13 فبراير 2022
ثلاثون عاماً على تنظيم القاعدة
أكثر من ثلاثين عاماً مرت على وضع أولى لبنات تنظيم القاعدة عام 1988، بعد الخلاف الشهير الذي وقع بين أسامة بن لادن (ورفقائه المصريين) وعبد الله عزام، أبي المجاهدين العرب في أفغانستان طوال الثمانينيات من القرن المنصرم. في حين مرّت عشرون عاماً على قيام "الجبهة الإسلامية العالمية لمقاتلة اليهود والنصارى" التي أعلن عن قيامها في 22 من فبراير/ شباط 1998. ومنذ ذلك الوقت، مرّ التنظيم بتحولات عديدة، ليس أقلها إعلانه الحرب على الولايات المتحدة في "11 سبتمبر" في 2001، وما أفضت إليه من نتائج كارثية، كانت إحدى ثمارها إنهاء الطبيعة الكلاسيكية للتنظيم، باعتباره بناء هيراركيا شبكياً، يستطيع تسيير وحداته والسيطرة على عملياتها مادياً ولوجستياً، كي يصبح مجرّد "وعاء" فكري، يلتحف به كل من يرغب في إحياء "الفريضة الغائبة". فمن محاربة الاحتلال السوفييتي في أفغانستان طوال الثمانينيات إلى الدفاع عن المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها من خلال "جيش القاعدة" الذي أسسه بن لادن وأبو عبيد البنشيري (محمد أمين الرشيدي) وأبو حفص المصري (محمد عاطف)، وقع التحول الأول في مسيرة تنظيم القاعدة بتدشين "الجبهة الإسلامية لمقاتلة اليهود والنصارى" عام 1998، وتحوّلت الاستراتيجية "الوقائية" (حالة الجهاد الأفغاني) إلى أخرى "استباقية – هجومية" على غرار ما حدث في واشنطن ونيويورك عام 2001، ومن قبلهما في دار السلام ونيروبي في أغسطس/ آب 1998.
ووقع تحول "ثانٍ" في مسيرة تنظيم القاعدة، حين "اختطفت" المشروع الجهادي للتنظيم
تنظيمات صغيرة، حصلت على "صك التسجيل القاعدي" خلال الأعوام الأخيرة، وسعت بكل جد إلى الحلول محله، وأشهرها تنظيم داعش. وهي التنظيمات التي باتت أكثر تطرّفاً وانحرافاً من التنظيم "الأم"، وتبدو كأنها تقف على يمينه (يمين اليمين). في حين يقوم بعضها بتغيير أهداف التنظيم "الأصلي" واستراتيجياته، وإعادة تركيبها، لكي تلائم مشروعه "الخاص"، على غرار ما يحدث في العراق والجزائر. ولربما يصبح تنظيم القاعدة بالنسبة لهؤلاء مجرّد مرحلة "جهادية" يجب تجاوزها من أجل تحقيق الحلم الأكبر في إقامة دولة الخلافة الإسلامية، و"سحق قوى الإمبريالية والصهيونية".
وفي هذا الإطار، يمكن رصد عدة ملامح أساسية لهذه التنظيمات، أولها يتعلق بالهدف الذي تسعي إليه، وهو الذي تحوّل من مقاتلة اليهود والنصارى "أينما وجدوا"، في حالة تنظيم القاعدة، إلى محاولة إقامة "الدولة الإسلامية" بأي ثمن، حتى وإن كان من خلال قتل غيرهم من المسلمين، على غرار ما سعى إليه تنظيم القاعدة في العراق الذي تحوّل، بعد اغتيال أبو مصعب الزرقاوي، من مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق إلى السعي، بكل جهد، إلى إقامة "دولة العراق الإسلامية"، ودخل في مواجهات مسلحة مع غيره من فصائل المقاومة العراقية، فضلاً عن العشائر والقبائل السنية التي احتضنته في البداية، ووفرت له المأوى والدعم. كما شن حرباً ضروساً ضد ما سميت "مجالس الصحوة" في العراق.
يتعلق ثانيها بالأدوات والاستراتيجيات التي تلجأ إليها هذه التنظيمات، والتي فاقت حدود الخيال، ونضجت طوال السنوات الماضية، وأهمها الانتقال من حروب العصابات إلى منطق السيطرة على الأرض، واحتلال مساحات شاسعة وفق منطق "إمارة التغلب والاستيلاء" التي استخدمها، ولا يزال، تنظيم داعش. والأكثر من ذلك لجوء بعض هذه التنظيمات إلى تجنيد أوروبيين منتمين حديثاً إلى الإسلام، ودفعهم إلى تفجير أنفسهم، على غرار ما يقوم به "داعش".
ثالثها، يتعلق بالمرجعية الفكرية والفقهية لهذه التنظيمات الجديدة. وهنا يمكن القول إنها جميعاً تعاني فقراً شديداً في التوجيه التنظيري، وتعتمد فحسب على حسّها العقائدي والأيديولوجي المخلوط بالواقع السياسي، محرّضا ومحرّكا على المضي في المشروع الجهادي "العالمي". والأدهى أن معظم الملتحقين حديثاً بهذه التنظيمات إما من أرباب السوابق والمجرمين الذين لا يحظون بقدر معرفي أو تعليمي معتبر (الجزائر والمغرب) أو من التائبين الذين عادوا إلى ممارسة العنف الديني، بشكلٍ أكثر ضراوة (السعودية والجزائر)، أو الشباب الأوروبي المسلم من أبناء الجيل الثالث الذين دبروا تفجيرات باريس وبروكسل خلال العامين الأخيرين. وذلك على عكس الذين التحقوا بالجهاد الأفغاني في الثمانينيات، ثم شكلوا النواة الصلبة لتنظيم القاعدة.
