تراجع رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، عن تهديده بنسف اتفاق بريكست، الذي من المنتظر أن يتم التوقيع عليه في قمة أوروبية استثنائية في بروكسل اليوم الأحد، وذلك بعد إعلانه عن "اتفاق" بشأن جبل طارق، وهو ما أكدته لندن، أمس السبت، مشيرة إلى أنها تؤيد إجراء مفاوضات مع مدريد حول جبل طارق بعد بريكست. وكان سانشيز قد هدّد بعدم التصويت على اتفاق بريكست في حال أن مشاركة إسبانيا في أي مفاوضات نهائية حول منطقة جبل طارق ليست مدرجة في اتفاقية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقد تحول جبل طارق أو "أعمدة هرقل"، وهي صخرة تبلغ مساحتها 6 كيلومترات مربعة فقط، وهي النقطة الوحيدة التي تمر من المحيط الأطلسي إلى البحر الأبيض المتوسط، في الأيام الأخيرة، إلى عقبة أمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ لم يتردد سانشيز بالتعبير عن اعتراضه على اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في القمة اليوم الأحد، إذا لم تذكر المادة 184 من اتفاق الانسحاب مشاركة إسبانيا في المفاوضات المستقبلية لمنطقة جبل طارق، لكنه عاد وأكد، أمس السبت، عن "اتفاق بشأن جبل طارق"، مؤكداً أنه سيصوت لمصلحة بريكست.
وإذا كانت مدريد تدرك أنه لا يمكن إعادة فتح المفاوضات، وأنها لا تمتلك أي وسائل للضغط لتنفيذ تهديدها، فإنها "تستطيع على الأقل كسر وحدة الدول الأعضاء الـ27 في مواجهة المملكة المتحدة"، كما يفسر الخبير في الشؤون الأوروبية، فانسون جوريس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أنه "على سبيل المثال، فقد اعتبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أنها لن تشارك في قمة بروكسل في حال استمرار العجز عن إيجاد حل لهذا الملف، وهو نوع من كسر وحدة الاتحاد الذي نجحت فيه مدريد حتى الآن". وأعلن وزير خارجية البرتغال أوغوستو سانتوس سيلفا دعم بلاده لاشتمال اتفاق بريكست على طلب إسبانيا أن يكون لها رأي في مستقبل جبل طارق. واعتبر أن المبادئ التوجيهية الأصلية التي أصدرها الاتحاد الأوروبي العام الماضي، والتي تضمنت تأكيدات لإسبانيا بالتعامل مباشرة مع لندن بشأن قضية جبل طارق كانت "حكيمة". وأوضح أن المأزق له "حل سهل حالياً، لأن رؤساء الدول الـ27 قد وافقوا بالفعل على أن أي اتفاق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بجبل طارق سيتطلب موافقة مسبقة من إسبانيا، ويبدو أن ذلك نهج حكيم للغاية".
ويوم الجمعة، عقد سفراء الدول الأعضاء في الاتحاد اجتماعاً خاصاً في بروكسل لمحاولة الخروج من الأزمة. وحصلت إسبانيا على وعد بريطاني بأن تشارك في المفاوضات المتعلقة بجبل طارق، لكن مدريد طالبت بأن يتضمّن نص الاتفاقية التعهد كتابة بهذا الأمر. "في قمة الأحد، يمكن أن يكون ملف جبل طارق موضوع إعلان منفصل من قبل المملكة المتحدة تعبر فيه لندن عن وعدها. الحل هو أقل بالنسبة لمدريد من تعديل اتفاق بريكست. هل ستشعر حكومة سانشيز بالرضا عن هذا الانتصار؟" يتساءل جوريس. وواصل سفراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي العمل على الملف أمس السبت، على أمل النجاح في المهمة. لكن المدير السابق للدوائر القانونية في المجلس الأوروبي، جان كلود بيريس، يقول لوكالة "فرانس برس" إنه "سواء وافقوا (الإسبان) أم لا يوم الأحد، فهذا لن يغيّر شيئاً على المستوى القانوني". وقال مصدر أوروبي آخر "إنها مسألة سياسية، وليست قانونية: ستكون مشكلة حقيقية بالنسبة للدول الـ27 ألا تنضمّ دولة كبيرة مثل إسبانيا يوم الأحد إلى المصادقة على اتفاق الانفصال".
