بالنظر إلى استعمالاتها العينية، تكاد الترجمة، في السياق العربي، لا تعني غير عملية النقل من اللغات الأوروبية، بل تكاد تنحصر في عمليتي النقل من الفرنسية والإنكليزية، لولا بعض المساهمات من هنا وهناك.
يُنتج هذا التوجّه مناطق ظل لا تصلها جهود المترجمين، ليس فقط في ما يتعلق بآداب ومعارف لغات نشطة في أماكن متفرّقة من العالم، بل أيضاً مع لغات تحتك يومياً بالثقافة العربية من خلال العامية، أو بحضور مكوِّنات تتحدّث بها في بلدان عربية كالأمازيغية والمهرية والكوردية والتركمانية والنوبية والسريانية وغيرها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ما تراكم في العقود الأخيرة من وثائق يستخرجها الأركيولوجيون لحضارات عاشت في المنطقة العربية من مصريات وآشوريات وقرطاجيات وغيرها.
فهمُ ما يدور في هذه النصوص، وفي تلك اللغات المتداخلة بلغتنا، يفسّر الكثير من العلاقات والمسارات التي تطوّرت في أحشاء هذه البلاد العربية ومجتمعاتها. وفي غياب هذا الهاجس للفهم، يظل كل شيء مفكّكاً ومبعثراً.
أمام حالة الخفوت العربية للمترجمين في مناطق الظل هذه، ثمّة حضور للمؤرّخين والأنثربولوجيين الغربيين. هؤلاء لا ينفكّون يمرّرون كل ما يقع بين أيديهم إلى "جهاز الترجمة"، والتي تذهب إلى لغاتهم فتتحوّل بعد سنوات إلى مراجع سيكون من الضروري على الباحث العربي أن يعتمدها إذا أراد تقديم تصوّر أو تطوير فكرة حول تراث بلاده.