جنوب سورية: أطراف الصراع تحاول تجنّب المواجهة

05 يونيو 2018
تسيطر فصائل المعارضة على ريف درعا الشرقي (فرانس برس)
+ الخط -

تتحرّك أطراف الصراع في الجنوب السوري سراً وعلناً لتجنّب مواجهة عسكرية بين النظام وحلفائه من جهة، وبين "الجيش السوري الحر" وداعميه من جهة أخرى؛ مواجهة من شأنها نقل هذا الصراع إلى مستويات ربما يصعب بعد ذلك احتواؤها، في ظلّ "تحايل" إيراني مكشوف، حيث تؤكد مصادر أنّ المليشيات الإيرانية تتخذ من لباس قوات النظام وسيلة للتمويه على وجودها ليس البعيد عن الحدود السورية مع كل من الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن. ويبدو أنّ المعارضة السورية التي تملك حضوراً عسكرياً كبيراً في جنوب سورية، تستعد لكل الاحتمالات، لذا تتشدّد في شروطها مقابل أي اتفاق سياسي لحسم مصير المنطقة، والتي باتت مسرح تجاذب وتوتر إقليمي ودولي، إذ تسعى كل الأطراف للحصول على ما تريد من خلال رفع سقوف مطالبها.

وقالت مصادر مطلعة إن فصائل "الجبهة الجنوبية" التابعة للمعارضة السورية قدمت ورقة تتضمن عشرة بنود، إلى الدول الراعية اتفاق خفض التصعيد جنوب غربي سورية، أكّدت فيها "عدم القبول بأي صيغة تتضمّن دخول قوات بشار الأسد والمليشيات المساندة لها، إلى المناطق المحررة في الجنوب السوري، وإلا ستكون المعارك هي خيار الفصائل العسكرية". كما أكّدت "رفض وجود نقاط للشرطة العسكرية الروسية أو نقاط مراقبة روسية في المناطق المحررة"، مطالبةً الدول الضامنة اتفاق جنوب غربي سورية بـ "تنفيذ التزاماتها وإجبار نظام الأسد على الكفّ عن استفزازاته وخروقاته المتكررة، ووضع جدول زمني لانسحاب المليشيات الإيرانية من الجنوب على أن يكون ملزماً".

كذلك، أكّدت الفصائل رفضها "أي صيغة لفتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن، إلا بشروط الثورة وتحت سيادة مؤسساتها، ورفض تهجير ثوار وأهالي الجنوب كما حدث في مناطق سورية أخرى تحت أي ذريعة كانت". وشدّدت على "رفض دخول أي قوات عربية أو أجنبية إلى المناطق المحررة في الجنوب السوري بصيغة قوات فصل أو غيرها"، مبديةً الاستعداد "لإنشاء قوة محلية مدرّبة تتكفل بمهمة رصد الخروقات".

وضُمنت ورقة الفصائل بنداً يطالب بـ"الإسراع بعملية سياسية وفق القرارات الشرعية الدولية ومرجعية جنيف، وإطلاق سراح جميع المعتقلين وإعادة المهجرين قسرًا إلى بلداتهم فورًا ومن دون أي شروط".

ومن المنتظر عقد اجتماع ثلاثي (روسي، أميركي وأردني) في العاصمة الأردنية عمّان على المستوى الوزاري خلال أيام، لوضع خارطة طريق جديدة، تنهي الجدل الحاصل حول مصير المنطقة الجنوبية في سورية. وفي هذا الإطار، قال القيادي في "الجيش السوري الحر"، إبراهيم الجباوي، في حديث مع "العربي الجديد" إن "كل ما يجري لا يتعدّى مشاورات حول حلّ الأزمة برمتها"، مشيراً إلى أنّه "حتى الآن لم يتم تحديد موعد الاجتماع الثلاثي على الأقل بشكل علني". وأضاف: "ربّما يتم الاجتماع خلال هذا الأسبوع بشكل غير معلن، وفق تسريبات".

 
ويعدّ الوجود الإيراني في جنوب سورية من أهم العوائق أمام التوصّل لاتفاق نهائي حول المنطقة، حيث تحوّل هذا الوجود إلى مصدر قلق معلن للجانبين الإسرائيلي والأردني اللذين يصرّان على إبعاد مليشيات تتبع للحرس الثوري الإيراني من حدودهما، مقابل تسهيل التفاوض حول قضايا أخرى، منها عودة قوات النظام إلى المنطقة، وفتح معبر نصيب الحدودي.

