01 نوفمبر 2024
جريمة نظام السيسي بحق قطاع غزة
ربما لم يعش قطاع غزة في تاريخه، منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، سنوات أكثر سوداوية من العامين والنصف الأخيرين، وتحديداً منذ انقلاب المؤسسة العسكرية المصرية، بقيادة عبد الفتاح السيسي، على الرئيس المنتخب ديمقراطياً، الدكتور محمد مرسي، في صيف عام 2013. صحيح أن القطاع يقبع تحت حصار إسرائيلي وحشي منذ يونيو/حزيران 2007، كما أنه من الصحيح أن نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، كان شريكاً في جريمة الحصار تلك، غير أن تواطؤ نظام السيسي، في هذا الحصار الفاضح، لأكثر من مليون وثمانمائة ألف إنسان، فاق حدود الدناءة التي تردّى إليها نظام مبارك، بل إن درجة التواطؤ والوحشية التي بلغها نظام السيسي في خنق غزة دفعت مسؤولاً إسرائيلياً إلى الشكوى، في سياق تقرير أعدته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في أغسطس/آب 2014، قائلا: "إنهم يخنقون غزة أكثر من اللازم"! وتحفل الصحافة الإسرائيلية بنقل تهكمات مسؤولين وإعلاميين إسرائيليين على من يتهمهم بوحشية حصار قطاع غزة، عبر تذكيرهم بأنه لا أحد يتكلم عن الحصار المصري للقطاع وسكانه!
في سنوات الحصار بين 2007-2011، شدّد نظام مبارك من قبضته الحديدية لخنق القطاع، وفي الحقيقة، بدأت إسرائيل ومصر في تضييق الخناق على قطاع غزة وسكانه منذ عام 2006، عندما شكلت حركة حماس، الفائزة في الانتخابات التشريعية حينها، حكومتها الأولى. في تلك السنوات، أغلق نظام مبارك معبر رفح، وهو المعبر الوحيد بين القطاع والعالم الخارجي، الذي لا تسيطر عليه إسرائيل. وبسبب إغلاق المعابر التي تربط القطاع بالدولة العبرية، وبسبب فرض الأخيرة سياسات ترقى إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، في ما يتعلق بالسماح بكميات (ونوعيات) الطعام والدواء والوقود، وبقية متطلبات الحياة الأخرى التي يسمح بدخولها إلى قطاع غزة، فقد اضطر سكانه إلى حفر مئات الأنفاق بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية، لإدخال ما يحتاجون له من مستلزمات الحياة الأولية، لكن حفر الأنفاق تلك ما كان ليكون بذلك الحجم، لولا إغلاق نظام مبارك معبر رفح في وجوههم، وهو بالمناسبة مخصص لعبور الأفراد فحسب، بمعنى أنه لا يتم إدخال أي مواد غذائية أو معيشية أخرى عبره. حينئذٍ، لم يترك نظام مبارك وسيلة لإحباط عمل تلك الأنفاق إلا وحاولها، فضخ المياه فيها، وفي حالات غازات سامة، وفجّر ما استطاع منها، وسعى إلى أن يضع ألواحاً معدنية تحت الأرض لمنع الحفر، ثم حاول أن يضخ مياه البحر المالحة في قنوات على الحدود مع القطاع، غير أن ذلك كله لم يوقف عمل الأنفاق نهائياً، ويبدو أنه لم يكن هناك قرار رسمي بخنق القطاع كلياً إلى درجةٍ قد تؤدي إلى انفجاره.
ومع سقوط مبارك ودائرته الضيقة في شباط/فبراير 2011، استبشر أهل قطاع غزة خيراً
بمصر الجديدة وثورتها. وفعلا، مع انتخاب الرئيس مرسي أواخر يونيو/حزيران 2012، فإنه بادر إلى التخفيف من حدة الحصار المفروض على القطاع من الجانب المصري، وسهل حركة عبور الفلسطينيين عبر معبر رفح. صحيح أن نظام مرسي لم يتمكن من رفع الحصار كلياً عن القطاع، فقد كانت هنالك ممانعة من المؤسسة العسكرية، بذريعة سوء الأوضاع الأمنية في شبه جزيرة سيناء، غير أن أهل غزة لن ينسوا أبداً أن العام اليتيم الذي تبوأ فيه مرسي الرئاسة كان الأفضل لهم في العشرية الأخيرة، تقريباً. ويكفي أن نقارن، هنا، كيف تعاملت مصر تحت قيادة مرسي مع العدوان الإسرائيلي على القطاع في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، مع تعامل نظام مبارك مع عدوان ديسمبر/كانون الأول 2009، ثم كيف تعامل نظام السيسي مع العدوان الإسرائيلي في يوليو/تموز 2014. في العدوانين الإسرائيليين عامي 2009 و2104، كانت مصر متواطئة، في حين أنه في عام 2012، فاوض نظام الرئيس مرسي الأميركيين على شروط الهدنة، نيابة عن الفلسطينيين، بل وأرسل رئيس وزرائه، هشام قنديل، لزيارة القطاع برفقة وزراء خارجية دول عربية وإسلامية آخرين، في أثناء العدوان.
