جميل شفيق.. حيث كل شيء يتحوّل إلى ظلال رمادية

19 فبراير 2020
(من أعمال جميل شفيق)
+ الخط -

يبدو الرسم باللونين الأبيض والأسود كما لو كان رؤيةً مجرّدةً من الواقع، كما يُظهر تقليص المشهد إلى لونين تناقضاً صارخاً وخطوطاً داكنة ومحمومة بلا تشويش لوني على خطوط العناصر الأساسية في اللوحات، وهذا ما كان يفعله التشكيلي المصري جميل شفيق (1938 - 2016) الذي أنجز معظم أعماله بالأسود والأبيض.

يُقيم "غاليري موشن آرت" في القاهرة معرضاً استعادياً لشفيق يتواصل حتى العاشر من آذار/ مارس، ويضم مجموعة من لوحاته ورسوماته ومنحوتاته، حيث تنتقل مواضيعه بين تشخيص المرأة وتمثيل الطبيعة والحيوانات من أحصنة وقطط وأسماك وطيور وتفاصيل أخرى، وهي عناصر باتت مألوفة لمن يعرف عالمه البصري.

يقول النحات المصري آدم حنين في رسالة إلى شفيق: "بالنسبة إلى رسومك الأخيرة بالأبيض والأسود، فقد أدهشني أنك عثرت على هذا النور في نفسك. لجأت إلى الأبيض والأسود ولم يبهرك اللون، ولكن هو النور الذي يهمّك". في فن شفيق كل شيء يتحوّل إلى ظلال رمادية، حتى الضوء، إذ يجعل الفنّانُ عينَ المتلقّي ترى أكثر ممّا تفعل عادةً، ويمكّنه من اكتشاف ظلال في صورة بالأبيض والأسود أكثر من ظلال الألوان في صورة مكتظّة بالألوان.

تجمع لوحات شفيق، بما تحتويه من أشكال وخطوط وظلال وأضواء وإيقاع ورموز، بين الواقعية والرمزية، وتحمل إشارات إيروتيكية في كثير من الأحيان، غير أنه في منحوتاته الخشبية التي يحتفظ بلونها الخام يفضّل أن يعود بشكل مباشر إلى الطبيعة، فنجد الحيوانات والكائنات البحرية، حيث يبني علاقة حميمية مع محتويات العالم الذي لا حيّز واضحا للإنسان فيه، قاع البحر مثلاً.

من جهة أخرى، تشغل المرأة مساحة كبيرة في الأعمال الفنية، لكنها تبدو امرأة لا تنتمي إلى البشر بل إلى كائنات أسطورية كحوريات البحر أو الآلهة القديمة أو فتيات الحكايات الخرافية، كما أن هناك بعض الشخصيات القريبة في ملامحها من وجوه الفيوم والأيقونات القديمة.

ويبدو أن عالم العجيب والغرائبي وهذه الطريقة الحكائية في تقديم العناصر والشخصيات في عمله الفني - حيث تظهر كما لو أنه يرسم قصة سمعها في طفولته - قد جاءت من الاحتفالات الشعبية التي كان يحضرها صغيراً حسبما يقول الفنان التشكيلي والناقد عز الدين نجيب الذي ألّف كتاباً بعنوان "جميل شفيق: بين الحلم والأسطورة"، مشيراً إلى أن تكوين شخصية شفيق تأسّس في عالم أسطوري مليء بمشاهد الزار والحكي عن معجزات القدّيسين والأولياء وطرد العفاريت مثلما يحدث في "مولد سيدي البدوي"، مبيّناً أنها عوالم مكثت معه وأثرت عالمه البصري بالرموز والتصوّرات والصور.

في مجمل لوحات جميل شفيق ثمّة "لمّ شمل" من نوع ما، تجمُّعات من النساء معهن حيوانات وشجر في جلسة شبه صامتة، وكأن الواحدة منهن عثرت أخيراً على الأخرى، وغالباً ما تكون المرأة في لوحاته عارية، فهو يرى أنها في حالة برية مع الكائنات الأخرى في الطبيعة، بهدف إعادة بناء تلك العلاقة القديمة قدم الحضارات الإنسانية بين العالمين.

المساهمون