جفاف إيران... هل اللجوء إلى مياه البحر حلّ؟

26 يونيو 2020
تعويل على مياه بحر قزوين (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
+ الخط -

ما زالت قضية الجفاف في إيران تؤرّق المعنيين، لا سيّما أنّ موقع البلاد الجغرافي يُعَدّ سبباً أساسياً في ذلك. ويحذّر هؤلاء من تحوّل الأمر إلى خطر حقيقي

يتهدّد الجفاف إيران، على خلفيّة تعرّضها لعوامل بيئية تسبّبت في انخفاض معدّل هطول الأمطار فيها إلى نحو 300 مليمتر سنوياً، فيما يصل معدّله العالمي إلى 830 مليمتراً، تبعها انخفاض حاد في مخزون المياه الجوفية. وهذا الأمر دفع السلطات الإيرانية إلى البحث عن حلول واتخاذ تدابير لمواجهة هذه الأزمة، منها التخطيط لنقل مياه خليج عُمان إلى شرقها وجنوبها، ومياه بحر قزوين إلى وسطها الذي يتصحّر بشكل متزايد.

وبحسب تقرير نشرته وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية في الواحد والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، فإنّ الحكومة الإيرانية تعتزم نقل مياه خليج عُمان إلى 17 محافظة من أصل 31 في شرق البلاد وجنوبها، بهدف توفير مياه الشرب وكذلك للاستهلاك الصناعي والزراعي، خصوصاً في محافظاتها الشرقية الثلاث سيستان وبلوشستان وخراسان الجنوبية وخراسان الرضوية التي تعاني أكثر من غيرها من الجفاف.

بموازاة ذلك، تتبنّى الحكومة الإيرانية مشروعاً آخر لنقل المياه، يثير جدالاً واسعاً في البلاد. بموجب هذا المشروع الذي تصرّ على تنفيذه بكلفة 9200 مليار تومان (نحو 220 مليون دولار أميركي)، تُنقل مياه بحر قزوين المعروف في إيران ببحر خزر من محافظة مازندران إلى محافظة سمنان في وسط البلاد، عبر خطّ أنابيب بطول 180 كيلومتراً وبسعة 200 مليون متر مكعب سنوياً. وتعاني المحافظة البالغة مساحتها 97 ألفاً و491 كيلومتراً مربعاً، أي نحو ستة في المائة من مساحة إيران، تصحّراً متزايداً بسبب الجفاف ونقص مياهها الجوفية.

التوجّه نحو نقل مياه بحر قزوين إلى الصحراء الوسطى في إيران، تحديداً منطقة سمنان، ليس أمراً مستجداً. وبحسب تقارير إعلامية، فقد طرح للمرّة الأولى في أواخر عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، إلا أنّه تحوّل إلى مشروع جاد في حكومة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد المتحدّر من المحافظة نفسها. لكنّ تلك الحكومة الأخيرة توقّفت عن متابعة المشروع بسبب معارضات بيئية قوية، إلى أن أعلن الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني المتحدّر كذلك من محافظة سمنان، في خلال زيارة إليها في العام المنصرم، أنّ حكومته مستعدة بالكامل لنقل مياه بحر قزوين إلى المحافظة لحلّ مشاكلها المائية، مكلّفاً وزارة الطاقة بمتابعة تنفيذ المشروع. ومنذ ذلك الحين، عاد الجدال من جديد وبطريقة أكثر إثارة من قبل، في ما يتعلق بموضوع نقل مياه قزوين إلى وسط إيران، إذ يعارضه بشدة ناشطون بيئيون وسكان المحافظات الشمالية في إيران يتحدّثون عن مخاطر بيئية له. وقد تصاعد الجدال بعد إعلان منظمة حماية البيئة الحكومية موافقتها المشروطة بمراعاة المعايير البيئة قبل نحو شهرَين، الأمر الذي عزاه معارضون إلى أوامر صدرت من جهات عليا، في إشارة غير مباشرة إلى الرئاسة الإيرانية.



معارضة كبيرة

وكانت أروقة مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان) على مدى شهور قبل أزمة كورونا التي بدأت في البلاد مع تسجيل أوّل إصابة بالفيروس الجديد في التاسع عشر من فبراير/ شباط الماضي، قد شهدت جدالاً حول الموضوع، بعد تصعيد نواب المحافظات الشمالية معارضتهم للمشروع والانتقال إلى جمع تواقيع لاستجواب وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان. وفي خلال احتجاج في البرلمان السابق، حمل هؤلاء النواب لافتات كُتب عليها "لا لنقل مياه بحر خزر" و"نعم لاستجواب عاجل لوزير الطاقة" و"نقل مياه خزر يساوي تدمير بيئة المنطقة" وغير ذلك.

ووصل معارضو المشروع إلى حدّ اعتباره أسوأ من كارثة تشرنوبيل النووية التي وقعت في شمال أوكرانيا السوفييتية في عام 1986، أو كارثة بوبال الكيميائية في الهند في عام 1984، وفقاً لتصريحات الأمين العام لحزب "همدلي" (التكاتف) سيد أحمد نبوي التي أدلى بها لوكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

الجفاف يهدد البلاد (بهروز مهري/ فرانس برس)


وفي الثامن عشر من مايو/ أيار الماضي، قال رئيس منظمة الجيولوجيا والاكتشافات المعدنية في إيران، علي رضا شهيدي، في حديث لوكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية، إنّ "أفضل طريقة لتأمين المياه هي إدارة الموارد المائية بشكل صحيح"، داعياً إلى اقتصار مشروع نقل المياه إلى الصحراء الوسطى في البلاد على توفير مياه الشرب لسكان المنطقة وعدم استخدام هذه المياه لأغراض زراعية.

