جامعات ومراكز مخابرات؟

23 اغسطس 2017
طلاب يتظاهرون في تونس (أمين لاندولسي/ الأناضول)
+ الخط -
دوماً، وخصوصاً في الأنظمة الشمولية تضع السلطات أعينها على الجامعات باعتبار أن معظم حركات الاحتجاج تنطلق من داخل الحرم ثم تتوسع نحو الخارج. تقوم بمهمة من هذا النوع أجهزة سرية مسجلة في صفوف طلاب الكليات والمعاهد، وكذلك يتم لهذه الغاية إنشاء مكاتب معروفة من الطلاب لها وظائفها القمعية. تتدخل وتستدعي هذا الطالب أو ذاك الأستاذ إذا ما صدرت عنه ملاحظة أو مجرد كلمة نقد، ثم تحوّله إلى أفرع المخابرات كي يكون عبرة لكل من تسِّول له نفسه التطاول والتدخل في "شأن لا يعنيه".

هذه المراكز لا تقيد حريات الطلاب والأساتذة فحسب، بل تشرف على انتخابات المجالس التمثيلية في المواسم المعروفة، وتعمل بكل الوسائل على المجيء بالعناصر الموثوقة التي لا يرقى الشك إلى ولائها للنظام ومؤسساته وأجهزته. لكن في الدولة السورية جرى تجاوز هذه الحدود المعروفة باعتبار أن البلاد تعيش حالة حرب، ما يتطلب إجراءات أشد جذرية من تلك التي درجت عليها في فترات السلم و"الضبط الناعم".

قبل أن ندخل في هذا الجانب نشير إلى أن الجامعات في سورية تاريخياً تتبع القطاع العام وأبرزها دون شك جامعات دمشق وحلب وحمص، لكن منذ العام 2001 صدر قرار جمهوري سُمح بموجبه بإنشاء الجامعات الخاصة. وتباعاً جرى افتتاح ما لا يقل عن 20 جامعة وأكاديمية خاصة في أنحاء سورية. ولعل ما عزّز هذا التوسع التداخلات المعروفة للنظام في الجامعات الحكومية على صعد الإدارات وأعضاء هيئات التدريس والموظفين والقيود التي يجري اعتمادها لجهة عمليات القبول للطلاب واختيار الكليات حيث الأولوية للمحازبين والموالين وأبنائهم بطبيعة الحال، مع أن الأمور شكلياً مرتبطة بالعلامات التي يحصل عليها الطالب في امتحانات شهادة الثانوية العامة.

وبالعودة إلى الستار الأمني المفروض على الجامعات السورية سواء أكانت رسمية أم خاصة، يتبين أنه جعلها أشبه ما تكون بثكنات عسكرية يتعرض الداخل أو الخارج منها للتدقيق باسمه وهويته قبل أن يطأ بابها، ويتعرض للتحقيق بعد خروجه من حرمها، ما دفع مئات الطلاب إلى ترك الدراسة. ففي غضون السنوات الماضية رفعت أجهزة الأمن من وتيرة مراقبتها منذ أن دخلت البلاد في الحراك السلمي المعارض، لكن هذا لم يمنع انطلاق تظاهرات وحدوث اشتباكات بين الطلبة المؤيدين والمعارضين، ما اضطر النظام إلى دعم مفارز المخابرات بعناصر الشبيحة الذين تجري الاستعانة بهم عند ظهور حالة تفيض عن حدود الضبط الذي تستطيعه الوحدات الأمنية الداخلية المرابطة في الحرم، علماً أنه قام بتعزيزها من خلال توظيف المزيد من الطلاب الموالين، بعضهم لقاء بدلات مالية، والبعض الآخر مقابل الحصول على إعفاء من التجنيد أو مقابل الحصول على مقاعد في بعض الكليات أو علامات عالية وتسهيلات.

والحصيلة في مثل هذا الوضع أن الجامعة باتت سجناً نظامياً، ولم تعد جامعة تتمتع كما هو سائد في كل دول العالم بمناخ من الحريات الأكاديمية التي تسمح لأهلها من أساتذة وطلاب بالتفاعل وإبداء آرائهم دون خوف أو وجل.

(أستاذ جامعي)

المساهمون