ثلاثة أرباع الساعة

24 سبتمبر 2015
عبد الكريم مجدل بيك / سورية
+ الخط -

يَهربُ الصباحُ من نافذتي حينَ أُعلنُ يقظتي بعيداً عنك، فأعودُ إلى حلمي أُلقي به يوماً لا صباحَ فيه. ستعودينَ ذاتَ صدفةٍ كما أتيت أوّلَ مرة، وسيتَّسِعُ وقتي حينَها لأجلسَ معك وأخيطَ ما سَقَطَ من الحكاياتِ على صدرِ المساء، سأطرّزُ عليه أزرارَ قميصِك، تلك التي انسلَّت في الليلةِ الفائتةِ وأرخَت نفسَها على حلمٍ مكشوفِ الأطراف.

ثلاثةُ أرباعِ الساعةِ لحلمٍ لا يكتملُ إلا بحضورك، وربعٌ وحيدٌ للكتابة، وما زلت أفتقدكُ كما تَفتقدُ الأرصفةُ خطى القادمينَ والمغادرينَ في المدينةِ المهجورة. 
وأنا ما زلت طفلاً تعلّمَ الحبَ باكراً في المخيم، وما زالت انطباعاتُه عن الحياةِ كانطباعاتِ ولدٍ عاقلٍ فَقَدَ الصيفَ مع أولى زخّاتِ المطرِ، تلك التي بلَّلت بالذكرياتِ غيابَه، طفلاً لم يرك تستيقظينَ من النومِ، فظلّت حكايتُه منقوصةَ الخاتمة، وهكذا انفردَ الشتاءُ به، ويا إلهي كم يكرَهُ الأطفالُ الشتاء.

أجلسُ في "مساءٍ" هادئٍ كلَّ صباح، أُتابعُ الثلجَ يعلو إفريزَ النافذة، يُشتِّتُ الغرفةَ الصامتة، يُلوّثُ جدرانَ الصورِ العتيقة، يزيلُ رائحةَ السجائر، يُبعثرُ كتباً لا يحتاجُها أحدٌ في زمنِ "المخدرات الالكترونية"، وأنا أجلسُ في الربعِ المتبقّي من الساعةِ الفائتةِ، أقرأُ عن أولئكَ الذين قُتلوا غداً في شوارعِ أكلتني يوماً ومنحتُها غياباً يكفي موتَها الشاعريَ الذي يحصلُ الآن.

هل أزعجك ضجيجُ نيرانِ أعوادِ الثقابِ في منزلي، هل تجرّأت ذكرياتي على المِساسِ بما تملكينَ من واقع، هل تُثيركُ الستائرُ بوهجِها الداكن أم أنك لا تُعيرينَ للمكانِ انتباها.

ربعُ ساعةٍ ستكفي كي أمدحَ غيابك الثقيلَ عن مكوناتي، وقد شرحتُ لك يوماً أنّ ما يُغيّرُ حياتَنا، غالباً ما يَحصلُ في لحظةٍ عابرةٍ، والحبُ الذي يأتي مساءً سيُغادرُ عندَ الفجرِ مسرعاً مع الوضوءِ ليلحقَ بصلاتِه قبلَ أنْ يقعَ في إثمِ المحرمات.


وأنا لا أملكُ الكثيرَ لأقولَه عن الحبّ سوى أنه ككلِ شيء في حياتِنا إلا أنه مختلف، ربما هو أكثرُ وهجاً من مصباحِ شرفة، أو أطولُ روحاً من قبضةِ نعناع، الحب هو أنْ نعيدَ الساعةَ للوراءِ "ساعةً كلّ ساعة" دونَ أنْ نُعيرَ انتباهاً لشتائمِ الجيرانِ ودوراتِ القمر.

لست عاشقاً لكنني أحبّك، وفي أحدِ الصباحاتِ ستتكاثرُ القصصُ والأزرارُ وسيُغطّي الثلجُ حوافَّ النوافذِ المغلقة، عندَها فقط سأخرج، سأخرجُ ملءَ برودتي، لأضعَ خاتمةً لهذا الفراغ،ِ وأستمتِعَ بشمسٍ قد غابت منذُ ثلاثةِ أرباعِ الساعة.


* شاعر فلسطيني مقيم في موسكو


اقرأ أيضاً: أهل خطفهم غوغل إيرث

المساهمون