جنوب دمشق.. الموت جوعاً

15 مارس 2015
وضع مأساوي في المناطق المحاصرة جنوب العاصمة(رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -

"أنام وأصحو وأنا أحلم بالأكل. لا هم لي سوى إيجاد أي شيء آكله. آخر ما تناولته قبل يومين بضع لقيمات من دون خبز من نبتة الخبيزة"، كلمات ألقاها عبدو، وتلخص معاناة أهالي جنوب دمشق، الذين يخضعون لحصار تام منذ أكثر من عامين، جرى تشديده قبل ثلاثة أشهر مع إغلاق معبر بيت سحم؛ المنفذ الوحيد الذي كانت تدب فيه بعض الحركة نتيجة الهدنة التي عقدها أهالي ببيلا وبيت سحم مع النظام.

اقرأ أيضاً (584 يوماً على نكبة اليرموك: الخبز أخيراً في المخيم)

ويقول ناشطون إنه في اللحظة التي أُعلن فيها عن إغلاق معبر بيت سحم قبل ثلاثة أشهر، ارتفعت الأسعار أكثر من عشرة أضعاف، وارتفع سعر كيلو الرز، على سبيل المثال، من 700  إلى 7000 ليرة (أكثر من 30 دولاراً)، إضافة إلى جميع المواد الغذائية الشحيحة أصلاً في السوق، والتي كان يُدخلها أهالي بيت سحم وببيلا، بعدما سمح النظام لهم بالدخول والخروج، في أوقات محدّدة، جالبين معهم بعض المواد الغذائية التي يستفيد منها سكان المناطق الأخرى التي لم تعقد هدنا مع النظام، والمتصلة جغرافياً مع هاتين المنطقتين.

وتشمل هذه المناطق سبع مدن وبلدات وهي: مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن وببيلا ويلدا وبيت سحم والقدم، وتضم حالياً أكثر من 150 ألفا من السكان، بعدما كان يقطنها قبل الثورة نحو مليون ونصف مليون نسمة.

وخلافاً لمناطق الغوطة الشرقية المحاصرة، بدورها، فان هذه المناطق، ليس فيها مساحات خضراء ولا مواشي، وهي مزدحمة كلياً بالعمران والسكان، وتعتبر إجمالاً من المناطق الشعبية، التي تضم كثافة سكانية عالية، ويقطنها سكان من مجمل المحافظات السورية، وإن كانت السمة البارزة لمخيم اليرموك أنّه تجمع للاجئين الفلسطينيين.

مع العلم أنّ أكثر من نصف سكان المخيم من المواطنين السوريين. بينما الصفة البارزة للحجر الأسود المتصل جغرافياً مع اليرموك، أنه تجمع للنازحين السوريين من أبناء الجولان المحتل، في حين يعتبر سكان بقية المناطق من الفلاحين السابقين، الذي زحف العمران إلى أراضيهم الزراعية فالتهمها عن بكرة أبيها، وتحولوا للعمل في الوظائف والأعمال الحرة.

انخرطت هذه المناطق، أو ما يسمى بحزام الفقر حول دمشق، بالاحتجاجات الشعبية في وقت مبكر، وشهدت تظاهرات سلمية تعرّضت على غرار المناطق الأخرى للقمع العنيف، فقُتل واعتُقل الآلاف من سكانها، بينما هجرها معظمهم تباعاً مع تصاعد الأعمال العسكرية في الأعوام التالية، وبقي فيها من انعدمت أمامه خيارات الخروج، أو كان مطلوباً لدى الأجهزة الأمنية، فلم يجرؤ على المغادرة.

وتشير المعطيات إلى أن نحو 170 شخصاً توفوا في مخيم اليرموك نتيجة الجوع، بينما توفي نحو تسعين في مدينة الحجر الأسود للسبب نفسه. وتفرض قوات النظام والمليشيات الفلسطينية والعراقية التي تقاتل إلى جانبها حصاراً محكماً حول منطقة الحجر الأسود المتصلة جغرافيا. وتمتد على مساحة محدودة، ولا تتجاوز المسافة بين أبعد نقطة من مخيم اليرموك باتجاه منطقة الميدان في دمشق الى أقصى جنوب الحجر الأسود 3 كيلومترات، ومثلها تقريباً أو أكثر قليلاً من بيت سحم شرقاً الى منطقة القدم غرباً. وهذه المساحة المحدودة مكنت النظام والمليشيات من إحكام حصارها على المنطقة، إذ يتم رصد أي تحرك للسكان إلى خارج المنطقة. وقتل بنيران قناصة النظام ومليشياته العديد من الأشخاص، بينهم نساء وأطفال، وهم يحاولون الخروج أو التقاط بعض الأعشاب لتناولها عند أطراف هذه البلدات.

