بعد أقلّ من شهرين على إطاحة الرئيس السوداني عمر البشير، وانغماس البلاد في تظاهرات شعبية مطالبة بحكم مدني، سعى المجلس الانتقالي العسكري إلى تطويق حركتهم، عبر مماطلته في المفاوضات الهادفة لتأمين مرحلة انتقالية. في الواقع كان العسكر يستعدّ لمرحلة دموية، بعد زيارات عدة لقيادات المجلس إلى الإمارات والسعودية ومصر. وبرز المشهد الدموي بقوة فجر الاثنين الماضي، مع اقتحام "قوات الدعم السريع" (الجنجويد) ساحة الاعتصام أمام مقرّ القيادة العامة في الخرطوم، وتنفيذ مذبحة تضمنت قتل المعتصمين وإلقاء جثثهم في نهر النيل، وارتكاب جرائم الاغتصاب والتنكيل والتمثيل بالجثث، في تكرار لما فعلته وتفعله في إقليم دارفور منذ عام 2003. ناهيك عن تركها الأسلحة في الأحياء لحضّ الناس على العنف. والواقع أن قائدها في دارفور هو نفسه من يعتبر ذاته "الرجل القوي" بين العسكر، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ"حميدتي". وحتى يوم أمس، الخميس، كان إحصاء عدد الضحايا مستمر، وقد بلغ أكثر من 110 ضحايا.
قوات الدعم السريع هي مليشيا بنيتها الرئيسية قبلية، تابعة للحكومة السودانية تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وقامت بحملتين لمكافحة التمرد في إقليم دارفور المحاصر منذ وقت طويل في عامي 2014 و2015. كما هاجمت القرى بشكل متكرر، وأحرقت ونهبت البيوت، وقامت بأعمال اغتصاب وإعدام. وحصلت قوات الدعم السريع على غطاء جوي ودعم بري من القوات المسلحة السودانية وغيرها من المليشيات المدعومة من الحكومة. وقعت الحملة الأولى التي أطلق عليها اسم "عملية الصيف الحاسم" في البداية في جنوب دارفور وشماله بين أواخر فبراير/ شباط وأوائل مايو/ أيار 2014. أما الثانية، وهي "عملية الصيف الحاسم 2"، فدارت في البداية في وحول منطقة جبل مرة الجبلية الواقعة بالأساس في وسط دارفور، بدءاً من أوائل يناير/ كانون الثاني 2015، حتى اليوم. ومع هذا، فقد تناقصت وتيرة الهجمات بشكل كبير مع بداية الموسم المطير في يونيو/ حزيران 2015.
كان الهجوم على بلدة قولو، في وسط جبل مرة، دليل على فظاعات قوات الدعم السريع. كان جيش تحرير السودان ــ فصيل عبد الواحد النور المتمرد، يتمتع بسيطرة متنازع عليها على قولو على فترات مختلفة منذ بداية النزاع في دارفور في 2003، لكن البلدة كانت خلال السنة الماضية واقعة تحت سيطرة تامة من جانب الحكومة. في 24 يناير 2015، سيطرت قوات الدعم السريع على البلدة، فأحرقت المباني وقامت بعمليات نهب. وقابلت "هيومن رايتس ووتش" 21 شخصاً، ممن كانوا في قولو والقرى المجاورة لها في ذلك الوقت. قال كل من أجريت معهم المقابلات إنهم شهدوا عمليات قتل واغتصاب وضرب وسلب على نطاق واسع.
وقد تغاضت القوات الحكومية عن هذه المجازر وشاركت بشكل مباشر في عمليات إعدام سريعة للمدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، وفي حرق البلدات والقرى والإخلاء القسري لمناطق واسعة كانت مأهولة بالفور والمساليت والزغاوة. وقامت "الجنجويد" بتدمير المساجد وقتل رجال الدين والعبث بنسخ القرآن التابعة لأعدائها.
وبرز اسم زعيم قبيلة "المحاميد"، موسى هلال، كقائد لـ"الجنجويد"، ولا سيما بعدما ساهم في فترة من الفترات في استنفار أهله للقتال مع الحركات المسلحة جنباً إلى جنب مع الحكومة، باعتباره الزعيم القبلي والسياسي لهم ويدينون له بالولاء. كما برز القائد الميداني لـ"قوات الدعم السريع"، حميدتي، الذي أصبح عام 2014 حديث الوسط السوداني، وخصوصاً أن وسائل الإعلام قد سلّطت الضوء عليه بشكل مكثف.
ويُعدّ حميدتي، بحسب مقربين منه، من تلاميذ ابن عمه موسى هلال، وكان ضمن "حرس الحدود" الذي ساهم بشكل كبير في استقطاب القبائل العربية. لكنه عاد وتمرد على الحكومة عقب التوقيع على اتفاق أبوجا، مع مجموعة من الفصائل الدارفورية بقيادة حركة "تحرير السودان" (جناح مني أركو مناوي) في عام 2006. وسحب حميدتي قوة من "حرس الحدود"، يملك تأثيراً قبلياً عليها، وانضم إلى إحدى الفصائل الدارفورية المتمردة. لكن الحكومة، في حينها، نجحت في إقناعه بالعودة إلى أحضانها، بعدما وافقت على طلباته، وأعطته تطمينات، ووعدت بترقيته، فتمت المصالحة في النهاية، ليصبح داعماً لـ"قوات الدعم السريع". وكتب المحرر باتريك سميث في مجلة "ذا أفريكا ريبورت"، عن حميدتي: "كان حديث النخبة في الخرطوم، أن الرجل (حميدتي) ذهب بعيداً في الأمور التي فعلها في دارفور. ولا يمكن السماح له بذلك في الخرطوم".