دخلت محافظات عراقية جنوبية نفق الاستعدادات الانتخابية مبكراً، ليشتد التنافس بين الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة، المسيطرة على مقاليد الحكم والمشهد العام في تلك المحافظات، بهدف احتكار التأييد الشعبي لها في الانتخابات المقبلة، التي تقرر أن تجرى مطلع أبريل/نيسان المقبل، مستغلّة الأموال والمناصب من أجل تحقيق مآربها، بينما ينتظر الأهالي العطايا والبذخ من قبل تلك الجهات الممولة خارجياً، مقابل وعود بالتصويت لها.
ولا يمكن في جنوب العراق، الذي يضم محافظات البصرة والنجف وكربلاء وبابل وميسان وذي قار والمثنى والقادسية، إحصاء أعداد الأحزاب والمليشيات المتعدّدة الأجندات والأهداف، إذ ما زالت المفوضية المستقلة للانتخابات تعلن، بين أسبوع وآخر، عن تسجيل كيانات سياسية جديدة. إلا أن الأجندة العامة التي تطغى على الأحزاب الجديدة، عوضاً عن المليشيات التي أقالت عدداً من زعمائها البارزين بصورة شكلية ليتوافق وضعها مع قانون المفوضية الذي يمنع مشاركة أعضاء المليشيات والعسكريين في الانتخابات، أصبحت واضحة المعالم والأهداف أيضاً، إذ تنتشر صور المرشد الإيراني، علي خامنئي وشعارات الثورة الإيرانية، ترافقها الأموال والعطايا التي تغدقها بسخاء على سكان القرى والبلدات الفقيرة. وفي الوقت الذي يحذّر فيه مسؤولون من اشتداد الصراع لتحقيق مكاسب انتخابية، وما سينتج عنه من شرخ مجتمعي وأزمات بسبب الدعم المليشياوي للجهات الشعبية والعشائرية في المجتمع الجنوبي ذي الطابع العشائري، يلوم بعض المسؤولين الشارع الجنوبي نفسه، الذي فشل في خلق كيان سياسي جديد يغنيهم عن اختيار الوجوه القديمة أو تلك الموالية لإيران.
وتنتشر عند مداخل القرى والبلدات في جنوب العراق صور الزعماء السياسيين، إلى جوار صور منسوبة للإمام علي أو شخصيات من آل البيت والمراجع، وأخرى لشخصيات سياسية في ساحات القتال، عادة ما تكون مرفقة بشعارات دينية ذات بعد طائفي واضح، منها ما يدعو للثأر ممن قتل أبناء هذه القرية أو تلك البلدة. ويقول مسؤول محلّي في محافظة ميسان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصراع الانتخابي، خلال هذه الدورة، يختلف عن الانتخابات السابقة بشكل كبير"، مبيناً أنّ "الجهات السياسية والأحزاب والمليشيات تعتبر هذه الانتخابات التحدي الأكبر أمامها، وأنّها ستكون الانتخابات الحاسمة، والتي ستطيح بوجوه سياسية وتبقي على أخرى، الأمر الذي دفعها للاستعداد باكراً وبدأ التحشيد لجمع الأصوات". وأوضح أنّ "غالبية الأحزاب المسيطرة على محافظات الجنوب بدأت بالفعل وبشكل معلن الاستعدادات الانتخابية، إذ إنّ الاجتماعات مع الوجهاء والأعيان والمؤتمرات لا تتوقف. وتستغل الأحزاب الحاكمة في تلك المحافظات نفوذها لتحقيق مكاسب لها، وتغدق الأموال والعطايا والهدايا على الوجهاء وأصحاب النفوذ الشعبي". وأشار الى أنّ "التحشيد الانتخابي بلغ أوجه في جنوب العراق، وأنّ الجهات السياسية تستقطب الأتباع بكل الطرق المتاحة أمامها". ويشير عضو مجلس محافظة المثنى (الحكومة المحلية) في جنوب العراق، أحمد العسكري، إلى ما يصفه "بحمى الانتخابات المبكرة"، مبيناً أن "هناك من يستغل حالة الفقر لشراء أصوات الناس مبكراً". ويقول "نعول على فهم الشارع لخطورة المرحلة، وخطورة وصول نفس الوجوه مرة أخرى". وتركز الأحزاب الجديدة والفصائل المسلحة على المناطق الفقيرة أو تلك التي تمتاز بطابعها الديني المذهبي، حيث تجد فيها ضالتها.
