ثورة يناير .. حديث كل عام

23 يناير 2020
+ الخط -
أصبحت الكتابة عن ثورة 25 يناير 2011 المصرية عمليةً مؤلمة عموما، ومرهقة في الأيام العادية، فما بالك بالكتابة عن تلك الثورة في ذكرى الثورة؟ إنه فعلا لأمر شاق، تلك الذكريات وتلك النوستالجيا وذلك الشجن، عن ماذا نحكي في ذكرى ثورةٍ مهزومة؟ عن التراكمات التي أدت إلى الثورة؟ عن ظهور حركة كفاية (الحركة المصرية من أجل التغيير) ثم ظهور حركة 6 إبريل؟ ثم عودة محمد البرادعي إلى مصر وتأسيس الجمعية الوطنية للتغيير، وحادثة قتل الشاب خالد سعيد، ثم كل التطورات، حتى دعونا إلى الخروج يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وكانت قبل ذلك دعوات مشابهة أطلقتها حركة 6 إبريل إلى التظاهر ضد ممارسات وزارة الداخلية في 25 يناير/ كانون الثاني في 2010 و2009، عندما كانت الأعداد محدودة لا تتجاوز عدة عشرات، وربما مئات، بأقصى تقدير. 
هل نحكي عن التحضيرات والتكتيكات والتخفّي؟ عن يوم 28 يناير ومعركة كوبري قصر النيل؟ وروح الميدان؟ المستشفى الميداني والتعاون والمجتمع المثالي الذي كان في ميدان التحرير خلال الـ18 يوما، حيث الكل يساعد الآخر، وكل متظاهر يقتسم وجبته مع أخيه، ولا ينشغل أحد بأيديولوجيا رفيقه في الميدان، ولا يهتم بأي حزبٍ ينتمي ولا تياره، الكل كان واحدا بشكل مثالي ربما يستحيل تكراره.
هل يفيد أن تُذكر الرواية مرة أخرى عن تصاعد الخلافات الأيديولوجية وبروزها، وتضارب 
المشروعات والاتجاهات بعد الـ 18 يوما؟ كان الحلم واحدا قبل الثورة، لكنه تفتت بعد رحيل حسني مبارك عن السلطة.. ما هو شكل الدولة التي نريدها، مدنية أم دولة الخلافة؟ وما دور المؤسسة العسكرية في الفترة الانتقالية وما بعدها، نظام رئاسي أم برلماني؟ الانتخابات أولا أم الدستور أولا؟ ثم كانت نقطة الانفصال والانشقاق بين قوى الثورة في استفتاء مارس/ آذار 2011.
ولكن، من الذي روّج، متعمّدا، أن هناك نية لإلغاء مادة الشريعة من الدستور؟ ومن الذي قرّر تحويلها إلى معركةٍ بين فسطاطي وفسطاط الكفر؟ ومن الذي تعمّد خلط الأمور، لكي يكون استفتاء مارس استفتاءً على الشريعة الإسلامية وشرعية المجلس العسكري في الوقت نفسه؟ ولماذا تحوّلت حالة التوافق قبل الثورة والحالة المثالية للميدان في أثناء الثورة إلى كل تلك الكراهية، وتلك الرغبة في القضاء على الآخر، وكل ما شاهدناه في عامي 2012 و2013؟ هل تعلمنا شيئا بعد مرور كل تلك السنوات؟ هل أصبحت لدينا تعريفات وتصورات متقاربة بشأن تلك القضايا التي فرّقتنا؟ هل وصلنا إلى الحد الأدنى لمبادئ العيش المشترك؟
خطيئة الإسلاميين هي استعجال الوصول إلى السلطة بأي ثمن، واعتبار الربيع العربي فرصة لن تتكرّر، ولذلك كانت هناك ممارسات الإقصاء والاستحواذ، ولكن هل كانوا وحدهم من أخطأ وكان الباقي ملائكة؟ ألم يكن الخطاب شديد الراديكالية الذي أطلقته القوى الثورية في معظم الوقت بعد الثورة به بعض المراهقة؟ ألم يمكن ترشيد تلك الراديكالية المفرطة والسماح لآليات التفاوض بهدف حماية الأرواح؟ هل كان تشجيع بعضهم أو صمتهم عن عنف بعض المراهقين وافتعال بعض الاشتباكات، ظنا منهم أن هذا هو الطريق الذي سيزيح العسكر ويعيد الحق، فما كانت النتيجة إلا سقوط مزيد من الشهداء وقتها، وزيادة نفور الجمهور من الثورة، وإعطاء العسكر المبرّرات لاستخدام القوة الغاشمة ضد المتظاهرين.
