ثروات الشمال السوري تُغري الأكراد للانفصال بثلاثية النفط-القمح-القطن

18 مارس 2016
المنطقة معروفة بأنها مصدار النفط والقمح والقطن(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
تتعدّد هواجس السوريين اليوم. فبالإضافة إلى الحرب القائمة، والمفاوضات السياسية الجارية والمجهولة المصير، يأتي إعلان الإدارة الذاتية الكردية، يوم الخميس، عن إقرار ممثلي مكوّناتها، "وثيقة تضع الأسس لتشكيل حكومة إقليم فيدرالي اتحادية في مناطق سيطرتها شمال سورية"، ليراكم خوفهم من تحقيق هذا المشروع، لما لهذه المنطقة من أهمية على الصعيد الزراعي والنفطي، والاستراتيجي، وحتى التنوّع السكاني والمساحة. ويبقى القلق الأكبر، من أن يكون بداية لتقسيم سورية كاملة.

وتمتد هذه المناطق على الجانب السوري من الحدود السورية ـ التركية المشتركة من نهر دجلة شرقاً حتى نهر الفرات غرباً، بطول يقارب 550 كيلومتراً، وعمق داخل الأراضي السورية يتراوح بين مائة وعشرة كيلومترات في محافظة الحسكة، وثلاثين كيلومتراً في ريف الرقة الشمالي بمنطقة تل أبيض. وتسيطر القوات الكردية المعروفة باسم "حماية الشعب"، والتي تتبع للإدارة الذاتية التي أعلنت "الإقليم الفيدرالي" بالإضافة إلى هذه المناطق، على منطقة عفرين شمال غرب حلب التي تتاخم الحدود التركية بعرض ثلاثين كيلومتراً، وبعمق يتراوح بين ثلاثين وأربعين كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

وتقع الأراضي المذكورة في يد قوات حماية الشعب الكردية، وكانت مقسّمة وفق نظام الإدارة الذاتية الكردية على ثلاث مناطق هي: الجزيرة والتي باتت تشمل، أخيراً، معظم محافظة الحسكة، ومنطقة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشرقي، ومدينة تل أبيض وريفها في ريف الرقة الشمالي، ومنطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي. إلّا أن الإدارة الذاتية سمّت في مشروعها للإقليم الفيدرالي ممثلين عن منطقة أطلق عليها المشروع اسم "شمال حلب"، وهي المنطقة الممتدة من حدود مناطق سيطرة القوات الكردية في عفرين غرباً حتى نهر الفرات شرقاً.

وتنقسم السيطرة على هذه المنطقة حالياً بين ثلاثة أطراف. تسيطر القوات الكردية على مدينة تل رفعت، وبلدات منغ، وكفرنايا، ونحو ثلاثين قرية محيطة بها. فيما تسيطر المعارضة السورية على مدينتَي أعزاز، ومارع، وعلى نحو ثلاثين قرية أخرى في محيطهما، في الوقت الذي يحتفظ فيه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بالسيطرة على مدن جرابلس، والباب، ومنبج وأريافها في ريف حلب الشمالي الشرقي.

ويشير ضمّ الإدارة الذاتية الكردية لهذه المناطق في مشروع الإقليم الفيدرالي إلى سعي هذا المشروع إلى التمدد على هذه المناطق بهدف السيطرة عليها، ووصل مناطق سيطرة القوات الكردية في عين العرب بمناطق سيطرتها في عفرين. وفي حال تم ذلك، ستصبح ثروات سورية المائية بيد حكومة الإقليم الذي تعتزم الإدارة الذاتية تشكيله. فالقوات الكردية تسيطر حالياً على أهم الممرات المائية السورية فعلاً، وهي: نهر الخابور وروافده الثلاثة الكبيرة في ريف الحسكة، والذي يحيط به وادي الخابور الذي تبلغ مساحة الأراضي الخصبة فيه نحو 4 ملايين فدان. وكانت هذه الأراضي تعتبر خزان سورية الزراعي الذي يزوّدها بالقمح والقطن الذي يعتبر من بين الأكثر جودة عالمياً.

وسيطرت القوات الكردية مطلع الشهر الماضي على سدّ الباسل عند نهر الخابور، قرب مدينة الشدادي بريف الحسكة. كما تسيطر القوات الكردية على نهر البليخ الواقع في ريف الرقة الشمالي منذ سيطرتها على تل أبيض في شهر يونيو/حزيران الماضي. وهي (القوات الكردية) بانتظار عبور نهر الفرات نحو ضفته الغربية لتسيطر على النهر من الجانبَين. علماً أنّ هذه القوات سيطرت بدعم طيران التحالف الدولي قبل نهاية العام الماضي على سد تشرين الذي يعتبر ثاني أكبر السدود في سورية، ويحجز خلفه بحيرة تبلغ سعتها التخزينية نحو مليارَي متر مكعب من المياه.