وليس غريباً، والحال كهذه، أن يدخل بعض هذه التنظيمات في حالة احترابٍ داخليٍّ، على غرار ما حدث بين جبهة النصرة و"داعش" في سورية، وما حدث أيضا في الجزائر، حين انتشرت أعمال التصفية الجسدية لكل من حاول الخروج على زعيم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، عبد المالك دوردكال (أبو مصعب عبد الودود)، أو من يلقي السلاح، كما كانت الحال مع حسن حطاب ومختار بلمختار ومصطفى كرطالي.
وإذا كانت الحالة الجهادية تمر بمنعطف جذري كل عقد تقربياً، فقد نشهد في المستقبل القريب تحولاً جديداً في مسيرة الحركات الجهادية، قد يعبّر عن نفسه في قيام تنظيمات أصولية أكثر يمينيةً وتشدداً من "داعش"، خصوصا في ظل انسداد أفق التغيير السلمي في العالم العربي.
ووقع تحول "ثانٍ" في مسيرة تنظيم القاعدة، حين "اختطفت" المشروع الجهادي للتنظيم
وفي هذا الإطار، يمكن رصد عدة ملامح أساسية لهذه التنظيمات، أولها يتعلق بالهدف الذي تسعي إليه، وهو الذي تحوّل من مقاتلة اليهود والنصارى "أينما وجدوا"، في حالة تنظيم القاعدة، إلى محاولة إقامة "الدولة الإسلامية" بأي ثمن، حتى وإن كان من خلال قتل غيرهم من المسلمين، على غرار ما سعى إليه تنظيم القاعدة في العراق الذي تحوّل، بعد اغتيال أبو مصعب الزرقاوي، من مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق إلى السعي، بكل جهد، إلى إقامة "دولة العراق الإسلامية"، ودخل في مواجهات مسلحة مع غيره من فصائل المقاومة العراقية، فضلاً عن العشائر والقبائل السنية التي احتضنته في البداية، ووفرت له المأوى والدعم. كما شن حرباً ضروساً ضد ما سميت "مجالس الصحوة" في العراق.
يتعلق ثانيها بالأدوات والاستراتيجيات التي تلجأ إليها هذه التنظيمات، والتي فاقت حدود الخيال، ونضجت طوال السنوات الماضية، وأهمها الانتقال من حروب العصابات إلى منطق السيطرة على الأرض، واحتلال مساحات شاسعة وفق منطق "إمارة التغلب والاستيلاء" التي استخدمها، ولا يزال، تنظيم داعش. والأكثر من ذلك لجوء بعض هذه التنظيمات إلى تجنيد أوروبيين منتمين حديثاً إلى الإسلام، ودفعهم إلى تفجير أنفسهم، على غرار ما يقوم به "داعش".
ثالثها، يتعلق بالمرجعية الفكرية والفقهية لهذه التنظيمات الجديدة. وهنا يمكن القول إنها جميعاً تعاني فقراً شديداً في التوجيه التنظيري، وتعتمد فحسب على حسّها العقائدي والأيديولوجي المخلوط بالواقع السياسي، محرّضا ومحرّكا على المضي في المشروع الجهادي "العالمي". والأدهى أن معظم الملتحقين حديثاً بهذه التنظيمات إما من أرباب السوابق والمجرمين الذين لا يحظون بقدر معرفي أو تعليمي معتبر (الجزائر والمغرب) أو من التائبين الذين عادوا إلى ممارسة العنف الديني، بشكلٍ أكثر ضراوة (السعودية والجزائر)، أو الشباب الأوروبي المسلم من أبناء الجيل الثالث الذين دبروا تفجيرات باريس وبروكسل خلال العامين الأخيرين. وذلك على عكس الذين التحقوا بالجهاد الأفغاني في الثمانينيات، ثم شكلوا النواة الصلبة لتنظيم القاعدة.
وليس غريباً، والحال كهذه، أن يدخل بعض هذه التنظيمات في حالة احترابٍ داخليٍّ، على غرار ما حدث بين جبهة النصرة و"داعش" في سورية، وما حدث أيضا في الجزائر، حين انتشرت أعمال التصفية الجسدية لكل من حاول الخروج على زعيم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، عبد المالك دوردكال (أبو مصعب عبد الودود)، أو من يلقي السلاح، كما كانت الحال مع حسن حطاب ومختار بلمختار ومصطفى كرطالي.
وإذا كانت الحالة الجهادية تمر بمنعطف جذري كل عقد تقربياً، فقد نشهد في المستقبل القريب تحولاً جديداً في مسيرة الحركات الجهادية، قد يعبّر عن نفسه في قيام تنظيمات أصولية أكثر يمينيةً وتشدداً من "داعش"، خصوصا في ظل انسداد أفق التغيير السلمي في العالم العربي.