جماعين.. بلدة فلسطينية ضحية حجارتها

28 أكتوبر 2014
المنازل معرضة للانهيار بسبب الحفر (العربي الجديد)
+ الخط -
تشتهر جماعين بصخور صلبة يلقّبها البعض باسم "الذهب الأبيض"، ما دفع العديد من الأشخاص إلى اقتلاعها، كمقدمة لإعادة تصنيعها، بحيث تكون صالحة لتشييد المباني. وتُصدّر كميات كبيرة من الأحجار المستخرجة إلى بلدان أوروبية وعربية.

وعلى مدار السنوات الماضية، دخلت ملايين الدولارات جيوب سكان هذه البلدة الفلسطينية الصغيرة التي لا تزيد نسبة البطالة فيها على 3 في المائة بعكس باقي بلدات فلسطين، لكنهم يدفعون الآن ثمن ذلك من أعمارهم وصحتهم ومستقبلهم. حيث تتفشى العديد من الأمراض، كالربو وضيق التنفس، وحساسية العيون، بمعدلات غير طبيعية، كما دمرت معظم أراضيها الزراعية تقريبا.

يقول رئيس بلدية جماعين عصام ناظم لـ "العربي الجديد": "يقدّرعدد مقالع الحجر في البلدة بنحو 70 محجرًا، بالإضافة إلى 32 مقص حجر (منشار)، أما منشآت تحويل الحجارة التي تعرف باسم (الكسارات) فيبلغ عددها 11".

التهمت هذه المنشآت تدريجيًا، معظم الأراضي الزراعية في جماعين، وتسببت بأضرار بيئية وصحية كارثية. وبحسب رسالة ماجستير في جامعة النجاح، للباحث عزيز صادق، فإن 33.3 في المائة من سكان جماعين يشعرون بضيق كبير في التنفس عند عودتهم لبلدتهم إذا ما خرجوا لمنطقة أخرى، وهذه النسبة تصل إلى 99 في المائة خلال الصيف.

تبلغ مساحة أراضي جماعين نحو 23 ألف دونم، والمخطط الهيكلي للبلدة يقدر بنحو 2900 دونم فقط، والمشكلة تتفاقم بسبب عدم التزام أصحاب منشآت الحجارة بإجراءات السلامة العامة، فتترك مثلاً معظم الحفر بعد انتهاء الأعمال بها من دون ردم، ما أدى إلى سقوط سيدة ووفاتها في إحدى الحفر، كما ابتلعت إحدى "الكسارات" عاملاً.

وحول دور البلدية في وقف المأساة، يؤكد رئيس بلدية جماعين أنه منذ تولى منصبه عام 2012 لم يصدر تراخيصا لأي منشأة تعمل في الحجر داخل البلدة. وجرى الاتفاق مع أصحاب المنشآت القائمة على إنهاء أعمالهم بحلول يوليو/تموز 2015.


منازل آيلة للسقوط
لا توقف آلات الحفر عن العمل، والشاحنات التي تنقل الحجارة تنهش عجلاتها الطرقات، وكثير منها غير معبد ينتج غباراً كثيفاً يدفع بالسكان إلى إغلاق أبواب ونوافذ منازلهم على الدوام، كما أدت عمليات الحفر إلى تهديد العديد من المنازل بالانهيار.

منزل أحمد الحاج علي، يبدو لمن يشاهده من بعيد كأنه معلق في الهواء بعد تناوب ثلاثة محاجر على الحفر في محيطه خلال العقد الأخير، ما أدى إلى سقوط أحد جدرانه. كان أحمد مجبرًا على رفع صوته، فالآلات تصم الآذان.

يقول لـ "العربي الجديد": "لم نترك باباً إلا طرقناه لإغلاق الكسارات المحيطة بمنازلنا. لا نستطيع النوم، ونعاني أمراضا صدرية بسبب الغبار الكثيف. ظهرت بعض الشقوق في منازلنا، ونخشى انهيارها فوق رؤوسنا".

يتابع: "توفي جارنا أبو فاروق عن 56 عاماً. شكلت وفاته صدمة لنا، وشخصيًا لا أستبعد أن تكون بسبب التلوث، الراحل كان يشكو ضيق التنفس".
ويقول الطبيب مجدي منصور لـ "العربي الجديد" إن "الغبار الناتج عن المنشآت الحجرية في جماعين يسبب أمراضا عدة، منها الربو والتهاب الكبد. كما أن الضوضاء والأتربة الناتجة عن الحفر وإعادة تصنيع الحجارة تؤدي إلى حساسية في العيون والتهابات جلدية مزمنة. جميع هذه الأمراض تدمر صحة الإنسان، لذلك يجب أن تكون هذه المنشآت خارج المخطط الهيكلي للبلدة".

ويستعرض أحمد الحاج علي، كتابًا صادرًا عن وزارة الحكم المحلي يؤكد أن وجود مقالع الحجر داخل المخطط الهيكلي يتعارض مع أحكام قانون التنظيم، ويشكل ضررا بيئياً، وعليه يمكن لبلدية جماعين حسب الكتاب الصادر في عام 2004 اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف المقالع عن العمل.

ويضيف أحمد الذي يخشى وقوع أطفاله في هوة عميقة ملاصقة لمنزله: "أقمت قضية منذ عام 2005، لكن ما زالت معلقة حتى اللحظة". وشدد على أن كتابا رسميا صدر بوقف المحاجر القريبة من منزله عن العمل لكن لم يتم تنفيذه.

إجراءات السلامة
أيمن زيتاوي، صاحب أحد مقالع الحجر ينفي تسلمه أي كتب بوقف العمل. ويشير إلى أنه يحمل رخصة رسمية.
ويقول شقيقه محمد: "نحاول قدر الإمكان اتباع إجراءات السلامة. نعمل هنا منذ مايو/أيار 2013 بموجب اتفاق مع البلدية، ونحن ملتزمون باتفاقنا".

وحول المكاسب المادية، قال أيمن زيتاوي: "نبيع حمولة الشاحنة، ما بين 6 إلى 7 أكواب من الحجارة، بسعر يتراوح ما بين 300 إلى 1400 دولار، ويحكم السعر نوعية الحجر. الحجر الأزرق هو الأغلى سعرًا لما يتمتع به من مواصفات كالمحافظة على لونه لفترة طويلة".