تمارس النساء أنواع الرياضات المختلفة في إيران، مع التزامهن الزيّ الإسلامي. ويشاركن في مختلف المسابقات الرياضية، داخل البلاد وخارجها، إلا أنّ ذلك لم يمنع نشوء إشكاليات، حول الموضوع، أثارتها جهات نافذة في الدولة، منذ عدة عقود، أسّست لجدل طويل، لا يزال مستمراً حتى الآن. أبرز هذه القضايا، حظر حضور النساء في الملاعب لمشاهدة مباريات كرة القدم، ورغم تصدّعات صغيرة في جدار هذا الحظر، إلا أنه بقي يستحوذ على اهتمام الرأي العام، قبل أن تثار منذ عامين تقريباً، إشكالية أخرى، حول ركوبهنّ الدراجات الهوائية.
عاد هذا النقاش إلى الواجهة أخيراً، بعد حدثين مرتبطين بهذه الرياضة. الحدث الأول هو استقالة جماعية لأعضاء لجنة رياضة ركوب الدراجات في مدينة "سبزوار"، شرقي إيران، في الأول من الشهر الجاري، احتجاجاً على حظر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهذه الرياضة على النساء في المدينة، في الفضاء العام. وجاء في رسالة الاستقالة أنّه "نظراً إلى الأحداث الأخيرة، التي طاولت مواطناتنا في مدينة سبزوار، وممارستهنّ لرياضة ركوب الدراجات، ودعماً لهن، يقدم جميع أعضاء اللّجنة استقالاتهم لمديرية الرياضة ونقطع التعاون معها".
تشارك الإيرانيات في مختلف المسابقات الرياضية داخل البلاد وخارجها
أما الحدث الثاني، فهو إعلان الهيئة ذاتها، في مدينة "مشهد" الدينية، شرقي إيران، حظر ركوب الدراجات على النساء، في الثالث من أغسطس/ آب الجاري. وفي هذا اليوم، نقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن رئيس لجنة رياضة الدراجات في محافظة خراسان الرضوية، مهدي روزبهانه، قوله إنّ "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد حصولها على المسوّغات اللازمة، طبّقت حظر ركوب الدراجات على النساء، وصُدِّق على منعهنّ من ممارسة هذه الرياضة، في الأماكن العامة وعلى مرأى الناس". وخلافاً لنهج اللجنة في مدينة سبزوار التي تضامنت مع النساء الراغبات في ممارسة هذه الرياضة، حمّل روزبهانه النساء اللواتي "لم يلتزمن المعايير الاجتماعية"، مسؤولية قرار الحظر، وأضاف قائلاً إنّ "النساء اللواتي لم يراعين الحجاب بشكل صحيح وارتدين ملابس مسيئة، سبّبن فرض هذه القيود".
وبعد يوم على إعلان هذا الحظر، نفى المدعي العام في مدينة مشهد، مركز المحافظة، محمد حسين درودي، أن يكون قد صدر حكم قضائي بهذا الشأن، وفقاً لما أوردته وكالة "إرنا"، وأضاف أن "لا صحة للأنباء عن إصدار النيابة العامة أمراً بحظر استخدام النساء الدراجات". إلا أنّ حديث المدعي العام في مشهد، لم يُنهِ الجدل المستمر حول الموضوع في المحافظة، وفي مناطق إيرانية أخرى.
خلفية الموضوع
وأثير موضوع استخدام النساء للدراجات الهوائية بشكل جدي، قبل نحو عامين، في مدينة أصفهان، وسط إيران، على خلفية وضع قيود على ركوب النساء الدراجات. إذ قال المدعي العام في المدينة، إنّه "وفقاً لفتاوى العلماء، وكذلك بناءً على القانون، يُعتبر ركوب النساء الدراجات، في الفضاء العام، حراماً". وأشار إلى أنّه "أُبلغَت الشرطة بأنّه، في المرة الأولى، تُنذَر النساء اللواتي يُشاهدن على الدراجات الهوائية في الشارع".
أثارت حينها، هذه التصريحات، ضجة في البلاد، وواجهت ردود فعل غاضبة من الناشطات في مجال حقوق المرأة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك فإنّ الرئاسة الإيرانية، سجّلت اعتراضها على الموضوع، على لسان نائب الرئيس لشؤون المرأة والعائلة، معصومة ابتكار، ونائب الرئيس للشؤون القانونية، شهيندخت مولاوردي.
لم تُلغَ القيود على استخدام النساء للدراجات الهوائية في مدينة أصفهان
وبعد هذه الموجة، أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية، غلام حسين إسماعيلي، حينها، أنّ "ركوب الدراجات ليس جرماً ما لم يرافقه جرم"، قائلاً إنّ "ظهور النساء في الفضاء العام من دون الحجاب جرم".
إلا أنّ هذه التصريحات لم تحلّ المشكلة، حيث لم تُلغَ القيود على استخدام النساء للدراجات الهوائية في مدينة أصفهان، وتعدّتها إلى مدن إيرانية أخرى في العامين الأخيرين، حيث كشفت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية، في تقرير نشرته في الثالث من أغسطس/ آب الجاري، عن فرض قيود مماثلة في مدن بمحافظات خراسان الرضوية، وخراسان الجنوبية وخراسان الشمالية، شرقي البلاد، وذلك على الرغم من أنه يسمح للنساء بممارسة هذه الهواية، في غالبية المحافظات الإيرانية، وهي منتشرة كثيراً.
رأي القانون
وخلال عملية بحث في القوانين الإيرانية، تأكّدت "العربي الجديد"، أنه لا يوجد نص قانوني يحظر على النساء ركوب الدراجات الهوائية، وأنّ فرض قيود على الأمر في بعض المدن الإيرانية، ليس مسنوداً بأدلة قانونية، وهو ما أكّدته أيضاً معاونة شؤون المرأة والأسرة في الرئاسة الإيرانية، وفقاً لوكالة "إرنا" الإيرانية، في وقت سابق من الشهر الجاري، حيث أعلنت أنّ "القانون لم يفرض أي قيود على ركوب النساء الدراجات في الأماكن العامة".
ولاحظت "العربي الجديد"، أنّ حظر استخدام النساء للدراجات الهوائية في مناطق إيرانية، يعود إلى آراء جهات دينية نافذة في هذه المناطق، خاصة بعد أن تحوّل الأمر إلى ظاهرة، في السنوات الأخيرة، ساهمت في نشرها حملة "الثلاثاء بلا سيارات"، التي انطلقت في إيران منذ خمس سنوات تقريباً. والحملة هي ضمن حراك مدني مجتمعي، للحفاظ على البيئة ومواجهة التلوث. فضلاً عن أنّ بعض الفتيات الإيرانيات، رأين في رفض الأمر من قبل جهات دينية، حافزاً لهنّ لاستخدام الدراجات الهوائية.