أطلقت الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة قبل أيام ألبوم "أرض الغجر". تنوعت في الألبوم الخيارات الغنائية والموسيقية بشكل لافت عن مختلف عن باقي أعمالها السابقة. وهبة التي اعتدناها مغنية للقصيدة الراقية والملتزمة باللغة الفصحى، لم تخرج عن حلّتها المعتادة في تقديم الفن في زمن ينتصر فيه التجاري من الأغاني العربية. ولكنها بعملها الجديد قرأت بفطنتها الموسيقية وخبرتها الواقع الموسيقي، لتكسر القوالب التقليدية السائدة، وتعلو بفنّها بشكل يليق بالذائقة العربية. فقدمت تسع أغنيات تنوعت ما بين اللهجة العامية والفصحى على إيقاعات موسيقى الجاز والتانغو والموسيقى الشرقية، بالتعاون مع مجموعة من الملحنين أمثال إيلي معلوف وميشيل فاضل وشربل روحانا.
الكلاسيكية حاضرة في معظم أغاني الألبوم، أغنيات أخف ثقلًا من سابقتها، بعيدة عن الأغنية الهشة والتقليدية ولكنها تعبر بسلاسة إلى أذن المتلقي دون الابتعاد عن الأصالة والجمالية، الشعرية الراقية راسخة في جميع الكلمات، بدءًا من أغنية "سما عينيك" التي تحمل في مضامينها لغة من حنين واشتياق تبوح بها برقة ودفء، ضمن قوالب لحنية متنوعة "من وين بروحو على ضيعة اسما عيونك" ومثلها في "أرض الغجر"، فتقول: "تركت المسافة حافية ومية صلاة رشيت، جرحي على عودك وتر ببيكي إزا حنيت". ثم تخرج وهبي عن نفسها لتخاطب في "مشتاق" الناس والمكان والأصدقاء، كدعوة للذاكرة الطيبة، تقحم فيها لغة شعرية محكية بالعامية، اعتدنا سماعها في كثير من أغنياتها السابقة.
تتابع وهبة تجربتها في الغناء بالعامية، وتمنح لطبقات صوتها مساحة أكثر حرية في أغنية "متلي أنا"، ترافقها خلفية موسيقية هادئة. لكن ذلك لم يمنعها من العودة إلى مكانها الطبيعي، فليس الأمر شذوذاً عن الأصيل من الغناء والأساس حيث ملعبها الخاص، وإنما هو صون للعلاقة الموسيقية بين أعمالها ومزج يقبل المواكبة والتجدد في آن واحد. ولعل أغنية "آتٍ حبيبي" تكفي لفهم هذه العلاقة، إذ قدمتها على طبق رومانسي منكّه بالجاز والتوابل الشرقية، إلى جانب أغنية "قل لي" التي منحتها مزيجًا شرقيًا وطربيًا ممتعًا، يميل للصوفية، بعد بداية شعرية خطابية.
اللون الثوري أيضًا كان حاضرًا بين رومانسيات الألبوم، فتوجته بأغنية "إرادة الحياة"، وهي أشهر قصائد (شاعر الخضراء) أبو القاسم الشابّي، فقدمتها كعمل أوركسترالي، بتوزيع ولحن موسيقي مختلف، لتلتحق وهبة بمواطنها اللبناني حليم الرومي، وبالفنانة التونسية لطيفة وعدد كبير من المطربين الذين قدموا هذه القصيدة بأشكال غنائية متعددة ومتنوعة. أدرجت وهبة مقطوعة موسيقية بعنوان "تانغو الثورة"، سبق أن قامت بتلحينها وتقديمها كـ"تراك" لفيلم لبناني قصير حمل نفس العنوان. في المعزوفة تتقاطع الألوان الموسيقية بين غربي وشرقي، لكن للتانغو الحصة الكبرى بين الجمل اللحنية، مع تأثير سلس ومتناسق لآلتي الكمان والقانون. وقد يغلب الشك أذن المستمع في بعض الأحيان، فيخيل له بأنَّه أمام معزوفة اشترك في تأليفها كل من أنطونيو فيفالدي وآستور بيازولا فأخرجا تانغو لاتينيًا مدمجًا بموسيقى شرقية، مع إضافة نفحة أندلسية في هذه الأغنية. أما أغنية "خلخال الزمان" فقد جاءت مغايرة لأنماط الألبوم، منفردة في شكلها وإيقاعها، غنتها وهبة باللغة المحكية، ضمن قالب فلكلوري شعبي.