وبحسب المهتمين بالشأن الإسباني، فإن مطالب اللحظة الأخيرة من قبل مدريد هي بالأساس للرد على تحديات سياسية داخلية. "فاليمين الإسباني، الذي يحلم باستعادة الصخرة، يضغط على رئيس الوزراء الاشتراكي، بينما يسعى بيدرو سانشيز بهذه الاعتراضات إلى الحصول على مكانة دولية يفتقدها حتى الآن"، بحسب المختص في الشؤون الإسبانية، بيدرو لوكورو، مذكراً بأنه "مع ذلك، ليس لدى إسبانيا الوزن لفرض حق النقض الحقيقي داخل الاتحاد الأوروبي"، إذ تنص المادة 50 من المعاهدة الأوروبية على أن القرارات تتخذ في هذه المسألة بأغلبية مؤهلة، أي 55 في المائة من الأصوات. وأشار بيدرو لوكورو إلى أن "صحيفة ألموندو اليمينية هي التي أثارت الملف للمرة الأولى، قبل أن يتحول إلى قضية وطنية". ففي عدد صدر مباشرة بعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بشأن بريكست تساءلت الصحيفة في افتتاحيتها "كيف تسمح إسبانيا بتمرير موقف تفاوضي غير مسبوق؟". ثم انتقدت في الافتتاحية ذاتها أن "وزير الخارجية، جوزيب بوريل، لم يعمل على ضم المطالبة بحقوق إسبانيا المشروعة على جبل طارق في المفاوضات حول الوضع المستقبلي للصخرة".
"وتعد المطالبة بإعادة هذه الصخرة البريطانية إلى إسبانيا، أو على الأقل منح مدريد حق المشاركة في إدارة هذه المنطقة قديمة قدم معاهدة أوترخت التي شرعت تسليم المنطقة إلى التاج البريطاني بشكل دائم في عام 1713"، يقول لوكورو. ويشير إلى أن "جبل طارق، كما تذكر إسبانيا بانتظام، مدرج في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي". وتدرك إسبانيا استحالة استرداد السيادة على جبل طارق، فسكان الصخرة صوتوا بالفعل عن طريق استفتاء على إمكانية اعتماد سيادة إسبانية وبريطانية في عام 2002، وهو ما رفضوه بأكثر من 98 في المائة من الأصوات. وتسعى رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التي التقت مساء أمس السبت مع رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، إلى إبراز أن البريطانيين فعلوا كل شيء حتى اللحظة الأخيرة لتأمين أفضل صفقة في صالح الجميع، حتى فيما يتعلق بملف جبل طارق. وستظل العقبة الأخيرة هي تصويت البرلمان البريطاني على الاتفاق. وتواجه ماي انتقادات متزايدة تهدد برفض المصادقة على الاتفاق، إذ يتهمها البعض بأنها قدمت تنازلات كثيرة للاتحاد الأوروبي. وقد تم التوصل إلى حل لمسألة كانت لا تزال عالقة في الأيام الأخيرة، وهي حقوق الأوروبيين بالصيد في المياه الإقليمية البريطانية، وفق ما أكد مصدر دبلوماسي آخر بعد اجتماع رفيع المستوى لممثلي القادة الأوروبيين يوم الجمعة في بروكسل. وقال دبلوماسي، لوكالة "فرانس برس"، إنه يُفترض أن تكون مسألة الصيد، التي لم تُحلّ في معاهدة الانسحاب، موضوع نصّ منفصل في بيان قمة اليوم الأحد.
وتمكنت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من التوصل إلى اتفاق يوم الخميس الماضي حول "الإعلان السياسي" الذي يحدّد إطار علاقاتهما في مرحلة ما بعد بريكست، خصوصاً على المستوى التجاري. وكانا قد توصلا، الأسبوع الماضي، إلى اتفاق حول "معاهدة انسحاب" المملكة المتحدة، وهي وثيقة مؤلفة من 600 صفحة تفصل الروابط التي أقيمت خلال أكثر من 40 عاماً. ويحلّ هذا النصّ خصوصاً مسألة الفاتورة التي يجب أن تدفعها لندن إلى الاتحاد الأوروبي من دون تحديد قيمتها. كذلك ينصّ على حلّ مثير للجدل لتجنّب إعادة الحدود الفعلية بين جمهورية أيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، ومقاطعة أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا. وكانت الطريق تبدو ممهدة أمام قادة الدول الـ27 ليتمكنوا من المصادقة بالإجماع اليوم الأحد على كل النصوص، في البداية فيما بينهم ثمّ مع تيريزا ماي، لكن متطلبات إسبانيا غيّرت المعطيات. وإذا عُقدت القمة، وتمكن القادة من إقرار اتفاق شامل، يتعين أن يصادق البرلمانان، الأوروبي والبريطاني، على اتفاق الانفصال قبل 29 مارس/ آذار 2019، الموعد المقرر لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.