تشهد جبهات المواجهة في العراق تحولات عدة، ولا سيما بعدما حققت القوات العراقية، مدعومة بالآلاف من مقاتلي العشائر، انتصارات كبيرة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية أجبرت من خلالها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على التراجع في مدن عدة وفقدانه السيطرة على مساحات واسعة من محافظة الأنبار غرب العراق. وتشكّل هذه المحافظة التي بسط التنظيم نفوذه عليها منذ مطلع العام الماضي، نحو 33 في المائة من مساحة البلاد. في غضون ذلك، تشهد المحاور الغربية والشمالية من مدينة الموصل ترقباً وحبساً للأنفاس مع الإعلان عن استعدادات أميركية عراقية للبدء بالمرحلة الأولى من عملية استعادة المدينة التي يعتبرها التنظيم عاصمته في العراق.
ووفقاً لتقارير عراقية أميركية صادرة عن غرفة التنسيق المشترك في بغداد، فإن التنظيم تراجع خلال الـ25 يوماً الماضية في أكثر من محور. ويصف أحد التقارير قوات العشائر وغارات التحالف الدولي بأنها "كلمة السرّ في هذا التقدم".
في هذا السياق، يقول مسؤول عسكري رفيع المستوى في وزارة الدفاع العراقية في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "رقعة المعارك بدت خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية لصالح العراقيين"، مضيفاً أنّ "مجمل العمليات العسكرية في الأنبار تسير لصالح قواتنا المشتركة المؤلفة من الجيش والعشائر والشرطة المحلية بمظلّة من المقاتلات الأميركية". ويوضح المسؤول، وهو ضابط برتبة عميد، أنّ "وضع تلك المعارك غرب العراق مطمئن على الرغم من الهجمات الانتحارية التي باتت السلاح الوحيد لدى التنظيم".
ويتابع العميد العراقي أن "التقارير الميدانية الواردة من أرض المعركة تتحدث عن وجود مؤشرات إلى إمكانية مهاجمة مدن أخرى مثل الرمادي واستردادها خلال الشهرين المقبلين"، كاشفاً عن خسارة "داعش" أكثر من 30 في المائة من الأراضي التي يسيطر عليها في الأنبار خلال شهر واحد، وفقاً لتلك التقارير.
وتركّزت المعارك خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية في محيط الرمادي وقرب هيت وبلدة البغدادي وسط وغرب الأنبار، بحسب قائد قوات الجيش هناك، اللواء الركن إسماعيل المحلاوي الذي يؤكد لـ"العربي الجديد"، تحوُّل التنظيم من وضع هجومي إلى دفاعي يسعى من خلاله للحفاظ على المناطق التي يتواجد فيها.
ويقول المحلاوي، وهو المشرف على عملية التنسيق مع قوات التحالف الدولي في القاطع الغربي من العراق، إنّ "أكثر من ألفي عنصر من داعش، قتلوا خلال الأسابيع الخمسة الماضية من خلال المعارك البرية والقصف الجوي للتحالف وفي مختلف المناطق"، كاشفاً عن "مضاعفة قوات التحالف طلعاتها الجوية على مواقع ومعاقل التنظيم مقارنة بالشهر الماضي".
ويضيف اللواء ذاته أنّ "مسألة تحرير باقي مدن الأنبار تعتمد على استمرار دعم التحالف لنا من خلال الضربات الجوية والتسليح، فضلاً عن تنفيذ خطة إغلاق الحدود مع سورية لإيقاف تدفقهم إلى العراق".
اقرأ أيضاً العراق: الجيش الأميركي يقدم مساعدات عسكرية لعشائر الأنبار
من جهته، يقول المتحدث باسم مجلس العشائر المتصدية لـ"داعش"، الشيخ محمد الدليمي لـ"العربي الجديد"، إنّ "العشائر تتجه بعد الانتهاء من تطهير محيط الرمادي إلى مدن أخرى مثل الفلوجة وهيت وغيرها"، لافتاً إلى أنّ العشائر أبلغت التحالف الدولي والحكومة برفضها مشاركة مليشيات الحشد في معارك الأنبار، تجنباً لأي مشاكل تثيرها مثل أعمال السرقة والنهب وحرق المنازل، و"هي جرائم انتقام طائفية"، على حدّ تعبيره. ويؤكّد الدليمي وجود "نحو 20 ألف مقاتل عشائري من أهل الأنبار جاهزين حالياً، وجزء كبير من سلاحهم بات أميركياً".
على صعيد متصل، فإنّ سطوع نجم القوات العشائرية أخيراً والاتهامات التي وُجّهت لمليشيات الحشد بتنفيذ هجمات طائفية طاولت أهالي المقدادية، أدّى إلى تراجع أسهم تلك المليشيات في المشهد العراقي، خصوصاً بعد إعلان عشائر صلاح الدين عن البدء بتشكيل قوة مماثلة لتلك الموجودة في الأنبار اليوم، لتحرير مناطقها وحمايتها.
