لا تبدو الخلافات بين وفد مؤتمر القاهرة بقيادة جمال سليمان، ووفد الهيئة العليا للمفاوضات كبيرة للغاية، وإن كانت رؤية منصة القاهرة متمايزة في العديد من النقاط، سواء الإجرائية أو تلك المتعلقة بتفاصيل مشروع الاتفاق، إلا أن سليمان يؤكد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "منصة القاهرة حريصة للغاية على ألا يتم استخدامها كرأس حربة ضد الهيئة العليا في أي مرحلة، أو تقديمها على أنها طرف معاد لأي طرف آخر في المعارضة"، وذلك رغم رفض سليمان القاطع للخضوع لسلطة الهيئة العليا للمفاوضات، وفقاً لكلامه.
في فندق كراون بلازا، على أطراف مدينة جنيف السويسرية، كان سليمان مسترسلاً في الحديث عن أهمية قراءة التاريخ لفهم ما يجري في المنطقة، ويقول "إن مستقبل سورية منذ عام 2013 مفتوح على كل الاحتمالات. بتنا نخترع الأمل".
ويضيف أن "الغاية الوحيدة التي من الممكن أن تكون مفيدة من الاستمرار في مسار جنيف، هي إبقاؤه على قيد الحياة في انتظار شيء ما سيتبلور في الفترة المقبلة"، بعد معركة الرقة، التي اعتبرها "المعركة الفاصلة"، مبدياً اعتقاده بأن "الأميركيين يتمهلون حتى يتم تحرير الرقة من خلالهم، على اعتبار أنه تم انتزاع مدينة حلب من الجماعات المسلحة التي كانت فيها من قِبل روسيا. الأميركيون الآن يريدون انتزاع الرقة من داعش، وخلال فترة الشهرين التي قد تحتاجهما المعركة، ستتبلور الرؤية الأميركية، وبناء عليه، أظن بأن الأمور بعدها ستتحرك بشكل جدي".
ويؤكد سليمان على وجود رؤية واضحة لمؤتمر القاهرة تبدو متمايزة في بعض نقاطها عن رؤية الهيئة العليا للمفاوضات، وإن كانت تلتقي في الجوهر على ضرورة تحقيق الانتقال السياسي الذي تراه منصة القاهرة في بعض تفاصيله قائماً بشكل أساسي على إنشاء خمسة مجالس مؤقتة ينتهي دورها بانتهاء المرحلة الانتقالية، وهي كل من المجلس الوطني الانتقالي (برلمان مؤقت) ولديه الصلاحيات التشريعية ويعمل بموجب إعلان دستوري، والحكومة الانتقالية، وهي جسم تنفيذي ومجلس عسكري انتقالي ومجلس قضاء انتقائي ومجلس عدالة انتقالية ومصالحة وطنية.
ويرى سليمان أن "المجلس الوطني الانتقالي سيكون معيّناً لعدم وجود إمكانية لإجراء انتخابات، بناءً على التفاهمات"، مقترحاً أن يتكوّن من ثلاثة أثلاث المعارضة والنظام وسوريين آخرين لم ينخرطوا في كل ما يجري". ويتابع "لا يحقّ لنا أن نختزل السوريين بأنفسنا كمعارضة ولا يحق للنظام أن يفعل ذلك. بالتالي هناك الكثير من السوريين ممن لم ينخرطوا في ما يجري، كرجال الأعمال والمثقفين وأساتذة الجامعات والكتاب والحقوقيين والمجتمع المدني الذي يجب إعطاؤه الفرصة للتعبير عن نفسه".
وبخلاف الهيئة العليا للمفاوضات، يوافق سليمان على فكرة مناقشة السلال الأربع التي طرحها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، بالتوازي، وذلك باعتبار أنه "لن يتم الإعلان عن أي اتفاق من دون الانتهاء من جميع السلال التي تجب مناقشتها". ويشدّد على ضرورة مناقشة إعلان دستوري يضع الإطار العام للجمهورية السورية ما بعد بشار الأسد، ويمنح الشرعية لهيئة الحكم الانتقالي، ولكن لا يصادر حق السوريين الأصيل في كتابة دستورهم.
وعن دور الأسد في مستقبل سورية، يقول سليمان إن "بقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية شيء وترشحه للانتخابات شيء آخر تماماً. لا يجب خلطهما معاً. إن كان إنجاز اتفاق سياسي يضمن الانتقال السياسي في سورية، يتوقف على بقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، عندها علينا أن نفكر بهذا التنازل، من منطلق الخيارات المتاحة أمامنا ومن باب الواقعية السياسية. أما عن ترشح الأسد للانتخابات المقبلة فهذا أمر غير منطقي ولا يخدم المصالح الوطنية العليا لسورية. بشار حكم سورية لمدة 17 عاماً، ومع انتهاء المرحلة الانتقالية سيكون قد مرّ قرابة 19 عاماً. وهذا وقت طويل جداً، ففي عهده وصلت سورية إلى ما وصلت إليه. بالتالي لا توجد مبررات كي يترشح، وكذلك لا مبررات للسوريين أن يقبلوا ترشحه مرة أخرى".
وعلى الرغم من أن سليمان يقرّ بأهمية مسألة توحيد وفد المعارضة المفاوض، إلا إنه لا يراه أمراً حاسماً لتحقيق تقدم في المفاوضات، بالإشارة إلى أن توحيد المعارضة في جنيف 2 في وفد واحد لم يفضِ إلى أي تقدم. ويؤكد سليمان أن "اللقاءات الجانبية مع وفد الهيئة العليا للمفاوضات، استمرت بعد اللقاء الرسمي في الجولة السابقة من المفاوضات"، مشيراً إلى أنه "في النهاية فإن عدداً كبيراً من المتواجدين في الهيئة العليا كانوا في مؤتمر القاهرة، هيئة التنسيق كانت كلها في مؤتمر القاهرة، وكذلك عدد كبير من الشخصيات الأخرى. ولكننا نرفض التوحد مع الهيئة العليا للمفاوضات في وفد واحد، لأننا نرفض الخضوع لسلطة الهيئة العليا للمفاوضات، لأن هذا سيفقدنا استقلاليتنا تماماً. ونحن لا نريد هذا الوضع".
ويتابع سليمان: "رغم الهجوم الكبير الذي تعرّضنا له من الهيئة العليا للمفاوضات، وكذلك الضغوط التي تعرّض لها دي ميستورا بما يخصّ الاعتراف بنا كجهة مفاوضة، إلا أننا دائماً ما نعتمد سياسة تقوم على عدم تقويض قيمة المعارضة في المفاوضات والعمل بأعلى قدر ممكن من الاحترام والتقدير للآخرين. أما النقطة الأخرى التي لا نريد أن نخسرها، فهي أوراقنا، وهي الميثاق الوطني وخارطة الطريق، لأنه في حال انضمامنا للهيئة العليا للمفاوضات علينا أن نعتبر بيان الرياض هو المرجعية الوحيدة، ونحن لا نريد أن يفرض علينا أحد ذلك، كما نرفض أن نفرض رؤيتنا على أحد".