ثرثرة على ضفاف الانتفاضة

22 أكتوبر 2015
+ الخط -
ينقسم الرأي العام الأمني والعسكري في "إسرائيل" حيال الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، من قطاع غزة جنوبا إلى الطيبة وأم الفحم وسخنين شمالا، مرورا بكل مدن ومخيمات وأحياء الضفة والقدس، إلى قسمين: قسم يرى بعيني إرييل شارون، ويطبقون نظريته أنّ لا حلاً هادئا ومنطقيًا لـ "الإنتفاضة" الجارية منذ نحو ثلاثة أسابيع، وأنه لا يمكن إيقافها إلّا بالقوة، وبكثير من القوة، ويتبنى هذا الرأي كل أنصار اليمين ويمين الوسط في الكيان. وقسم آخر يؤيد هذه النظرية، لكنه، ومن منطلق المعارضة البحتة، يحمّل رجل الأمن، بنيامين نتنياهو، مسؤولية التدهور الأمني الذي وصل بالمجتمع الصهيوني إلى الخوف، كل على أمنه الشخصي، غير أن هذا القسم الذي تقوده قوى اليسار يرون أنه يجب أن يصاحب القوة الباطشة قوة أخرى ناعمة، عبر استئناف المسار السياسي، والخوض، مرة أخرى، في إدارة عملية السلام العبثية.
لا تعني الآراء الصهيونية المنقسمة حيال التعامل مع الإنتفاضة الشبان والشابات حول سن العشرين ربيعا فأقل، فهم يخرجون إلى ساحات المواجهة لقتل اليهود، ليس لكونهم يهوداً، بل لأنهم محتلون مغتصبون للوطن والمقدسات.
إمكانية أنْ يقتل هؤلاء الشباب في ميادين المواجهة مع الإحتلال لا يشكل هاجساً كبيراً لدى الشباب، فيكفيهم شرفاً أن يكون من الأبطال الوطنيين الذين سيكتب التاريخ أسماءهم مدافعين عن الوطن.
كان أحد أساليب الإحتلال لإفشال الإنتفاضة السابقة، إنتفاضة الأقصى، دراسة خلفيات الشبان الذين يشكلون العمود الفقري للإنتفاضة، وإمكانية وجود ضائقة مادية، تدفعهم نحو استمرار انخراطهم في فعاليات الإنتفاضة. ومن هنا، نبعت فكرة إشاعة أجواء من الرخاء الإقتصادي كأحد أهم وسائل إنهاء الإنتفاضة.
لكن، وفي حالتنا هذه، لا يدور الحديث عن مجموعة من غريبي الأطوار، أو شبان من هوامش المجتمع، بل عن مئات آلاف الشباب الذين حظي أغلبيتهم الساحقة بنصيب وافر من التعليم، فقسم لا بأس به منهم أكاديميون، لم يدخلوا في سجلات السلطة أو سجلات العدو الأمنية، إلا أن قسماً كبيرا منهم لم يحظوا بفرصة عمل بسبب فساد السلطة وعجزها، من دون أن يكون الأمر تبريراً للاحتلال.
لذا، فإنه ليس من المتوقع أن يكون للتوصل إلى اتفاق سياسي بين الاحتلال والرئيس محمود عباس لاستئناف المفاوضات أثرا كبيرا على تهدئة فعاليات الإنتفاضة، ذلك أن المس بالحرم القدسي كان هو المفجر الحقيقي للانتفاضة، وليس وصول مسار المفاوضات إلى أحد جدران العدو المسدودة التي تحيط بالمدن والقرى الفلسطينية من كل جانب.
نجاح الإنتفاضة في إفقاد الصهاينة الأمن الذي هاجروا إلى الكيان بحثا عنه، انعكس على خروجهم من المنزل، وألحق ضرراً بالمتاجر والأسواق، أكبر بكثير مما ألحقته حرب الـ51 على غزة، على الرغم من أنه لم يمض سوى أسبوعين تقريبا على اندلاع الإنتفاضة.
لا يجد 31.4% من الشباب الفلسطيني وظائف تناسب تخصصاتهم الأكاديمية، إذ تخرج المؤسسات التعليمية 40 ألف طالب كل عام إلى سوق العمل، ويضطرون للعمل في مجالات أخرى، كالزراعة والبناء، ما يزيد شحنة الغضب في صدورهم، وستبقى هذه الكتلة البشرية المتقدة طاقة وحماسة تشكل شوكة تدمي مقلة العدو الصهيوني.
المس بالقدس والحرم القدسي، وبالحرائر الماجدات في باحات القدس وشوارعها سيبقى سبباً مركزياً لتفجر المعارك والمواجهات، ليس في القدس والضفة وغزة فقط، بل في مدن أراضي عام 48 وقراها وشوارعها، هذه الكتلة البشرية التي باتت تشكل العمق الاستراتيجي للشعب الفلسطيني، حيث يشكل استمرار انتفاضهم سحب آلاف أفراد الشرطة والجنود من شوارع القدس والضفة المحتلة وأحيائهما، الأمر الذي يشكل عبئاً إضافيا على أجهزة الأمن والجيش الصهيوني، وفي الوقت نفسه، تخفيفا من الضغط الأمني على القدس والضفة، فتنوع الجبهات واستمرار اشتعالها يوزع الجهد الصهيوني، ويقلل من فعاليتها وأثرها على إنهاء الانتفاضة المرشحة للإستمرار والتصاعد.
7B62544C-2905-4EC5-9BF3-8CE568ADF7B0
7B62544C-2905-4EC5-9BF3-8CE568ADF7B0
عماد توفيق (فلسطين)
عماد توفيق (فلسطين)