السوريون تشرّدوا في كلّ أنحاء العالم، لكنّ تحركاتهم بين الدول محكومة بالوثيقة التي يحملونها، فالجوازات مختلفة تبعاً للجهة التي أصدرتها، وهو ما يوقع بعضهم في مشاكل، خصوصاً مع التزوير الطارئ.
تحوّل جواز السفر خلال الأزمة السورية إلى هاجسٍ يلاحق السوريين الذين هربوا من جحيم الحرب أينما كانوا، وبات عبئاً على جيب حامله. بات الشخص الذي يتنقّل في مطارات العالم بجواز السفر السوري موضع شكٍّ، مع ارتباط الجواز بالرأي السياسي. وهو ما دفع النظام السوري إلى استخدامه كورقة ضغط ضد معارضيه خارج البلاد. يضاف إلى هذه المشكلة دخول الجوازات سوق السمسرة والكسب المادي، بعدما بدأ سماسرة في دول الجوار السوري بإنتاج جوازات غير نظامية.
تعدد المصادر
رصدت "العربي الجديد" ثلاثة أنواع من جوازات السفر السورية، مما يتداوله السوريون في الخارج ويسافرون باستخدامها. النوع الأول جوازات السفر النظامية السورية التي تمنح عبر القنصليات والسفارات في دول العالم، وتتميّز بأنّها الأكثر اعترافاً في معظم دول العالم.
النوع الثاني جوازات صادرة عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. عدد قليل من الدول يعترف بهذا الجواز، فالثمن مرتفع، ويتسبّب في مشاكل كبيرة للسوريين الذين يحملونه في الخارج بسبب عدم اعتماده غالباً.
يضاف إلى جوازات النظام وجوازت الائتلاف، جوازات السماسرة، فقد عكف عدد كبير من المزورين، المنتشرين بشكلٍ كبير في تركيا خصوصاً، على السمسرة وبيع الجوازات السورية المزورة، مع عدد كبير من الوثائق المزورة كالشهادات الجامعية والهويات وغيرها. هدف هؤلاء السماسرة هو تحقيق الربح فقط.
أسعار مرتفعة
عام 2015، قرر النظام السوري إلغاء "الدراسة الأمنية" حول منح جوازات السفر للسوريين خارج البلاد، فما كان معمولاً به سابقاً هو أنّ الحصول على هذه الجوازات يتطلّب أن يكون الشخص غير مطلوب للنظام. بعد هذا القرار بات بإمكان أي سوري حتى لو قاتل سابقاً في صفوف المعارضة أن يحصل على جواز سفر من قنصليات وسفارات النظام.
لكنّ هذا القرار تزامن مع زيادة كبيرة في أسعار هذه الجوازات في القنصليات، وبات الحصول عليه يتطلّب 400 دولار أميركي للبطيء و800 دولار للمستعجل، و200 دولار لتمديد الجواز البطيء و400 دولار لتجديد الجواز المستعجل. اتخذ النظام هذا القرار بغية رفد خزيته التي تتهاوى جراء الكلفة المرتفعة للآلة العسكرية.
عاد النظام السوري في شهر مارس/ آذار الماضي إلى رفع أسعار الجوازات إلى حد الضعفين، ليصبح استخراج الجواز بـ 800 دولار وتمديده للبطيء بـ 400 دولار، الأمر الذي زاد الصعوبات على السوريين المقيمين في دول الجوار تحديداً الذين يرزحون تحت وطأة الصعوبات المعيشية.
يقول عصام، وهو سوري يعيش في غازي عينتاب التركية لـ"العربي الجديد" إنّ راتبه الشهري لا يتعدّى 300 دولار، ويذهب معظمه إلى متطلّبات الحياة الأساسية. يعلق: "كيف لي وأنا على هذه الحال أن أجدد جوازي؟". يوضح أنّ المبلغ لا يتوقّف عند 400 دولار، بل يمتد إلى تكاليف السفر جوّاً إلى إسطنبول والإقامة هناك وحجز المواعيد والوثائق.
مع اطلاع "العربي الجديد" على قنصلية النظام في إسطنبول، تبيّن أنّها أتاحت حجزاً إلكترونياً على موقعها لتجديد الجوازات، لكن بسبب فترة الانتظار الطويلة، برز على السطح سماسرة يقفون أمام القنصلية، مهمتهم بيع السوريين مواعيد في القنصلية بأوقات قريبة، ويبلغ سعر الموعد القريب ما لا يقل عن 200 دولار.
لكنّ لجوء خولة، وهي شابة سورية تعيش في إسطنبول، إلى هؤلاء السماسرة للحصول على موعد قريب لم يعفها من المشاكل. تقول العشرينية لـ"العربي الجديد" إنّها كانت مضطرة للتجديد بسرعة بسبب حصولها على تأشيرة سفر إلى أوروبا، لكنها فوجئت بعد دفعها 100 دولار لسمسار أنّ الموعد الذي قدمه لها كان مزوراً ولا وجود له في قيود القنصلية، ما جعلها في موقفٍ محرج.
إنتربول
كذلك، عمد النظام إلى ملاحقة السوريين المعارضين عبر الإنتربول، من خلال تعميم جوازاتهم على أنها مزوّرة وتم استخراجها بشكلٍ غير قانوني، عقاباً لهم على توجههم السياسي المعارض. ولعلّ أبرز هذه الحالات، توقيف الصحافية والكاتبة السورية المعارضة للنظام زينة أرحيم في العاصمة البريطانية لندن.