اقرأ أيضاً: الفيدرالية الكردية السورية... خطوة للتوسّع والانفصال حيث فشل بتركيا

وبالإضافة إلى خزان سورية المائي، تقع معظم ثروة سورية النفطية في المناطق التي تسعى الإدارة الكردية إلى تحويلها لإقليم منفصل. وبلغ إنتاج سورية من النفط عام 2010 ما يزيد على 385 ألف برميل يومياً، بحسب التقرير الإحصائي السنوي للطاقة العالمية الذي تصدره دورياً شركة "بي بي" المعنية بشؤون الطاقة. ويتوزع إنتاج النفط في سورية على ثلاث مناطق رئيسية. الأولى في محافظة الحسكة (شمال شرق)، والتي كانت الحقول النفطية فيها تنتج ما يزيد على 220 ألف برميل يومياً من النفط الثقيل. والثانية في محافظة دير الزور (شرق)، والتي كانت تنتج نحو 140 ألف برميل يومياً معظمها من النفط الخفيف. فيما يتوزع باقي الإنتاج السوري على حقول صغيرة موجودة في ريفَي حمص وحماة الشرقيَّين تنتج بمجموعها نحو 15 ألف برميل يومياً فقط.

وتقع المنطقة الأولى التي تحوي نحو 70 في المائة من نفط سورية حالياً تحت يد الإدارة الذاتية الكردية، وهي تضم حقول الرميلان، والسويدية أقصى شرق محافظة الحسكة؛ والتي يبلغ مجموع آبارها 1322 بئراً، بينها مجموع حقول السويدية التي كان يطلق عليها لقب "درّة الحقول السورية"، بسبب وصول حجم إنتاجها وحدها عام 2010 لنحو 112 ألف برميل نفط يومياً.

أما على مستوى التركيب الديموغرافي للمنطقة التي تعتزم الإدارة الذاتية الكردية تشكيل إقليم فيدرالي فيها، فلا توجد إحصاءات رسمية لعدد السكان وفق انتماءاتهم القومية أو الطائفية في المنطقة. ويثير هذا الموضوع جدلاً كبيراً بين الأطراف السياسية المحلية الكردية والعربية. وزاد الوضع تعقيداً الاتهامات الكثيرة التي طاولت قوات "حماية الشعب" الكردية من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية أهمها، منظمة العفو الدولية بالقيام بعمليات تهجير للسكان العرب في ريف الحسكة مع تقدم هذه القوات على حساب "داعش".

إلّا أن مركز "الشرق العربي" للدراسات الاستراتيجية والحضارية، نشر عام 2013 دراسة تفصيلية تتناول التنوع السكاني في محافظة الحسكة السورية. وخلصت الدراسة إلى أن العدد الكلي للقرى العربية في المحافظة 1161 قرية. وتشكل 67.62 في المائة من إجمالي القرى. ويبلغ عدد الكلي للقرى الكردية في المحافظة 453 قرية. وتشكل 26.38 في المائة من إجمالي القرى.

ويبلغ العدد الكلي للقرى الآشورية السريانية 50 قرية، وتشكل 2.91 في المائة من إجمالي القرى، وعدد القرى المختلطة (عربية كردية)، 48 قرية، وتشكّل 2.79 في المائة من إجمالي القرى، وعدد القرى المختلطة (عربية سريانية)، 3 قرى، وتشكّل 0.17 في المائة من إجمالي القرى، وعدد القرى المختلطة (سريانية كردية)، 2 قرية، وتشكل 0.12 في المائة من إجمالي القرى.

أما في ريف الرقة الشمالي، وتحديداً مناطق تل أبيض، وسلوك، وعين عيسى، فهذه المناطق كانت تتمتع بغالبية عربية كبيرة تصل إلى نسبة 80 في المائة قبل أن يتعرض السكان هناك لعمليات تهجير إلى الأراضي التركية بعد سيطرة القوات الكردية عليها صيف العام الماضي. وتبقى منطقتا عين العرب وعفرين تتمتعان بغالبية كردية كبيرة جداً.

اقرأ أيضاً: "فيدرالية شمال سورية"... مناورة كردية أو بداية تقسيم؟

المساهمون