جنوب سورية... جمر تحت رماد "المصالحات"

14 يناير 2020
تتمادى قوات النظام بقمعها بحق أهالي درعا(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن الجنوب السوري أقرب إلى انفجار شعبي واسع النطاق كما هو عليه الحال منذ منتصف عام 2018، حيث تتصاعد الأحداث الأمنية، خصوصاً في محافظة درعا، التي شهدت ولا تزال تشهد حركات تمرّد ومقاومة للنظام وجيشه وأجهزته الأمنية التي اتخذت من اتفاقات ما سمي بـ"المصالحة" مدخلاً واسعاً للفتك بأهالي مهد الثورة السورية. وتمادت قوات النظام في قمعها بحق أهالي مدن وبلدات وقرى محافظة درعا، وهو ما استدعى رداً مباشراً من مجموعات يُعتقد أنها كانت من ضمن فصائل المعارضة السورية، ولكنها ترفض التصالح مع النظام. وقد تجلى هذا الردّ عسكرياً، من خلال مهاجمة حواجز لقوات النظام لا سيما في الأيام الأخيرة، واحتجاز عناصر منها، في حركة تمرّد من المتوقع أن يتّسع نطاقها في حال لم يتدارك الجانب الروسي الضامن لاتفاقات "المصالحة"، الموقف عبر وضع حدّ لتجاوزات النظام بحق الأهالي في الجنوب السوري.

في سياق تأزم الوضع أخيراً، قال الناشط محمد الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إنّ ناشطين من محافظة درعا وزعوا منشورات ورقية وعلقوا بعضها على جدران المدارس وبعض الدوائر الحكومية، يدعون من خلالها إلى التظاهر أمس الاثنين في بلدة الكرك الشرقي بريف درعا الشرقي.

ويطالب أهالي درعا بالإفراج عن المعتقلين في سجون النظام والكشف عن مصير المفقودين، وطرد المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني التي تنشط في المحافظة. وكانت الأوضاع قد انفجرت في درعا السبت الماضي، على خلفية قيام قوات النظام باعتقال مواطن مدني في بلدة ناحتة، حيث هاجم شبان غاضبون نقطة تفتيش للمخابرات الجوية، أقسى الأجهزة الأمنية لدى النظام، واحتجزوا عناصرها وصادروا أسلحتهم الفردية. وذكرت مصادر محلية أنّ العديد من البلدات والقرى تضامنت مع أهالي ناحتة، منها: تل شهاب، والمزيريب، ومعربة، ونوى، والكرك الشرقي، وداعل، والمليحة الغربية، وطفس.

ولاحقاً، أُفرج عن عناصر قوات النظام البالغ عددهم نحو 20، وذلك بعد وساطة روسية تضمّنت إطلاق سراح المدني المعتقل. ولكن الوضع لم يهدأ في مدن وبلدات درعا، حيث هاجمت مجموعات غاضبة حواجز لقوات النظام في بلدات عدة داخل المحافظة خلال اليومين الأخيرين، في مؤشر على تغيّر القواعد في الجنوب السوري الذي أجرى اتفاقات "مصالحة" مع النظام منتصف عام 2018، اتخذها الأخير مدخلاً للفتك بالمدنيين، في ظلّ تراخ روسي.

وكانت اتفاقات التسوية التي أبرمت قد نصّت على تسليم السلاح من قبل فصائل المعارضة السورية التي ظلّت لسنوات تسيطر على الجانب الأكبر من المحافظة، ووقف إطلاق النار وخروج الرافضين نحو الشمال السوري، مع ضمانات للذين يرغبون بالبقاء بعدم التعرض لهم من قبل النظام. لكنّ الأخير لم يلتزم بالاتفاقات التي ضرب بها عرض الحائط، مواصلاً سياسته المعروفة في القمع، إذ لم يكتف بعدم الإفراج عن المعتقلين قبل إبرام الاتفاقات، لا بل اعتقل معارضين سابقين له، من بينهم شخصيات كانت قيادية في فصائل المعارضة السورية وكان لها دور في التوصّل لهذه الاتفاقات التي مكّنت النظام والجانب الروسي من استعادة السيطرة على كامل الجنوب السوري من دون عمليات عسكرية. كما سمح النظام للمليشيات الإيرانية بالتوسّع في المحافظة الحدودية مع الأردن وفلسطين المحتلة.

ولم يهدأ الجنوب السوري يوماً منذ منتصف عام 2018، حيث شهد منذ ذلك الحين عمليات اغتيال طاولت العديد من الشخصيات المرتبطة أو تلك التي كان لها دور في سيطرة النظام على محافظتي درعا والقنيطرة. وكان عدد من أبناء محافظة درعا قد أعلن في أواخر عام 2018 عن تأسيس "المقاومة الشعبية في الجنوب السوري"، رداً على الانتهاكات والتجاوزات بحق أهالي المحافظة. وتؤكد مصادر محلية أنّ مجموعات "المقاومة الشعبية" قامت بعمليات وصفتها بـ "الناجحة" ضدّ قوات النظام والمرتبطين بها، أبرزها قتل قائد ومؤسس مليشيا اللجان الشعبية التابعة للنظام في مدينة جاسم بريف درعا الغربي، قصي نادر الحلقي، منتصف أكتوبر/تشرين الأول من العام الفائت.

ووفق "تجمع أحرار حوران"، وصل عدد المعتقلين من قبل أجهزة النظام الأمنية، من أبناء محافظة درعا لأكثر من 950، منذ أن سيطر النظام على الأخيرة في يوليو/تموز من عام 2018. وذكرت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أنّ "اشتداد القبضة الأمنية والاعتقالات التي لا تستثني أحداً، وقتل المعتقلين تحت التعذيب في سجون النظام، إضافة إلى تعامل قوات النظام مع الأهالي تعامل المحتل، حيث لا تتوفر الخدمات في المناطق التي سيطرت عليها، هي الأسباب الرئيسية للغضب الشعبي في درعا". كذلك، أشارت المصادر إلى أنّ تصاعد نشاط المليشيات الإيرانية في المحافظة سبب لا يقل أهمية عن الأسباب الأخرى، في الاحتقان والغضب الكبيرين اللذين يضربان مدن وبلدات درعا، مؤكدةً أنّ إيران تحاول نشر مذهبها الشيعي في المحافظة ترهيباً وترغيباً. ولفتت المصادر إلى أنّ المليشيات الإيرانية تتخذ من مقرات قوات النظام مراكز لها، خصوصاً في منطقة إزرع، حيث الفرقة الخامسة لقوات النظام، إضافة إلى المثلث الذي يربط بين محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق، مشيرةً إلى أنّ هذه المليشيات أقامت العديد من مراكز التدريب هناك.

المساهمون