جناية صالح على اليمن

20 أكتوبر 2016
+ الخط -
إذا عمَّ الفساد في الدولة، فإنّ أول مراحل إصلاحها الفوضى" ابن خلدون.
ألقى علي عبدالله صالح في افتتاح كلية الهندسة في جامعة صنعاء عام 1985، كلمة قال فيها باليمنية الدارجة "العلم الذي تعلمتوه مثل العصيد في الجمنة"، مخاطبًا ثلّة من دكاترة الهندسة بأنواعها، يحملون شهادات من جامعات دولية عالية المستوى، كانوا منصتين.
في سنين تالية، سيعرفون "العصيد والجمنة"، ولن يستطيعوا أن يُخرجوا العصيد من الجمنة، ومنهم من سيبحث عن ملاذ.
لم تكن سهوًا تلك الكلمات، لا بدّ أنه كان لها هدف، وبصرف النظر عن التأويلات؛ قدَّم لنا الواقع أكثر من حقيقة.
كانت رؤية المخلوع للعلم بتلك الطريقة تعكس فسادًا نوعيًا يراه هو (تنمية)، كان يلقي خطابه من منصةٍ لم يشيّدها، أي كان يقف على تنمية غيره، لم يكن يكترث؛ سوى للعلم الذي أدخله الجمنة، ولاحقًا سيكسر الجمنة على العلم.
في وقتٍ كانت فيه المساجد متّسعة، وبطون المصلين خاوية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008؛ افتتح جامعًا باسمه، وضعه على عملة هزيلة كهزالته، قبل أربعين عامًا، وكان يتقرّب إلى الله بذلك الفعل، ويمّن على الشعب.
لم يكن يخفى على أحد فساد صالح، لكن مقولة ابن خلدون كانت مخفيةً في رفوف مكتبات المسؤولين، وكانوا يعرّفون الحياة بهذه الطريقة :الحمدلله على نعمه، بيوت، سيارات، سفريات... الحمدلله، وبين الحمدين كان الشعب يحتضر.
لم يكن صالح يدرك الجناية التي يصرّ على ارتكابها، بحق الجمهورية/ الديمقراطية؛ في حق الشعب والعلم، ولا الفوضى التي يعنيها ابن خلدون، حسْبه أن تستمر عجلة التنمية الذاتية.
وبينما كان اليمنيون ينشدون مستقبلاً مضيئًا بالعلم، بعد أن تحرّروا من كوابيس الخرافات الإمامية؛ كان صالح يسخر من العلم الذي يُشيد به في خطابات أخرى؛ مؤكدًا أنّه إن لم يكن؛ ما قامت ثورة سبتمبر المجيدة.
كان يعني بجملته تلك أنّ ذلك العلم الذي اكتسبه أولئك الدكاترة لم يُستفاد منه بعد. حسنًا، لكنه لم يوّفر إمكانيات لترجمته إلى واقع. وبالتالي، ظلّ العلم في (الجمنة) ولا يدرك أنّه السبب، أو أنّه لا يريد أن يدرك. ومعروفٌ أنّ العلم أساس بناء الدول، ولا يكون كذلك إلا بالإهتمام به. لم يحصل العلم، في فترة حكم علي عبدالله صالح، على اهتمام كالذي حصلت عليه القوة العسكرية التي دمّر بها اليمن لاحقًا، والجناية على العلم أخطر الجنايات على اليمن.
كان لصالح طُرقه في تطويع المتعلمين، وجعلهم تابعين له، ومن ذلك أنّه كان يُسلّط خُدّامه على أرضية أحدهم مثلًا، ويبدأون الإنشاء فيها؛ في وقتٍ يستغيث فيه ذلك المظلوم؛ يأتيه المُطمئن، أن أرضه ستعود له مع ما قد أُنشئ فيها هدية، في المقابل خطوط حمراء يجب أن لا تُتجاوز. تلك الرواية مشهورة ومتداولة، سمعتها من أحد أكاديميي جامعة صنعاء. نستخلص منها أن صالح كان يُفسد العلم بالمال، ويقضي على الديمقراطية.
الديمقراطية التي يتحدث عنها كثيرًا؛ لم تكن متوفرة بقدر ما تُذكر في تلك الخطابات المزيفة، والإمامية التي كان يمقتها في كل مناسبة وطنية؛ كان يُمارسها في لباس جمهوري، فجنى على اليمن جمهورية وشعبًا.
فساد صالح، وجناياته على اليمن كثيرة، وليس بإمكاننا حصرها في سطور، والخلاصة أنّه لا ينبغي أن نوائم بينها وبين ما يُطلق عليها إيجابياتٍ حصلت في عهده، لأنّ الأخيرة حق للشعب عليه، والحقوق تُنتزع إن لم تُوّفر.
ملأ الفساد أرجاء الدولة، وكانت الفوضى التي نعيشها؛ نتيجةً حتمية لذلك الجوْر. أسهب الرجل في تمجيد تاريخه، وعلى الدوام كان ينسب وحدة شطريَّ اليمن له. لم يكتف بذلك؛ بل تحالف مع الإماميين الجدد، وحمّل ثوّار فبراير فساده الماضي، وخياناته اللاحقة، وراح يفاخر بوطنيّته، ويزايد بها، وكان مقياسه أنّ الوطنيين هم الذين ما زالوا في اليمن الشمالي تحديدًا، حتى ولو كانوا مختبئين، وأولادهم في الخارج.
F204DC61-898A-4F86-A112-A273C90DA41D
F204DC61-898A-4F86-A112-A273C90DA41D
عبد الرحمن مزارق (اليمن)
عبد الرحمن مزارق (اليمن)