14 نوفمبر 2024
ثورة يناير ومن أخرسها
إذا أردت أن تعرف عدوك الحقيقي بلا جدل أو فلسفة، فحاول أن تعرف من أسكتك وأخرسك. بالطبع، لا أتكلم عن متعهّدي أعقاب السجائر وجامعيها من الإعلاميين ومتعهدي حفلات الزار من بقايا الأحزاب في مصر، فهؤلاء جميعا قد رضعوا اللبن، وأشياء أخرى، من دولة عميقةٍ منذ 1952، وهؤلاء جميعا، في كل بلاد العرب، كالهمّ على القلب والروح. ولكن أتكلم عمّن أسكت الثورة في الخفاء تارة، وهو يلبس قفازه الحرير، وكل أناجيل الثورات الأخرى أمام الكاميرا، وفي العلن تارة أخرى، هو يحمل هموم الوطن وأحجاره وأعلامه، والدموع أيضا.
أتكلم عن حواةٍ مهرة، لهم في كل الطرق والمذاهب والملل والنحل، ولهم زحفٌ ناعمٌ إلى كل الموائد كالثعابين، ولا يدري بسمومهم أحد، إلا بعد انقضاء الجلسة بسنوات، وربما لا يذكرون.
أتكلم عن جلودٍ متلونةٍ في كل ليلة وجلسة. أتكلم عن ألوانٍ كانت رماديةً في الثورة، وهي مقتلها في الوقت نفسه. لا أتكلم عن أصحاب الحناجر القوية، فهؤلاء ضباع الولائم في كل زمن، ولهم أرزاقهم، ولكن أتكلم عن زرافات الحفل ونعاماته، وعن سموم الورد في حفلات المساء. أتكلم عن زهور الليل المسمومة، وحناجر مهذبة قتلت، من دون أن نرى سلاحها، أو حتى بريق نصله. أتكلم عن يمامٍ ساهٍ، غسل يديه بتراب الثورة، وبعد سنواتٍ وجدناهم في الوظائف الناعمة، يشكرون الرب والدولة العميقة على جمال النعناع والنعمة. إنهم سفراء وسفيرات، ورؤساء تحرير، ومنتجون وشعراء للتترات المسلسلة، وأولاد وأحفاد وزوجات رؤساء سابقين ووزراء سابقين ورؤساء وزراء، في نعومة نبات اللبلاب وتسلقه.
أتكلم عن ألسنةٍ بضميريْن، ضمير مع الثورة، وآخر هناك ينتظر، أتكلم عن كتّابٍ جهزوا في سنة كتابيْن، واحدٌ مع الثورة في شعلتها الأولى، وآخر يطعنها من الخلف بخفةٍ بعد سنتين، وقد أخذ أعطيته ثم ألقى به. أتكلم عمن سمّموا البئر، وحجّوا مع الثورة في يناير نهارا، وطافوا بأمراء مكة والمدينة ليلا، لأخذ العهود والعقود. أتكلم عن حمّالي أيديولوجياتٍ أكل عليها الزمان وشرب، وصاروا "كأشعب" كل ليلة ضيوفا على قنوات رجال الأعمال، ثم أسلمهم ساويرس بعد ذلك لأبو هشيمة، وأبو هشيمة أسلم بقيتهم للميزانية، بعدما صارت "يتيمة"، فعادوا إلى الطرقات مرة ثانية وإلى المقاهي.
أتكلم عن مترجمين وكاتبات وكتّاب، أتوا من الغرب خصيصا لوضع خرسانة الدولة المدنية "حالا بالا". وبعدما تحولت إلى عسكرية بلا شائبة، ووضع الدستور تحت البردعة، عادوا إلى دولهم الأوروبية، يعكفون على الترجمة وبقية مشاريعهم عن السينما أو بورخيس. أتكلم عن الخجل، حينما لا يكون هناك ثمّة خجل. أتكلم عن صبيّ جميل، كان يبيع البطاطا في ميدان التحرير، وقتله مجندا في الجيش في أثناء ما كان يمزح مع مجند آخر بالسلاح. وفي السلاح، ترقد الطلقات، إلا أن النخبة قالت: "من قتله هو محمد مرسي، أو على الأقل هو السبب". وكتبوا القصائد في الطفل، حتى أوصلوه إلى مقام السيد المسيح. والغريب أن هؤلاء رأوا بأعينهم آلاف الجثث، وهي تُحرق ساعة أن كانوا في قنوات رجال الأعمال يضحكون. فلا تسألني عمّن قتل الثورة، بعدما زادت الثعابين عددا، حتى إنها ملأت الأرض، حتى وصلت إلى قعر أنابيب البوتاغاز في مخازن الوطن.