ويعدّ ناشطون بيئيون ومؤسسات بيئية، من قبيل مديرية الموارد الطبيعية في محافظة مازندران، مشروع نقل مياه بحر قزوين إلى وسط إيران "غير مدروس" ويرون أنّه يتسبب في مشاكل بيئية متعددة، منها الأضرار التي تخلفها عودة الأملاح الناتجة عن تحلية المياه إلى بحر قزوين وتدمير البيئة على طول الأنابيب التي تنقل المياه، خصوصاً أنّ 11 كيلومتراً منها تمرّ من داخل غابات هيركاني في المحافظة، الأمر الذي يدمّر 100 هكتار من تلك الغابات بحسب تقديرات خبراء.

في السياق، تنقل وكالة أنباء "إرنا" الإيرانية عن عضو اللجنة العلمية في مؤسسة بحوث الغابات والمراعي الإيرانية، محمد أميني، قوله إنّ المشروع يعرّض أمن الدول الغذائي للخطر، شارحاً أنّ محافظة مازندران توفّر 10 في المائة من المصادر الغذائية للبلاد وأنّ هذا الموقع الحساس سيتراجع نتيجة تخريب الأراضي الزراعية والبساتين و26 ألف شجرة على طول الأنابيب التي تنقل المياه.

معدل هطول الأمطار إلى انخفاض (روزبه بولادي/ Getty)


ويرى معارضون للمشروع أنّ تنفيذه سيتسبّب في انخساف الأرض في محافظة سمنان التي تستقبل المياه، بالإضافة إلى التسبّب في تراجع منسوب مياه بحر قزوين، وغيرها من تداعيات بيئية وغير بيئية، منها الاجتماعية والسياسية. ولا يخفي آخرون خشيتهم من أن يشجّع تنفيذ المشروع الحكومة على اللجوء إلى مشاريع مماثلة لحلّ أزمة المياه في مناطق أخرى في البلاد، من دون البحث عن حلول جذرية للمشكلة. وثمّة بعض آخر يعدّ المشروع غير نافع اقتصادياً، من الأساس، وأنّ مستوى سطح مياه بحر قزوين متدنٍّ عن بقية المساحات المائية بمقدار 28 إلى 30 متراً، الأمر الذي يجعل نقل مياهه غير ممكن من دون مضخات.

تمسّك بالمشروع

في المقابل، فإن مؤيّدي المشروع يرون أنّ ثمّة تداعيات بيئية محتملة لكلّ مشروع، وسط تأكيدات من قبل الحكومة بالسعي إلى تقليل الأضرار البيئية التي قد تنتج عن تنفيذ مشروع نقل المياه إلى حدّ كبير، فيما توجَّه اتهامات إلى المعارضين بتضخيم تلك الأضرار. على سبيل المثال، يرفض العالم الجغرافي الإيراني الشهير برويز كردواني وهو من مؤيّدي المشروع ما يُحكى عن التأثير السلبي لعودة الأملاح الناجمة عن تحلية المياه على بيئة البحر، قائلاً إنّ عودة هذا المقدار من الملح لا تؤثّر كثيراً في 250 مليون متر مكعب من المياه.



تجدر الإشارة إلى أنّ الإصرار الحكومي على تنفيذ المشروع يأتي في وقت أعلنت فيه مديرة مركز بحوث بحر قزوين، معصومة بني هاشمي، في حديث إلى وكالة أنباء "إرنا"، في السابع عشر من مايو/ أيار الماضي، أنّ سطح مياه البحر في خلال عام 2019 سجّل أدنى مستوى منذ ثلاثين عاماً بعد تراجع المنسوب منذ عام 1995، مشيرة إلى أنّ معدّل سطح مياه البحر تراجع 13 سنتيمتراً في عام 2019. وأعادت بني هاشمي سبب تراجع مياه بحر قزوين إلى انخفاض منسوب تدفقها من نهر فولغوغراد في روسيا، الذي يشكّل مصدراً رئيسياً للمياه التي تصبّ في البحر، مضيفة أنّ ثمّة أسباباً أخرى ساهمت في ذلك من قبيل ارتفاع درجات الحرارة والتغيّر المناخي.

واليوم، يُعَدّ مصير نقل مياه بحر قزوين مرتبطاً بمصير الجدال القائم بين الحكومة المصرّة على تنفيذه ومعارضي المشروع من ناشطين بيئيين وسكان الشمال وغيرهم. لكن، نظراً إلى أنّه لم يتبقَّ للحكومة سوى عام واحد من ولايتها القانونية، فإنّ المشروع قد لا يدخل حيّز التنفيذ في هذه الفترة، خصوصاً أنّ البلاد تواجه أزمة اقتصادية في الوقت الراهن. بالتالي، سيكون على الحكومة المقبلة أن تحسم الجدال بشأنه، فإمّا أن تتبنّى رؤية الحكومة الحالية بهذا الخصوص ويتواصل الجدال الدائر وإمّا أن ترفضها جملة وتفصيلاً وينتهي الجدال.
المساهمون