأي مرشّح يحدوه الأمل، ومتشبع بثقافة التفاؤل، حضّر نفسه جيداً لإدارة البلاد، ولخوض هذه المعركة التي أرادها تحدّياً شخصياً، ورهاناً جماعياً، خصوصاً وأنه حرص على أخذ العبر واستخلاص الدروس من خيباته السياسية السابقة، عندما ترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2005، حيث هزمته إلين جونسون سيرليف، المرأة الأولى في أفريقيا التي أصبحت رئيسة ليبيريا، وأيضاً عندما لم يفز بمنصب نائب رئيس الجمهورية عام 2011.
أمام الرئيس الجديد عدة ملفات معقدة وأساسية، تتطلب إجماعاً وتوافقات سياسية بين مختلف الفرقاء، في طليعتها ترسيخ المصالحة الوطنية الشاملة، لتضميد الجراح التي أحدثتها سنوات الحرب الأهلية التي أنهكت البلاد ودمرت الاقتصاد، وأرعبت العباد، مخلفة أكثر من 250 ألف قتيل، وكان الرئيس الجديد في أثنائها خارج البلاد، لكن المتمرّدين أحرقوا منزله، وقتلوا أقرباء له.
ومن البديهي أن يدرك جورج ويا الذي هنأه نجوم كرة القدم حجم المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه، فهو إلى جانب أنه يرمز إلى التغيير والتجديد والقطيعة مع حوالى 70 سنة من الجمود السياسي وعدم التداول على الحكم، فإنه مطالَبٌ، في الوقت نفسه، بتوفير الشروط الملائمة لطي صفحةٍ من تاريخ البلاد. وفي المقابل، فتح صفحات جديدة بخيارات وسياسات وتوجهات بديلة، وهذه مسألة يحتّمها ويفرضها انبثاق هويات سياسية، وتوازنات عرقية، وظهور جيل جديد ممثل خصوصاً في الشباب الذي يعقد آمالاً واسعة على نجم كروي، قد يصعب عليه أن يحافظ على توهجه ونجوميته في ملعب السياسة.