وعودة إلى تقرير "وول ستريت جورنال" في عدد السادس من أغسطس/آب 2014 بعنوان "التوتر في غزة يغذيه تحالف غير مسبوق بين إسرائيل ومصر"، ينقل كاتبه عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الخلاصة التي توصل إليها مُجْتَمَع الاستخبارات الإسرائيلية تفيد بأن السيسي يعتقد، بصدق، بأنه في "مهمة من الله" لإنقاذ الدولة المصرية من "التهديد" الذي يمثله الإخوان المسلمون، وامتدادهم في الساحة الفلسطينية، حركة حماس، ولذلك يؤمن بأنه ينبغي التعامل معهم ببطش شديد.
وفعلا، فمنذ انقلاب السيسي في يوليو/تموز 2013، ونظامه يضاعف خنقه قطاع غزة، المنكوب والمدمر، يوماً بعد يوم. مثلا، لم يفتح معبر رفح منذ الانقلاب، إلا فترات متقطعة وقصيرة. ومنذ مطلع عام 2015، إلى نهايته، فتح المعبر فترات متفرقة، مدة أقل من شهر، وفي الغالب لحملة الجنسيات الأجنبية. هذا يعني أن آلافاً مؤلفة من المرضى والطلاب والعاملين الفلسطينيين في الخارج لم يتمكنوا من مغادرة القطاع في العامين والنصف الأخيرين. كم من مريض فلسطيني قضى نحبه، وهو ينتظر فتح المعبر وسماح سلطات الانقلاب له بالمرور. وكم من طالب ضاع مستقبله في جامعة عربية أو أجنبية، أو من موظف فلسطيني فقد مصدر رزقه في الخارج، وكم من عائلة تشتتت وتفرقت، بسبب سياسة الخنق التي يتبعها نظام السيسي بحق القطاع وأهله. بل وصلت الوقاحة بنظام السيسي إلى حد التماهي التام مع إسرائيل، في عدوانها على القطاع عام 2014، والتحالف معها حتى ضد الموقف الأميركي الداعي إلى هدنة حينها.
إلا أن جرائم السيسي بحق القطاع لا تقف عند ذلك الحد، فمنذ اغتصب السلطة ونظامه يردم الأنفاق قاطعاً بذلك شرايين الحياة المتبقية لسكان غزة، وقد فرض قوانين باطشة تصل إلى حد السجن المؤبد لكل من يحفر نفقاً أو يستعمله على حدود مصر مع القطاع. ووصل به الأمر إلى أن يهدم آلاف المنازل في رفح المصرية، وأن يشرد الآلاف من سكانها المصريين لإحداث منطقة عازلة مع قطاع غزة بعمق خمسة كيلومترات، بغرض تقليل احتمالات حفر أنفاق على جانبي الحدود. ثمّ إنه أتبع ذلك بفعلٍ لا يقل إجراماً، ذلك أنه بدأ بضخ مياه البحر المالحة على طول الحدود المصرية-الفلسطينية، متسبباً بذلك في كارثة بيئية وإنسانية. فهذه المياه المالحة التي يتم ضخها الآن على طول الحدود تلوث مصادر المياه الجوفية العذبة الصالحة للشرب، وهي تقضي على المزارع على جانبي الحدود، فضلاً عن أنها تحولت إلى مصدر لنشر الأمراض في الجانب الفلسطيني، ذلك أنها قد فاضت إلى سطح الأرض، وتسببت بانهيارات أرضية، وبرك مائية يتجمع فيها الناموس ويتوالد. دع عنك تهديدها أساسات المنازل الفلسطينية المبنية قرب الحدود. وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن نظام السيسي لا يكف، كما إسرائيل، عن استهداف الصيادين الفلسطينيين داخل المياه الإقليمية الفلسطينية، وقد قتلت قواته وجرحت واعتقلت عديدين منهم، كما أن نظامه لم يتورع عن اختطاف فلسطينيين مطلوبين لإسرائيل، ولا يعرف مصير أربعة منهم، على الأقل، إلى الآن.. إلخ.