في بداية الحصار، كان هناك نشاط لبعض الجهات الأهلية، التي تحاول التخفيف من معاناة السكان عبر تقديم وجبات جماعية ومساعدات عينية، لكن ذلك اختفى منذ أكثر من عام بسبب غياب الدعم لهذه الجهات، ومنها مثلاً المجلس المحلي في الحجر الأسود، الذي كان يدير مطبخاً مركزياً تقدّم فيه وجبة مجانية يومية للسكان، غير أنّه توقف عن العمل منذ شهر رمضان ما قبل الماضي.
ويقول الناشط الإعلامي رامي السيد، الذي يقيم في تلك المنطقة، لـ"العربي الجديد" إنه لم يقدم للحجر الأسود خلال العامين المنصرمين سوى مبالغ زهيدة للغاية، من جانب وحدة تنسيق الدعم والحكومة المؤقتة، وخلال الأشهر الثمانية الماضية لم يصل سوى 16 ألف دولار.  

من جهته، يرى مدير المكتب الخارجي للمجلس المحلي في حي الحجر الأسود، يونس الجولاني، أنهم "لم يتلقوا استجابة لنداء الاستغاثة الذي أطلقوه، وحذروا فيه من كارثة إنسانية في الحي، جراء استمرار الحصار". ويوضح أنّهم "تلقوا وعوداً من مجلس محافظة القنيطرة التابع للحكومة المؤقتة، بإرسال مبلغ مالي طارئ، لكنه لم يرسل حتى اللحظة".
 وحول إمكانية دخول المساعدات إلى المدينة في حال تأمينها، يقول الجولاني، إن قوات النظام لن تسمح بدخولها، بدون اتفاق هدنة معها، لافتاً إلى أن المجلس المحلي "لا يستطيع الدخول في هدنة دون موافقة الفصائل المسلحة التي تسيطر على المنطقة".

وكانت قوات النظام قد اشترطت لفتح معبر بيت سحم أن يتم إبعاد "جبهة النصرة" من تلك المنطقة، ما دفع الأهالي إلى الخروج بتظاهرة تطالب "النصرة" بالخروج، تبعها اشتباكات بين "النصرة" ولواء "شام الرسول" التابع للجيش الحر. وقد رضخت الجبهة أخيراً للضغوط، وسحبت قبل يومين مقاتليها من بيت سحم ويلدا، غير أنّ النظام لم يفتح الحاجز حتى الآن.

اقرأ أيضاً (سورية: "جبهة النصرة" تهاجم فصائل المعارضة المسلحة جنوبي دمشق)

إضافة إلى أن الكهرباء مقطوعة عن المنطقة منذ ديسمبر/كانون الأول 2013، بحيث قامت قوات النظام بقصف مباشر لمحطة الكهرباء براجمات الصواريخ، وكانت تكلفتها تقدّر بمليارات الليرات السورية، كما تغيب كل أشكال الوقود عن المنطقة، ما اضطر الأهالي للاعتماد على الأخشاب للتدفئة والطبخ، وعلى تصنيع وقود بدائي للسيارات عبر تذويب البلاستيك.

وتقول وحدة "تنسيق الدعم"، إنها أتمت بالتعاون مع الحكومة السورية المؤقتة، تسليم الشركاء المحليين في المناطق المحاصرة الدفعة الأولى من المبالغ النقدية المخصصة لتقديم الإغاثة الطارئة لمناطقهم و"قد باشر هؤلاء الشركاء بإعداد الحصص الغذائية وحليب الأطفال وتوزيعها على الأهالي في المناطق المحاصرة، من أحياء في دمشق وغوطتيها وجنوبها، وفي مناطق من ريف دمشق ومناطق من حمص المحاصرة"، مشيرة إلى أن الشركاء المنفذين لهذه الحملة هم: "مجلس محافظة ريف دمشق" و"مجلس محافظة حمص" و"مجلس محافظة القنيطرة" و "لجنة مفوضة في مخيم اليرموك" ومنظمة "الشام أمانة". وتبلغ ميزانية هذه الحملة 2.5 مليون دولار أميركي.

وتأتي حملة التدخل النقدي الطارئ هذه كجزء من حملة دعم "الأمن الغذائي" التي بلغت ميزانيتها المرصودة 3.49 ملايين دولار من إجمالي ميزانية برنامج "تكاتف"، وهي مخصصة للمناطق المحاصرة كاستجابة طارئة للوضع المعيشي المتردي للأهالي، في المناطق التي أطبق عليها النظام حصاراً خانقاً فارضاً "سياسة الجوع أو الركوع" بغية كسر إرادة الأهالي في الصمود.
المساهمون