يقول أحد شيوخ عشائر تكريت، الشيخ مناف الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "عشائر صلاح الدين عقدت اجتماعاً بحضور شيوخ البلدات والمناطق التابعة للمدينة، وناقشوا خطورة ملف الأمن حالياً، وضرورة توفير الحماية خصوصاً للمناطق التي على تماس مع المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، أو التي تعدّ أهدافاً للتنظيم"، مبيناً أنّ "الاجتماع تمخّض عنه اتفاق بين الشيوخ والوجهاء على تشكيل قوات لحماية تلك المناطق من أبناء العشائر".
ويوضح الجبوري أنّه "تم البدء بتشكيل قوة قوامها يصل إلى نحو 2500 مقاتل من أبناء المنطقة"، مبيّناً أنّ "القوة ستكون تحت قيادة ذوي الخبرة من أبناء المنطقة من الضباط السابقين في الجيش العراقي". ويشير إلى أنّ "العشائر وضعت صندوقاً خاصاً لدعم حماية المناطق، وبدأت بجمع التبرعات فيه، وسيكون تسليح تلك القوات بالاعتماد على تلك التبرعات"، لافتاً إلى أنّ "التجربة ستعمّم في أغلب مناطق تكريت، وستعمل بالتنسيق والتعاون مع القوات الأمنيّة". إلّا أنّ مصادر حكومية في بغداد، تحدثت عن وجود خطة أميركية لإمداد العشائر وتقويتها في مدن شمال وغرب العراق لتقوم بمهمة التحرير ومن ثم الإمساك بالأرض بهدف إبعاد مليشيا "الحشد" المموّلة إيرانياً.
وفي الجانب المقابل للأنبار حيث مدينة الموصل شمالاً، تشهد محاور المدينة الشمالية والغربية منها ترقباً واستعدادات واضحة من قبل "داعش" تحسباً لهجوم عراقي مشترك لاستعادة المدينة. ووفقاً للمتحدث باسم قيادة عمليات نينوى، العقيد الركن محمد الحمداني، فإن "قوات تحرير الموصل أكملت استعداداتها ولم يتبق سوى الاتفاق بين واشنطن وبغداد وإربيل على موعد الهجوم".
يشير الحمداني في حديث لـ"العربي الجديد" إلى وجود "نحو 6 آلاف مقاتل جميعهم من أبناء الموصل متطوعين وقوات أمنية سابقة داخل المعسكرات ينتظرون أوامر الهجوم على المدينة. وهناك موافقة كردية على مشاركة البيشمركة في الهجوم، إلى جانب الفرقة 12 في الجيش العراقي (مدربة من قبل الأميركيين)". وبحسب المتحدث باسم قيادة عمليات نينوى، سيكون الهجوم على مراحل عدة، وفق خطة أميركية أُعدّت مسبقاً". ويؤكد الحمداني أنّ "داعش باشر بحفر أنفاق حول المدينة وزرع مئات الألغام، كما فجّر الجسور على دجلة المؤدية للمدينة، وهذا قد يصعب المهمة لكن لن يلغيها"، بحسب العقيد ذاته.
من جهته، يقول الخبير في شؤون الجماعات المتشددة، سلام الدليمي لـ"العربي الجديد"، إنّ "تطورات الشهر الأول من هذا العام، تبشّر بمزيد من التقدم على داعش". ويرجع ذلك إلى أسباب عدة "أبرزها العشائر التي تعي جغرافية الأرض وتتفوق على الجيش والمليشيات بالقتال في مناطقها التاريخية، فضلاً عن تقبّل المواطن فكرة تعاونه مع ابن العشيرة عوضاً عن المليشيات، كما أنّ كثافة الغارات الأميركية وانخفاض نسبة تجنيد المقاتلين الجدد في داعش له دور كبير"، بحسب الدليمي.
ويلفت الدليمي إلى أنّه "في مثل هذا الشهر من العام الماضي، كان داعش يسيطر على نحو 40 في المائة من العراق. أمّا اليوم، فلا تتجاوز النسبة 27 في المائة، وهذا إنجاز بحد ذاته، مستدركاً حديثه بالقول، "لكن الاستمرار على هذا النحو، يتوقف على عوامل استمرار دعم العشائر وإنجاح تجربتها في أكثر من منطقة وتسليحهم وإغلاق الحدود بين العراق وسورية"، واصفاً العام الحالي للتنظيم بـ"سنة انكماش ودفاع عن مناطقه لا هجوم".
اقرأ أيضاً: العراق: عشائر تكريت تشكل قوات لحماية مناطقها