وهل استطاعت الأحزاب الليبرالية واليسارية بناء قواعد وأحزاب حقيقية، تستطيع المنافسة في 
الانتخابات، بدلا من الاعتماد على السلطة في منافسة التيار الإسلامي؟ وهل حدثت مراجعات كافية لمواقف بعض رموز وأحزاب ليبرالية ويسارية وقومية في عامي 2013 و2014 مثل الصمت أمام القمع والاستبداد وتكميم الأفواه وتجريم التظاهر السلمي وانتهاكات حقوق الإنسان، ألم يكن ذلك متعارضا مع أفكار الليبرالية وقيمها والعدل والحق؟
هل يمكن أن نسمع في يوم عن مراجعات داخل التيار الإسلامي بشكل عام حول فكرة الحاكمية؟ هل يمكن التخلي يوما عن حلم الخلافة، واعتباره مجرّد نظام للحكم وإدارة الدولة كان مناسبا منذ 1400 سنة. ولكن ربما لم يعد مناسبا بعد اندثار الإمبراطوريات الدينية، وظهور فكرة الدولة القومية؟ هل يمكن التراجع عن فكرة فرض المنظور الإسلاموي على الدولة ونظام الحكم، وفرض تفسيرات للنصوص تدعم وجهة النظر السياسية؟ ومتى تظهر مراجعات جادة تحترم الآخر وتحترم الاختلاف، وتحترم فكرة الدولة المدنية التي تشمل المسلم والمسيحي والمتدين وغير المتدين، في وطنٍ واحدٍ يحكمه دستور محايد وقانون عادل، الكل متساوون في الحقوق والواجبات؟
كانت الثورة حلماً جميلا لجعل مصر في حالٍ أفضل، ولكن الواقع كان أقوى وأشدّ، وكذلك تغيير ذلك الواقع وتلك العادات والسلوكيات المتراكمة لدى شعوبنا منذ عشرات أو مئات السنين. بالتأكيد لن يحدث التغيير بين ليلة وضحاها، واكتشفنا بالتجربة العملية أن استبدال رأس السلطة ليس هو 
الحل الوحيد، فتغيير طباع وعادات شعبية راسخة، لا يمكن تحقيقه بضغطة زر أو تغيير شخص أو تعديل شكلي للدستور الدستور. وإذا كانت لا تزال هناك فرصة ما مرّة أخرى فلن تنجح قبل الاتفاق على صيغة التعايش المشترك وإدارة الخلافات بشكل سلمي متحضر، مهما كانت درجة العداء والاختلاف.
ولذلك أتعجّب من دعوات عشوائية للنزول والتظاهر يوم 25 يناير/ كانون الثاني، فقد فشلت محاولات إزاحة السلطة العسكرية بعد 3 يوليو/ تموز 2013، على الرغم من كل ذلك العدد من الشهداء والسجناء، وعلى الرغم من أن تلك السلطة كانت وقتها أضعف بعشرات المرّات من الآن، حيث الاعتراف الدولي، والدعم المفتوح من قوى إقليمية ودولية عديدة، فما بالك بدعوات عشوائية غير منظّمة. وفي حال تحقق المستحيل، ونجحت تلك الدعوات في إحداث شيءٍ ما، ستتكرر خطايا وصراعات ما بعد ثورة يناير نفسها، فلم يتعلم أحد من الدرس، ولا يزال الأساس النظري والفكري غائبا، ولا يزال الحل التوافقي بعيد المنال، وبعيدا عن ثقافتنا.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017