باختصار، لم تبدأ جرائم نظام السيسي بحق قطاع غزة بجريمة اغتيال قواته الشاب المختل عقليا، إسحاق خليل حسان، عندما اجتاز، عارياً، الحدود المائية، قبل أيام، وهي لن تنتهي عنده وبه. للأسف، يقوم هذا الطاغية الذي يظن أنه في "مهمة من الله" لإنقاذ مصر، عملياً، بتدمير مصر وخيانة دورها ومكانتها عربياً. ولكن، لماذا نستغرب ما يقوم به السيسي بحق غزة، وهو يسحق أبناء وبنات شعبه!؟ ولماذا نستغرب أفعاله الإجرامية بحق فلسطين في حين أن "رئيس" الشعب الفلسطيني، محمود عباس، شريك في جريمته بحق قطاع غزة! ألم يفاخر عباس في سبتمبر/أيلول الماضي، بأنه صاحب فكرة إغراق أنفاق غزة والحدود مع مصر بمياه البحر!؟
إن ثورة تصحيحية للواقع العربي آتية لا محالة، وبغير ذلك، ستعم الفوضى وتشمل الجميع.. فبقاء الحال من المحال.
في سنوات الحصار بين 2007-2011، شدّد نظام مبارك من قبضته الحديدية لخنق القطاع، وفي الحقيقة، بدأت إسرائيل ومصر في تضييق الخناق على قطاع غزة وسكانه منذ عام 2006، عندما شكلت حركة حماس، الفائزة في الانتخابات التشريعية حينها، حكومتها الأولى. في تلك السنوات، أغلق نظام مبارك معبر رفح، وهو المعبر الوحيد بين القطاع والعالم الخارجي، الذي لا تسيطر عليه إسرائيل. وبسبب إغلاق المعابر التي تربط القطاع بالدولة العبرية، وبسبب فرض الأخيرة سياسات ترقى إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، في ما يتعلق بالسماح بكميات (ونوعيات) الطعام والدواء والوقود، وبقية متطلبات الحياة الأخرى التي يسمح بدخولها إلى قطاع غزة، فقد اضطر سكانه إلى حفر مئات الأنفاق بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية، لإدخال ما يحتاجون له من مستلزمات الحياة الأولية، لكن حفر الأنفاق تلك ما كان ليكون بذلك الحجم، لولا إغلاق نظام مبارك معبر رفح في وجوههم، وهو بالمناسبة مخصص لعبور الأفراد فحسب، بمعنى أنه لا يتم إدخال أي مواد غذائية أو معيشية أخرى عبره. حينئذٍ، لم يترك نظام مبارك وسيلة لإحباط عمل تلك الأنفاق إلا وحاولها، فضخ المياه فيها، وفي حالات غازات سامة، وفجّر ما استطاع منها، وسعى إلى أن يضع ألواحاً معدنية تحت الأرض لمنع الحفر، ثم حاول أن يضخ مياه البحر المالحة في قنوات على الحدود مع القطاع، غير أن ذلك كله لم يوقف عمل الأنفاق نهائياً، ويبدو أنه لم يكن هناك قرار رسمي بخنق القطاع كلياً إلى درجةٍ قد تؤدي إلى انفجاره.
ومع سقوط مبارك ودائرته الضيقة في شباط/فبراير 2011، استبشر أهل قطاع غزة خيراً
وعودة إلى تقرير "وول ستريت جورنال" في عدد السادس من أغسطس/آب 2014 بعنوان "التوتر في غزة يغذيه تحالف غير مسبوق بين إسرائيل ومصر"، ينقل كاتبه عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الخلاصة التي توصل إليها مُجْتَمَع الاستخبارات الإسرائيلية تفيد بأن السيسي يعتقد، بصدق، بأنه في "مهمة من الله" لإنقاذ الدولة المصرية من "التهديد" الذي يمثله الإخوان المسلمون، وامتدادهم في الساحة الفلسطينية، حركة حماس، ولذلك يؤمن بأنه ينبغي التعامل معهم ببطش شديد.