أتكلم عن حواةٍ مهرة، لهم في كل الطرق والمذاهب والملل والنحل، ولهم زحفٌ ناعمٌ إلى كل الموائد كالثعابين، ولا يدري بسمومهم أحد، إلا بعد انقضاء الجلسة بسنوات، وربما لا يذكرون.
أتكلم عن جلودٍ متلونةٍ في كل ليلة وجلسة. أتكلم عن ألوانٍ كانت رماديةً في الثورة، وهي مقتلها في الوقت نفسه. لا أتكلم عن أصحاب الحناجر القوية، فهؤلاء ضباع الولائم في كل زمن، ولهم أرزاقهم، ولكن أتكلم عن زرافات الحفل ونعاماته، وعن سموم الورد في حفلات المساء. أتكلم عن زهور الليل المسمومة، وحناجر مهذبة قتلت، من دون أن نرى سلاحها، أو حتى بريق نصله. أتكلم عن يمامٍ ساهٍ، غسل يديه بتراب الثورة، وبعد سنواتٍ وجدناهم في الوظائف الناعمة، يشكرون الرب والدولة العميقة على جمال النعناع والنعمة. إنهم سفراء وسفيرات، ورؤساء تحرير، ومنتجون وشعراء للتترات المسلسلة، وأولاد وأحفاد وزوجات رؤساء سابقين ووزراء سابقين ورؤساء وزراء، في نعومة نبات اللبلاب وتسلقه.
أتكلم عن ألسنةٍ بضميريْن، ضمير مع الثورة، وآخر هناك ينتظر، أتكلم عن كتّابٍ جهزوا في سنة كتابيْن، واحدٌ مع الثورة في شعلتها الأولى، وآخر يطعنها من الخلف بخفةٍ بعد سنتين، وقد أخذ أعطيته ثم ألقى به. أتكلم عمن سمّموا البئر، وحجّوا مع الثورة في يناير نهارا، وطافوا بأمراء مكة والمدينة ليلا، لأخذ العهود والعقود. أتكلم عن حمّالي أيديولوجياتٍ أكل عليها الزمان وشرب، وصاروا "كأشعب" كل ليلة ضيوفا على قنوات رجال الأعمال، ثم أسلمهم ساويرس بعد ذلك لأبو هشيمة، وأبو هشيمة أسلم بقيتهم للميزانية، بعدما صارت "يتيمة"، فعادوا إلى الطرقات مرة ثانية وإلى المقاهي.
أتكلم عن مترجمين وكاتبات وكتّاب، أتوا من الغرب خصيصا لوضع خرسانة الدولة المدنية "حالا بالا". وبعدما تحولت إلى عسكرية بلا شائبة، ووضع الدستور تحت البردعة، عادوا إلى دولهم الأوروبية، يعكفون على الترجمة وبقية مشاريعهم عن السينما أو بورخيس. أتكلم عن الخجل، حينما لا يكون هناك ثمّة خجل. أتكلم عن صبيّ جميل، كان يبيع البطاطا في ميدان التحرير، وقتله مجندا في الجيش في أثناء ما كان يمزح مع مجند آخر بالسلاح. وفي السلاح، ترقد الطلقات، إلا أن النخبة قالت: "من قتله هو محمد مرسي، أو على الأقل هو السبب". وكتبوا القصائد في الطفل، حتى أوصلوه إلى مقام السيد المسيح. والغريب أن هؤلاء رأوا بأعينهم آلاف الجثث، وهي تُحرق ساعة أن كانوا في قنوات رجال الأعمال يضحكون. فلا تسألني عمّن قتل الثورة، بعدما زادت الثعابين عددا، حتى إنها ملأت الأرض، حتى وصلت إلى قعر أنابيب البوتاغاز في مخازن الوطن.