أصرّت ضيفتنا على رأيها، وراهنَتْ أن ذلك الممثل التركي يتحدث العربية. انتظرتْ انتهاء شارة المسلسل التركي، غير المدبلجة، وهي تؤكد: تسخرون مني؟ سترون الآن، إنه يتحدث العربية.
حاولت أختي أن تشرح لها:
ـ هذه النسخة التركية غير المدبلجة.
ـ أعرف أعرف، إنه تركي، ولكنه يتحدث العربية.
انتهت شارة المسلسل، وراح بطلها الذي تتابعه في سورية يتحدث بلغة أخرى، توقفت مذهولة، وراحت تحتج:
ـ كيف هذا؟ إنه يتحدث العربية عندنا!
لأسهّل عليها الأمر، إذ يصعب عليها تفهم معنى الدبلجة، قلت لها:
ـ حين يأتي إلى سورية يتحدث العربية، ولكنه في تركيا يحكي بلغة أهل البلد.
هزت رأسها مقتنعة قليلاً، إذ إنها لم تتخيل بأن "مراد" لا يتكلم العربية.
قالت لصديقنا التركي:
ـ هذا مراد، قبضاي، أنا بحبّه، في سورية كنا نتابعه، قبل انقطاع الكهرباء الدائم...
ـ هو عندكم مراد، لكنه بولات! قال لها التركي، فعبست بوجهه.
كان من المحال أيضاً أن تتقبل أن لمراد اسماً آخر في تركيا، فتابعت حديثها عن أجواء حلب، وكيف قطعت الحرب متابعة المسلسلات:
ـ حين تأتي الكهرباء لساعة أو ساعتين في اليوم، أو تغيب أحياناً لأسابيع، نهرع لتشغيل غسالة الكهرباء، أو شحن الهواتف، لا يكون لدينا الوقت للتلفزيون، نحن لا نشاهد التلفزيون في حارتي. رغم سعادتها وانبهارها اللذين راحت تعبر عنهما من وقت لآخر، بأن الكهرباء هنا لا تنقطع، إلا أنها كانت تُلقي النظر على المسلسل التركي غير المدبلج، وتحاول الاستمتاع بالكهرباء وترف التلفزيون، ونوبات حنينها إلى الدراما التركية. أما صاحبة البيت التي تعيش في تركيا، والتي جرى الحديث لديها، فراحت تشرح لي بدهشة، كيف تتابع المسلسل الذي تركته في سورية، بنسخته التركية هنا. تأتي جارتها التركية، التي تتفاهم معها بالإشارات وبعض الكلمات التي تقتنصها من العربية المشتركة والكردية، فتتحاوران في مصير الأبطال الذين تتابع كل منهما أحداث حياتهم بلغة مختلفة. تقول ليلى السورية:
ـ أسأل جارتي ونحن نشاهد المسلسل التركي معاً، عما قاله البطل للبطلة، لأتأكد فيما لو كان ما نراه صحيحاً من حيث الترجمة، كنا نتابع المسلسل، وتعرف كل منا قصته كاملة، أحاول متابعة المسلسل بالتركية، لأعرف ماذا حلّ بفاطمة!
أما أمي، وما إن وصلت إلى مدينة أورفا التركية، حتى همست لي حين سألتها وأنا ذاهبة للتسوق، عما تريد أن أشتري لها: بدي مثل ثوب فاطمة. لم أعرف شكل الثوب الذي تريده أمي. جلتُ أسواق أورفا القديمة، مع أختي التي تشاهد مسلسل فاطمة، بحثاً عن الثوب، وبغتة رأينا سيدة ترتدي ثوباً طويلاً. قالت أختي: أمي تريد مثله. هرعت نحو السيدة وحدثتها بالتركية التي أعرف منها ثلاث أو أربع كلمات، أمسكت بثوبها، وقلت لها: من أين؟ فسحبت السيدة ثوبها من يدي وأسرعت خائفة وهي تقول: هذا لي، هذا لي. يبدو أنها ظنت أنني أريد ثوبها!
نجحت في نهاية التسوق، وعثرت على ثوب فاطمة، لترتديه أمي، وتحلم أنها دخلت الدراما التركية، وصارت جزءاً من الحياة المدبلجة الساحرة، التي يقفز نجومها بيننا ليل نهار: مهند وعاصي ومراد وفاطمة ولميا وغزل وأسمرويحيى ولميس و.. واللائحة تطول.