جردة حساب وزير الداخلية اللبنانية... 18 شهراً من السجالات

22 سبتمبر 2015
يصف مستقبليون أداء المشنوق بـ"الانبطاح لحزب الله" (حسين بيضون)
+ الخط -
بات يُعرف عن وزير الداخلية اللبنانية، نهاد المشنوق، أنه كلما واجه أزمة فعلية في الملفات الأمنية التي يمسك بها، عرض استقالته على الناس بهدف حلّ المشكلة. ومن دون الإصغاء إلى ردّ الناس على هذا الاقتراح، يستكمل المشنوق عمله في الوزارة وينتقل من إثارة سجال إلى آخر.

قبل أيام، وبعدما تكرّر قمع القوى الأمنية للمتظاهرين في "حراك بيروت"، قال المشنوق إنه "إذا كانت استقالتي تحل المشكلة فلا أمانع بتقديمها". مع العلم أنّ الحراك يرفع مطلب محاسبة المشنوق واستقالته منذ بدء القمع في ساحات بيروت في 22 أغسطس/آب الماضي. وسبق للمشنوق أنّ عبّر عن الموقف نفسه قبل ثلاثة أشهر، بعد فضيحة التعذيب التي انفجرت في سجن رومية من خلال تسريب أشرطة عن كيفية تعاطي القوى الأمنية مع الموقوفين: ضرب وعقاب جماعي وانتهاكات أخلاقية وتحرّش كلامي وجسدي. يومها قال المشنوق أيضاً إنه مستعد للاستقالة "إن كانت تمنع التطرف في البلد". كذلك وصل الأمر بالمشنوق إلى القول إنّ المتظاهرين في حراك بيروت "يصرّون على البحث عن أحد يضربهم في الشارع"، محاولاً تصوير الناشطين كباحثين عن المتعة في القمع. دافع الوزير عن عناصره الأمنيين وبرّر لجوءهم المفضوح إلى الشدّة والاعتداءات تحت عنوان "ردة فعل على استفزاز المتظاهرين لهم". ووضع مؤسسة قوى الأمن الداخلي في مواجهة الناس وربط كل خرق بممارسات فردية للعناصر بدل تحمل المسؤولية السياسية عن سلوك المؤسسة. ذلك أنّ ربط كل التجاوزات بأخطاء فردية، وأن العناصر لا يتحملون أي استفزاز، كلها معطيات تشير إلى غياب الانضباط والمناقبية لأي جهاز أمني رسمي.

اقرأ أيضاً: وزير الداخلية اللبناني: سنمنع احتلال أي مؤسسة عامة

في فترة زمنية قليلة نسبياً في الحكم تتجاوز السنة ونصف السنة بقليل (منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في فبراير/شباط 2014)، قدّم المشنوق لمعارضيه كل الحجج ليقولوا إنه الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. الرجل أطلق عهده في وزارة الداخلية من خلال استضافة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، في اجتماع قادة الأجهزة الأمنية الذي عقد في أبريل/نيسان 2014. كانت هذه أولى الشرارات التي مهدّت لـ"الفضائح" السياسية والأمنية المتتالية التي قادها المشنوق من مكتبه في الصنائع (مقرّ وزارة الداخلية في بيروت). كانت هذه الخطوة أولى زلّات الوزير، فنال قسطه اللازم من المساءلة من قبل قيادة تيار المستقبل الذي ينتمي إليه، ذلك أن مشاركة المسؤول الأمني لحزب الله في الاجتماع الأمني الأرفع لمسؤولي الأجهزة الأمنية الرسمية، عنت لكثيرين أنها تسليم الملفات الأمنية إلى حزب الله بشكل رسمي. 

منذ تلك اللحظة، خرج مِن تيار المستقبل مَن يتّهم المشنوق بالعمل على مشروع سياسي رديف وموازٍ للتيار يهدف المشنوق من خلاله إلى إبراز شخصيته القيادية وقدرته على شقّ طريقه في صفوف نادي الأقطاب والزعماء اللبنانيين. ولم يعد خفياً على أحد أساساً، أنّ للرجل طموحاً رئاسياً يتمثل بدخول نادي رؤساء الحكومة، وسبق له أنّ عبّر عن هذا الطموح في أكثر من مجلس محلي خارجي. كما أنّ المشنوق لم يتأخر منذ أكثر من ستة أشهر، في التصويب على زعيم المستقبل، رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، أمام مسؤولين خليجيين وغربيين واصفاً الزعيم الشاب بـ"قليل الخبرة والبعيد عن البلد والأجواء السياسية". 


