جروبي: تاريخ مصر في قالب غاتوه

21 فبراير 2016
(مقهى "جروبي" وسط القاهرة، تصوير: كريس برونسيل)
+ الخط -

ارتبط اسم "جروبي" بأذهان المصريين لفترة طويلة، بـ "الآيس كريم" في المحافظات، وبـ"الغاتوه" لدى أهل العاصمة، فالعجلة التي تحمل صندوقاً كبيراً يحتوي على قطع "الآيس كريم" الطازجة بنكهات متنوعة، تُعدّ أحد التفاصيل المتعلقة بالذاكرة الجمعية لدى أجيال من المصريين، حيث استحدث "جروبي" هذه العجلة الشهيرة، لتجوب الشوارع وتوصل الآيس كريم المثلج للمناطق البعيدة.

مؤخراً أصبح التعاطي مع اسم "جروبي" - الذي كان ذائع الصيت في مصر منذ القرن التاسع عشر - كتاريخ، وشاهد مكاني من خلاله يمكن رصد عدد من التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي طرأت على مصر، وألقت بظلالها الواضحة على هذه المؤسسة الشهيرة لصناعة الحلويات.

فقد رصد فيلم "رحلة نجاح جاكومي جروبي"، الذي أنتجه التليفزيون السويسري عام 2009، التغيّرات التي طرأت على المقهى، ويمكن من خلالها رصد الحياة في مصر منذ أن أسّسه صاحبه جاكومي جروبي سنة 1890 وكان عمره 27 عاماً. وبالفعل نجح "جروبي" سريعاً، وأصبح صاحبه مقرّباً من الطبقة الثرية من الباشوات، أو ما يمكن أن يطلق عليهم بالنخبة السياسية في ذلك الوقت.

وبعد قيام الحرب العالمية الأولى اختلطت بهذه النخبة من الباشوات المصريين نخبة أخرى، وهم الأجانب، حيث قامت بريطانيا خلال الحرب بنقل جميع مقار قيادة جيوشها في الشرق الأوسط والأقصى إلى مصر، مما جلب الربح أكثر لـ "جروبي"، فاتسعت شريحة النخبة السياسية في ذلك الوقت حتى أصبحت شريحة الأجانب تحل محل النخبة السياسية المصرية شيئاً فشيئاً، باعتبارها الأكثر قرباً من الملك.

وجاءت ثورة يوليو، ومع هذه الموجة من الإطاحة بنظام كامل، تعرّضت سلسلة المحلات الشهيرة للتهشيم والحرق، كمحاولة لهدم مظاهر الملكية ومجالس الإقطاعيين والحياة الرغدة التي ينعم بها الأثرياء والنخب السياسية من أرباب الملك والأجانب، وحاول "جروبي" أن ينحني قليلاً للريح وسرعان ما جاء ولاؤه للثورة.

في حديث إلى "العربي الجديد" يقول وسام الدويك الكاتب والصحافي المصري والذي يعدُّ فيلماً وثائقياً عن المكان، إن "جروبي" كان ذكياً في التعامل مع نظام يوليو، حيث أكّد أقدم عامل في المحلات أنها كانت ترسل خمسة آلاف وجبة بالطيران الحربي يومياً للعاملين في السد العالي في أسوان، لذا حظيَ على رضا نظام يوليو ولم يؤمّم".

واعتبر الدويك "جروبي" شخصية تتمتع بالعصامية والذكاء، فقد استطاع كسب رضا الملك والأجانب ونظام يوليو، كما كانت له لفتات يمكن من خلالها كسب رضا الجميع، فقد كان يوزّع الفائض اليومي من المنتجات على دوريات البوليس ورجال المرور ودور الأيتام".

كانت محلات "جروبي" أثناء حكم السادات شاهداً على تحوّل شكل المجتمع المصري بعد عصر الانفتاح، لم تعد شريحة الأثرياء هي تلك الشريحة التي تدخل "جروبي" من أجل الرقص في صالته الرئيسية وأكل الحلوى وتناول الخمور، كان هناك اتجاه للتديّن ورفض تلك المظاهر، فقرّر أحفاد "جروبي" بيع المحلات لـ عبد العزيز لقمة أحد التجار الذين استفادوا من الانفتاح على دول الخليج، حيث عمل في السعودية فترة حكم السادات، واشترط أحفاد "جروبي" أن تظل المحلات تحمل نفس الاسم وتستمر في إنتاج الحلويات، واشترط المشتري أن يمتنع "جروبي" عن تقديم الخمور وإقامة حفلات الرقص.

يقول وسام الدويك إن أحد أحفاد "جروبي" ما زال يعيش في الزمالك، وهو أحد المتحدثين في الفيلم الذي يقوم بإعداده. يحاول الشريط أيضاً الاستعانة بكل مشاهد السينما التي صوّرت في المقهى، أو التي تتحدث عنه، فضلاً عن تصوير المعمار الكوسموبوليتاني الذي تتميز به المحلات، وما طرأ عليها حتى قيام ثورة يناير.

المساهمون