ورغم زعم النظام ومسؤولين إيرانيين أنه لا وجود عسكريا لطهران في جنوب سورية، إلا أنّ الوقائع الميدانية تؤكّد بطلان الادعاءين، إذ تحتفظ إيران بوجودين، واحد معلن وآخر سرّي، في جنوب البلاد. وفي هذا الصدد، أكّد الجباوي أنه "في كل مكان توجد به قوات للنظام تشترك معها مليشيات إيرانية، لا سيما في مدن درعا، إزرع، السويداء، مثلث الموت والقنيطرة". وأشار إلى أنه "جرى انسحاب لعناصر المليشيات الإيرانية من غالبية المناطق جنوب سورية، ولكن ما لبثوا أن عادوا بعد تبديل لباسهم بلباس قوات النظام، ووردت أنباء أنهم زُوّدوا ببطاقات هوية سورية".

إلى ذلك، بدأ النظام السوري والحكومة الأردنية تبادُل "رسائل إيجابية" في ضوء التطورات في جنوب سورية، إذ قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، أوّل أمس الأحد، إنّ نظام الأسد "هو الطرف الوحيد المؤهّل لأن يكون على الحدود الأردنية السورية"، مضيفاً: "المعارضة غير موجودة كمؤسسات على الأرض".

من جهتها، أشارت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام السوري، إلى تقارير تفيد بوصول "أكثر من رسالة إيجابية من دمشق إلى عمان تدعم خيار إقامة اتصالات لها علاقة بأي ترتيبات حدودية بين البلدين". ونقلت الصحيفة عمن قالت إنهم "سياسيون ووجهاء في مدينة جرش الأردنية" قولهم إن "الملك عبدالله الثاني أشار في لقاء معهم إلى أنه يتبادل الرسائل مع الأسد"، مضيفةً: "زادت نسبة الرسائل التي ينقلها أردنيون إلى دولتهم من الجانب السوري، في الوقت الذي برزت فيه حاجة الأردن إلى خطوط اتصال خاصة وسريعة وفعّالة مع الدولة السورية، تحت لافتة مصالح الأردن الأمنية الحدودية".

ويبدو الوضع العسكري في جنوب سورية وخصوصاً في محافظتي درعا والقنيطرة، معقداً، حيث تتقاسم السيطرة على المنطقة ثلاث قوى، هي قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها، وقوات المعارضة السورية، وما يُسمى بـ "جيش خالد" المبايع لتنظيم "داعش". وأوضحت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أنّ قوات النظام "تسيطر على 20 في المائة فقط من محافظة درعا"، مشيرةً إلى أنّ هذه القوات "تسيطر على الخط الواصل بين دمشق ومدينة درعا، وعلى منطقة "المحطة" داخل مدينة درعا مركز المحافظة، إضافة إلى مدن الشيخ مسكين، إزرع، خربة غزالة، وعدد من القرى".

أمّا فصائل المعارضة، فتسيطر على ريف درعا الشرقي من مدينة بصرى الشام، وصولاً إلى بلدة صيدا، بالإضافة إلى سيطرتها على منطقة "درعا البلد" داخل مدينة درعا. كذلك تسيطر المعارضة على أغلب ريف درعا الغربي، بما في ذلك مدن وبلدات تل شهاب، طفس، زيزون، اليادودة، والمزيريب، وصولاً إلى منطقة حوض اليرموك، حيث تبدأ مناطق سيطرة "جيش خالد" المتاخمة للجولان السوري المحتل والتي تضم بلدات وقرى صغيرة. وأوضحت المصادر أنّ "الجيش السوري الحر" يملك حضوراً قوياً في ريف القنيطرة، وخصوصاً المناطق المتاخمة لبلدة نوى، ما يعني أن مناطق السيطرة متداخلة.

وفي هذا السياق، قالت مصادر عسكرية في جنوب سورية، إنّ الجيش السوري الحر "قوة ضاربة في المنطقة"، مشيرةً إلى أنّ هذا الجيش "لديه أكثر من 40 ألف مقاتل محترف اكتسبوا خبرة قتالية خلال نحو سبع سنوات من محاربة قوات النظام ومليشيات إيران". وأوضحت المصادر أنّ هناك الكثير من الفصائل المقاتلة هناك منها "جيش اليرموك"، و"لواء شباب السنة" الذي يتمركز في ريف درعا الشرقي، إضافة إلى فصائل أخرى. ولفتت المصادر إلى أنّ محافظة درعا كبيرة نسبياً، موضحةً أن هناك جبهتي قتال: الأولى تمتد على نحو 100 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، والثانية تمتد على نحو 55 كيلومتراً من الشرق إلى الغرب، إضافة الى منطقة "اللجاة" ذات الطبيعة الجغرافية الصعبة.

وقالت المصادر ذاتها، إن المعارك بين قوات النظام والجيش السوري الحرّ في حال قررت الأطراف المواجهة "لن تنتهي خلال وقت قصير، ففصائل الجيش الحر قادرة على الصمود ومقاومة قوات النظام لفترة طويلة"، مؤكدةً أنّ "الصراع لن ينتهي في جنوب سورية، إلا باتفاق يرضي المعارضة السورية".