وفعلا، فمنذ انقلاب السيسي في يوليو/تموز 2013، ونظامه يضاعف خنقه قطاع غزة، المنكوب والمدمر، يوماً بعد يوم. مثلا، لم يفتح معبر رفح منذ الانقلاب، إلا فترات متقطعة وقصيرة. ومنذ مطلع عام 2015، إلى نهايته، فتح المعبر فترات متفرقة، مدة أقل من شهر، وفي الغالب لحملة الجنسيات الأجنبية. هذا يعني أن آلافاً مؤلفة من المرضى والطلاب والعاملين الفلسطينيين في الخارج لم يتمكنوا من مغادرة القطاع في العامين والنصف الأخيرين. كم من مريض فلسطيني قضى نحبه، وهو ينتظر فتح المعبر وسماح سلطات الانقلاب له بالمرور. وكم من طالب ضاع مستقبله في جامعة عربية أو أجنبية، أو من موظف فلسطيني فقد مصدر رزقه في الخارج، وكم من عائلة تشتتت وتفرقت، بسبب سياسة الخنق التي يتبعها نظام السيسي بحق القطاع وأهله. بل وصلت الوقاحة بنظام السيسي إلى حد التماهي التام مع إسرائيل، في عدوانها على القطاع عام 2014، والتحالف معها حتى ضد الموقف الأميركي الداعي إلى هدنة حينها.
إلا أن جرائم السيسي بحق القطاع لا تقف عند ذلك الحد، فمنذ اغتصب السلطة ونظامه يردم الأنفاق قاطعاً بذلك شرايين الحياة المتبقية لسكان غزة، وقد فرض قوانين باطشة تصل إلى حد السجن المؤبد لكل من يحفر نفقاً أو يستعمله على حدود مصر مع القطاع. ووصل به الأمر إلى أن يهدم آلاف المنازل في رفح المصرية، وأن يشرد الآلاف من سكانها المصريين لإحداث منطقة عازلة مع قطاع غزة بعمق خمسة كيلومترات، بغرض تقليل احتمالات حفر أنفاق على جانبي الحدود. ثمّ إنه أتبع ذلك بفعلٍ لا يقل إجراماً، ذلك أنه بدأ بضخ مياه البحر المالحة على طول الحدود المصرية-الفلسطينية، متسبباً بذلك في كارثة بيئية وإنسانية. فهذه المياه المالحة التي يتم ضخها الآن على طول الحدود تلوث مصادر المياه الجوفية العذبة الصالحة للشرب، وهي تقضي على المزارع على جانبي الحدود، فضلاً عن أنها تحولت إلى مصدر لنشر الأمراض في الجانب الفلسطيني، ذلك أنها قد فاضت إلى سطح الأرض، وتسببت بانهيارات أرضية، وبرك مائية يتجمع فيها الناموس ويتوالد. دع عنك تهديدها أساسات المنازل الفلسطينية المبنية قرب الحدود. وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن نظام السيسي لا يكف، كما إسرائيل، عن استهداف الصيادين الفلسطينيين داخل المياه الإقليمية الفلسطينية، وقد قتلت قواته وجرحت واعتقلت عديدين منهم، كما أن نظامه لم يتورع عن اختطاف فلسطينيين مطلوبين لإسرائيل، ولا يعرف مصير أربعة منهم، على الأقل، إلى الآن.. إلخ.
باختصار، لم تبدأ جرائم نظام السيسي بحق قطاع غزة بجريمة اغتيال قواته الشاب المختل عقليا، إسحاق خليل حسان، عندما اجتاز، عارياً، الحدود المائية، قبل أيام، وهي لن تنتهي عنده وبه. للأسف، يقوم هذا الطاغية الذي يظن أنه في "مهمة من الله" لإنقاذ مصر، عملياً، بتدمير مصر وخيانة دورها ومكانتها عربياً. ولكن، لماذا نستغرب ما يقوم به السيسي بحق غزة، وهو يسحق أبناء وبنات شعبه!؟ ولماذا نستغرب أفعاله الإجرامية بحق فلسطين في حين أن "رئيس" الشعب الفلسطيني، محمود عباس، شريك في جريمته بحق قطاع غزة! ألم يفاخر عباس في سبتمبر/أيلول الماضي، بأنه صاحب فكرة إغراق أنفاق غزة والحدود مع مصر بمياه البحر!؟
إن ثورة تصحيحية للواقع العربي آتية لا محالة، وبغير ذلك، ستعم الفوضى وتشمل الجميع.. فبقاء الحال من المحال.