22 ابريل 2021
ثورة العراق السلمية
لم يكن اليوم الأول من شهر تشرين كغيره من الأيام، فقد تجمهر الناس منذ صباحه الباكر استعداداً لتظاهرة منددة بالفساد وسوء الخدمات في دولة يفخر أبناؤها بنفطها الوفير وخصبها الدثير.
في ساحة التحرير الشهيرة على جانب الرصافة، وسط بغداد، "سلمية.. سلمية"، هكذا رددها المتظاهرون تعبيراً عن ثورتهم، تخنقهم العبرة لما حل بالبلاد بعد أكثر من ستة عشر عاماً على تشكيل الحكومة التي تتناوب ذات الشخوص على مناصبها منذ ذلك التاريخ، فلم تسجل شاشات التلفاز غير قلة من الوجوه الجديدة.
في ساحة التحرير الشهيرة على جانب الرصافة، وسط بغداد، "سلمية.. سلمية"، هكذا رددها المتظاهرون تعبيراً عن ثورتهم، تخنقهم العبرة لما حل بالبلاد بعد أكثر من ستة عشر عاماً على تشكيل الحكومة التي تتناوب ذات الشخوص على مناصبها منذ ذلك التاريخ، فلم تسجل شاشات التلفاز غير قلة من الوجوه الجديدة.
الدوافع
انطلقت الدعوة للتظاهرات على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، تنديداً بكيفية تعامل القوات الأمنية مع حملة الشهادات العليا المعتصمين لأكثر من شهر أمام مبنى وزارة التعليم العالي في بغداد، حيث استخدمت القوة المفرطة لفض التظاهرات وسجلت العديد من الإصابات، إضافة لسوء الخدمات المقدمة للشعب، حيث يستمر مسلسل انقطاع التيار الكهربائي، وتلوث مياه الشرب، وانتشار البطالة بين أوساط الخريجين، إضافة للوضع الأمني المتذبذب وانتشار عصابات الخطف والسرقة.
كل ذلك يندرج تحت خانة الفساد المستشري في البلاد، حيث تزداد صادرات العراق النفطية سنوياً، ويوازيها إهمال تطوير البنية التحتية للبلاد، وتربح أعضاء البرلمان على حساب الشعب من غير أن يقدموا أي حلول وطنية لناخبيهم، سوى مشاريع لم ترَ النور حتى اليوم، وتقاسم المناصب السيادية وفق نظام المحاصصة الطائفية، وسط تراشق الاتهامات والتسقيط السياسي، يرافقها اختفاء مليارات الدولارات من أموال الشعب، ثم تشكل لجان تحقيقية من داخل الحكومة لتقصي الحقائق وبرواتب خيالية من خارج إطار الموازنة المالية، لتخرج بنتائج واهية لا جدوى منها، أو تجهض نتائج التحقيق في بعض الأحيان بقدرة المتسلطين.
الأحداث
منذ اليوم الأول حاولت قوة أمنية فض المظاهرة باستخدام الغازات الدخانية والمسيلة للدموع، كما تم استخدام الرصاص الحي وقنص عدد من المدنيين العزل، حيث خلفت التظاهرة في أيامها العشرة الأولى أكثر من 140 شهيدا وما يقارب ألفي مصاب، توقفت التظاهرة لأقل من أسبوعين، احتراماً لشعائر أربعينة الإمام الحسين عليه السلام، لتعود في الـ25 من الشهر ذاته، بعزيمة وإصرار ولتستمر حتى اليوم بالتأجج، حيث شاركت فيها مختلف فئات الشعب العراقي نابذة الفروقات الطائفية والطبقية ومرددة الشعار ذاته "نريد وطنا"، في حالة لم يسبق لها وجود في الشارع العراقي.
تم إغلاق مداخل ساحة التحرير ونصب الخيم الطبية والإمدادات والتي يتم تزويدها بالمستلزمات من التبرعات المستمرة لمختلف أبناء الشعب، إضافة إلى المنظمات الإنسانية والحقوقية والإعلامية.
كما تمت السيطرة على مبنى المطعم التركي، وهو عبارة عن بناء تم البدء بتشييده في ثمانينيات القرن الماضي، وتوقف العمل عليه أثناء حرب الخليج الثانية، فبقي على حاله كهيكل مهمل، اتخذه القناصون مركزا لهم في التظاهرة الأولى، وأدت هذه الخطوة لاستشهاد عدد من المواطنين، لذلك تم احتلاله في تظاهرة 25 تشرين لمنع هذه الحالة، وتمت تسميته بـ"جبل أحد"، دلالة على الصمود داخله كمفتاح في سبيل تحقيق المطالب السلمية.
وبرزت أيضاً في هذه التظاهرات "عجلات التوك توك" كوسيلة لإسعاف المرضى ونقل المساعدات لتمييزها بسهولة وسرعة الحركة وسط الزحامات، هذه العربة التي لاقت انتقاداً شديداً من المجتمع العراقي سابقاً لما تسببه من فوضى وإعاقة للطرق، قد أصبحت رمزاً شعبياً للبطولة والنخوة العراقية، حيث يعاني معظم سائقيها من الفقر المدقع، ولكنهم مستمرون بخدمة المتظاهرين مجاناً في سبيل القضية السلمية.
نتج عن التظاهرة الثانية استشهاد أكثر من 100 مواطن، ولم نخرج بعدد دقيق لحصيلة المصابين، إلا أن هناك اعتقادا بتجاوزهم 5 آلاف مصاب، كما استخدمت قنابل الغازات بشكل خاطئ، وأدت الى استشهاد وإصابة العديدين.
ضرب المتظاهرون أروع الصور في الصمود والإصرار، مع التأكيد على أن مطالب المتظاهرين السلميين بحقوقهم الشرعية حق تكفله القوانين الدولية والدستور العراقي، رغم ذلك فإن التراجيديا لا تزال مستمرة، كما لا يزال الحزن على شهداء "السلمية" وثاكليهم مستمر.
هي سلمية وأملنا أن تتحقق المطالب لنضيء شموع الحرية لأرواح المضحين في سبيلها.