وكانت سلطات الحدود في المملكة المتحدة قد صادرت جواز سفر أرحيم المقيمة في تركيا بعد وصولها إلى مطار هيثرو، وبعد ساعاتٍ من الاستجواب أخبروها بوجود بلاغ بسرقة وثيقتها، فقد كان البلاغ صادراً من النظام السوري ضد الصحافية التي تُعتبر من أبرز الوجوه المعارضة.
نقلت صحيفة "أوبزرفر" البريطانية عن أرحيم قولها حينها: "توقعت أن أتعرض للمضايقات داخل بلدي. أنا أعلم أنني لو ذهبت إلى وطني سأُقتل، لكنني تأكدت الآن أنّ ذراع (الرئيس السوري بشار) الأسد يمكن أن تصل إلى بريطانيا، فهو دكتاتور يلاحق صحافية". وأوضحت أن جواز سفرها يحتوي على اسمها الكامل وصورتها وبصمتها.
وكانت أرحيم قد استخدمت الجواز نفسه سابقاً للسفر إلى بريطانيا من دون أيّ تعقيدات وذلك خلال تسلمها جائزة "منظمة مؤشر الرقابة لحرية الإعلام"، وهو ما يشير إلى أنّ النظام انتقم منها عبر إعلان جوازها مسروقاً.
لكنّ مصادر مطلعة تشير لـ"العربي الجديد" إلى أن عدداً كبيراً من حكومات العالم باتت تدرك هذا الأمر وتتفهّم أنّ النظام يعمم هذه الجوازات على أنّها مسروقة لإعاقة حركة المعارضين خارج البلاد.
بلا نفع
جوازات السفر التي يصدرها الائتلاف المعارض بشكلٍ مأجور أسوأ حالاً من جوازات النظام، إذ إنّ حاملها لا يستطيع أن يتحرّك بواسطتها إلّا في عددٍ محدود من الدول المجاورة، والتي تعترف بائتلاف الثورة كجهة سياسية سورية، ومنها قطر وتركيا ودول جوار أخرى.
انتشر هذا الجواز بشكلٍ كبير بين السوريين، لا سيّما في تركيا التي تُعتبر مقرّاً للائتلاف، لكن بعد فترة من إصداره، بدأت تطفو مشاكله على السطح، خصوصاً مع عدد من التقارير والحالات التي أوقفت في عدّة مطارات من بينها المطارات التركية، والسبب هو الجوازات ذاتها.
وكانت مصادر إعلامية قد أكّدت أنّ السلطات التركية احتجزت عشرات السوريين في مطار "أتاتورك" الواقع في الجزء الأوروبي من مدينة إسطنبول، على خلفية حيازتهم جوازات سفر صادرة عن الائتلاف الوطني.
يوسف (اسم مستعار) كان أحد السوريين الذين احتجزتهم السلطات التركية في مطار "أتاتورك" بحجّة حيازته جواز سفر الائتلاف. يقول لـ"العربي الجديد" إنه أوقف مع زوجته وأولاده العام الماضي، بتهمة "أنّ الجوازات مزوّرة وغير معترف بها". يضيف أنّه أخبر سلطات المطار بأنّه استصدر الجواز بشكلٍ مباشر من الائتلاف، وبعد أيام جرى الإفراج عنه، وفق قوله.
يتابع أنّه صادف عدداً كبيراً من السوريين في المكان الذي احتجز فيه، معظمهم كانت تهمتهم حيازة جوازات مزوّرة وغير نظامية أو موثّقة، والبعض الآخر كان بسبب ختم الجواز عن طريق السماسرة، ليتبيّن بعدها أن هذا الختم مزوّر وقد عرّض صاحبه للمساءلة القانونية.
السعر الأعلى
انتشر عدد كبير من مزوّري جوازات السوريين، والذين تتغير أصناف الجوازات التي يقدمونها تبعاً للسعر. يستغل هؤلاء الأزمة في سورية لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح المادي.
وبحسب اطلاع "العربي الجديد" فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي تغصّ بإعلانات مموّلة عن شركات بأسماء وهمية تدّعي أنها تؤمّن جوازات سفر شبه نظامية للسوريين. تختلف أسعار هذه الجوازات لتبدأ من 150 دولاراً حتى ثلاثة آلاف دولار. وبحسب عدد من السوريين الذين لجأوا إلى هؤلاء المزوّرين، فإنّ الجوازات الرخيصة تُفتضح في كلّ مطارات العالم بما فيها تركيا ولبنان وغيرهما، إلّا أنّ الجوازات مرتفعة الكلفة، يجري تزويرها بطريقة أكثر احترافية، ولا يُمكن كشفها في دول الجوار، لكن من السهل كشف تزويرها في المطارات الأوروبية التي تملك أجهزة متطورة لهذا الغرض.
في كلّ الأحوال، وعلى الرغم من تعدّد مصادر جواز السفر السوري، إلّا أن حامله بات اليوم موضع شكٍّ حيثما حلّ، فالحرب طالت في سورية ودول العالم مختلفة حول هوية الممثل الرسمي للشعب السوري.