من جهته، أكد عضو الحزب الشيوعي العراقي عن مكتب تنظيمات الجنوب، علي سالم، أنّ "كل الطرق المتبعة في التحشيد للانتخابات من قبل الأحزاب والمليشيات غير مشروعة، ولا تصب في صالح التعايش السلمي بين الأهالي". وقال سالم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "غالبية الأحزاب بدأت تقدم هدايا عينية ومالية للوجهاء، وللعوائل الفقيرة، فضلاً عن عوائل قتلى الحشد الشعبي الذين قتلوا في سورية وفي معارك العراق"، مبيناً أنّ "توزيع تلك الهدايا والعطايا ترافقها ندوات إعلامية وحملات تحشيد طائفي خطيرة". وأكد أنّ "تلك الحملات الإعلامية تعد الخطر الأكبر الذي تواجهه المحافظات الجنوبية، خصوصاً مع عوائل قتلى الحشد، الذين يكونون الشريحة الأسهل بالنسبة للدفع الطائفي من قبل تلك الأحزاب، التي تقدّم لها الوعود بأن تدعم تحركاتها بكل الاتجاهات". وأشار الى أنّ "فصائل المليشيات اتبعت طريقة جديدة للحصول على الأصوات، وهي العمل على تقديم السلاح إلى العشائر وشيوخها"، موضحاً أنّ "عشائر ميسان وبابل حصلت على أسلحة كثيرة من المليشيات، التي تحركت لتوزيع السلاح على عشائر المحافظات الأخرى، بينما قدمت الأحزاب الدينية هدايا عينية، كالبطانيات والأجهزة الكهربائية. والمجلس الأعلى تجاوز كل الحدود من خلال جعل المواطن ينتخب كتلة المجلس الأعلى قبل أن يستلم الهدية". وحذّر من "خطورة هذا التوجه غير محسوب العواقب، خصوصاً وأنّ الأحزاب والمليشيات لا تحسب حساباً للنتائج السلبية عن ذلك، بقدر ما تسعى لتحقيق مكاسبها الخاصة". وأكد النائب العراقي، إسكندر وتوت، ضرورة تفعيل الرقابة على مثل تلك الحملات وتصدي المفوضية لها. وقال وتوت، لـ"العربي الجديد"، إن "استغلال الناس أو شراء أصواتهم أصبحت ظاهرة مقززة، ويجب وقف تلك الحملات ومحاسبة المتورطين فيها، عبر منعهم من المشاركة في الانتخابات".
بدوره، حذّر الخبير السياسي، عبد الله العامري، من "مغبة ترك الحبل على الغارب لتلك الجهات الحزبية والمليشياوية في تحشيدها للانتخابات، وخطورة ذلك على المجتمع العراقي". وقال العامري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة، وللأسف، منشغلة بالصراعات السياسية والأزمات، ومفوضية الانتخابات هي الأخرى منشغلة بأزمة بقائها من إقالتها، الأمر الذي منح تلك الجهات فرصة كبيرة للتحرّك على راحتها لتحقيق مكاسبها الخاصة، من دون أي خوف أو حذر من المحاسبة". وأكد أنّ "العمل من دون رقابة، في مجتمع كالعراق، خطير، وستكون له انعكاسات سلبية على التعايش السلمي في البلاد"، داعياً الحكومة إلى "القيام بدورها وواجبها إزاء ذلك، والتحرك وفقاً للقانون لمنع تلك الجهات من استغلال غياب سلطة الدولة لتحقيق مكاسبها السياسية". يشار إلى أنّ المحافظات في جنوب العراق تعدّ بؤرة للأحزاب والمليشيات المختلفة، التي تسيطر على مفاصل حكوماتها المحلية. وعلى الرغم من أنّ اختلاف ولاء وارتباط هذه الجهات، فإن الغالبية العظمى تعمل بأجندات إيرانية.