يعلّق أحد صقور تيار المستقبل على أداء المشنوق منذ توليه منصبه الوزاري بالإشارة إلى أنه "انبطاح سياسي أمام حزب الله". أبرز المشاريع الأمنية التي قادها المشنوق في هذه الفترة، موجة "الخطط الأمنية" التي عمّت المناطق بقرار رسمي صادر عن الحكومة وبتوافق الأطراف السياسية وإجماعها على ضبط الشارع اللبناني. نجحت الخطة الأمنية في الشمال في مارس/آذار، المحسوبة سياسياً ومذهبياً على الطائفة السنية وتيار المستقبل، وتمكّنت الدولة اللبنانية من تفكيك المجموعات المسلحة في مدينة طرابلس وغيرها حيث تمّ توقيف العشرات من قادة هذه المجموعات وعناصرها. في المقابل، فشلت الخطط التي تطاول المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله، من البقاع (شرقي بيروت) حيث تتوالى ظاهرة الخطف مقابل فدية والاتجار بالمخدرات والأسلحة، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت (الخزّان الشعبي والسياسي لحزب الله على مدخل بيروت الجنوبي)، والتي تعيش أيضاً تجليّات تجارة المخدرات وتصنيعها، بالإضافة إلى حضانتها مئات المطلوبين. الأمر الذي يدفع المتابعين إلى التأكيد على نظرية "انبطاح" المشنوق أمام الحزب للوصل إلى مآرب خاصة.

اقرأ أيضاً: إجهاض حراك بيروت... كل شيء مُباح لدى السلطة

وصل الحال بالمشنوق خلال الفترة الأخيرة إلى التمايز بشكل كبير عن مواقف المستقبل، تحديداً اتهامه "دولة عربية صغيرة" بدعم حراك بيروت. أمر دفع بزعيم المستقبل سعد الحريري إلى التغريد من حسابه على موقع "تويتر" نافياً أي تدخل لقطر في الأحداث الجارية في لبنان ومضيفاً: "الشائعات التي تزج باسم دولة قطر في الأحداث اللبنانية مجردة بالتأكيد عن أي صلة بالحقيقة". ليتبعه رئيس كتلة المستقبل النيابية، فؤاد السنيورة، بالتأكيد على العلاقات الطيبة بين البلدين ودعم الدولة الخليجية للبنان ووقوفها إلى جانبه في الأزمات. جاء ردّا الحريري والسنيورة على كلام المشنوق بمثابة صفعة سياسية وشخصية، إلا أنّ هذا الأمر يكرّس واقع أنّ وزير الداخلية ابتعد كثيراً في التغريد خارج السرب المستقبلي.


أما السجال المستجد في السيرة الذاتية للمشنوق، فكان نشْر صورة لشيك مصرفي باسمه من "بنك المدينة" (مصرف لبناني أشهر إفلاسه عام 2003 بعد أن حامت حوله اتهامات الفساد بتبييض أموال تخصّ كثيرين من السياسيين ورجال الأعمال والصحافيين) بقيمة 1.4 مليار ليرة لبنانية (ما يقارب مليون دولار أميركي). أقر المشنوق بصحة الشيك، وقال إنه ثمن منزل له قد باعه، وقدم شكوى قانونية لمحاسبة من نشر الصورة، تحت عنوان خرق السرية المصرفية. من دون أن ينسى أحد أيضاً أنّ أول التصاريح التي بدأ فيها المشنوق حياته الوزارية كانت خلال إقفاله أحد معامل تعبئة الغاز في بيروت، حيث سأل أحد المحتجّين "أنت عارف حالك مع مين عم تحكي"؟ بنبرة تهديد ووعيد غير مسبوقة ربما على المستوى السياسي.
المساهمون