كثيرات هن السوريات اللواتي انخرطن في الثورة. تظاهرن وصرخن في وجه الظلم وصمدن. الأثمان التي دفعنها لن تجعلهن يستسلمن أبداً
انخرطت المرأة السورية في النشاط الثوري السلمي منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية قبل خمس سنوات. وعلى الرغم من المنعطفات والمخاطر ومعاناة الشعب السوري عامة والمرأة بشكل خاص، لم تنأَ بنفسها عن هذا الحراك. وإن كان تمثيل المرأة في المعارضة السياسية خجولاً، إلا أنها ما زالت موجودة في قلب الحدث، وتحمل على عاتقها مسؤولية استمرار النشاط المدني الذي تعتبره جزءاً لا يتجزأ من الثورة.
التقت "العربي الجديد" ثلاث سوريات كنّ من أوائل الناشطات اللواتي شاركن في الثورة. تحدثن عن التغيّرات والمصاعب التي طرأت على حياتهن طوال السنوات الخمس الماضية، وصولاً إلى دورهن في إنعاش الحراك المدني والنهوض بالجوانب التعليمية والثقافية في بلد شبه منكوب.
أتألّم
تعمل نور (37 عاماً)، في مركز المجتمع المدني والديمقراطية في مدينة غازي عنتاب، في جنوب تركيا، وتدير برنامج النساء. لا تنظر إلى ما تفعله كمهنة، بل جزءاً من نشاطها الطويل الذي تسعى من خلاله إلى تحقيق أهدافها وزملائها الذين يشاركونها القيم والأحلام نفسها. تقول: "مهنتي الأساسية هي الزراعة. كنتُ أعمل في أرضي في الزبداني التي تشتهر بزراعة الفواكه، وأمارس هواية الرسم".
مع بدء الثورات العربية، بدأت نور وأصدقاؤها التحضير للحظة انطلاق الثورة السورية. وكان والدها قد زرع فيها حلم الثورة مذ كانت صغيرة. أطلقت مع مجموعة من الشباب صرخة الحرية الأولى في سوق الحميدية في 15 مارس/ آذار عام 2011. هناك بدأت حكايتها، وانخرطت بعدها في تنظيم الحراك النسائي في بلدتها الزبداني، إلى أن اضطرت للخروج من البلاد منتصف عام 2014.
تابعت نور نشاطها المدني في مركز المجتمع المدني والديمقراطية الذي انضمت إليه قبل خروجها من سورية. ويرتكز نشاطها اليوم على إدارة شبكة "أنا هي"، التي تعمل على تفعيل دور المرأة في جميع المجالات من خلال دعمها للوصول إلى مراكز صنع القرار. وتوضح أن الشبكة تضم اليوم أكثر من 250 امرأة متطوعة، 75 في المائة منهن في الداخل السوري، بالإضافة إلى نساء في دول الجوار. تتابع: "نعمل سويّاً للوصول إلى أهدافنا، من خلال إطلاق مبادرات وتنفيذها. ونعتمد على المناصرة بشكل أساسي".
حال معظم الشعب السوري، تكبدت نور خلال سنوات الحرب خسارات كثيرة. مع ذلك، تؤمن أنه لا يحق لها التراجع بعد كل ما دفعه السوريون. تقول: "معظم أفراد عائلتي في المعتقلات. زوجي وأمي وخالي وابنه وأصدقائي. أتألم على والدي الذي قضى أثناء الحصار الأول لمدينتي، وأرضي التي احترقت. أتألم على أهلي وأصدقائي المحاصرين في الزبداني ومضايا. هذه الأثمان التي دفعناها تجعلني أتشبث أكثر بأهداف الثورة".
وترى نور أن التمثيل السياسي للمرأة السورية في المعارضة لا يتوازن مع ما قدمته للثورة. تقول: "في الحرب، النساء أكثر من يدفع الثمن، بسبب ظروف النزوح واللجوء. وتزداد مسؤولية المرأة بعد فقدان شركائها في العائلة. مع هذا، هناك تجارب مذهلة لدور النساء خلال السنوات الخمس الماضية". برأيها، تكمن المشكلة في أن معظم النساء المناديات بضم المرأة إلى صناعة القرار يبدين حذراً دائماً من العمل السياسي بسبب صعوبة المرحلة وخطورتها.
أحتمل كل شيء
قبيل اندلاع الثورة في سورية، كانت سلام أبو شلالة تنتظر الشرارة الأولى. تقول: "عندما اندلعت الثورة في تونس، أخبرت صديقتي أنها ستندلع في سورية لا محالة، لأن الوضع كان أشبه بالبركان الذي سينفجر في أي لحظة". وهذا ما حصل، وشاركت سلام في أول تظاهرة في سوق الحميدية.
بعدها، أسست مع عدد من الناشطين مجلة إعلامية ثورية باسم "أوكسجين"، والتي صدر العدد الأول منها بداية عام 2012. تقول: "كنت أكتب فيها بأسماء مستعارة. كنا عشرة أعضاء نتشارك التحرير. نطبع ليلاً ونخبئ الطابعة في بيت أحدنا. كنت أنقل الصحيفة الورقية المطبوعة بسيارتي، ثم نوزعها على أبواب المحال ليلاً، إلى أن بدأت عيون المخبرين تراقبنا، فاعتقل البعض، فيما هرب آخرون".
استمرت سلام في عملها في المجلة حتى بداية عام 2015. عملت بعدها في مجلات ومواقع إلكترونية تهتم بالشأن السوري. وبسبب نشاطها، كانت مطلوبة للنظام الذي اعتقل زوجها. تقول: "لا أعرف عنه شيئاً منذ منتصف عام 2013. كذلك، تشتتت العائلة بالكامل مع تدمير الزبداني وتهجير أهلها. بداية، نزحنا إلى منطقة الشلّاح ثم إلى بلودان ومن بعدها إلى وادي غزال، ثم إلى لبنان. وقد لحق بي مخبر وسرقة جواز سفري لمنعي من المغادرة". تقول إنها تؤمن بالعدالة والحرية لشعب مقهور يُقتل كل يوم بجميع الأشكال. "لذلك، أحتمل كل شيء".
تتحدث عن دور المرأة في الثورة السورية، وتقول إنها علّمت أولادها التضحية والعطاء، وشاركت في طهو الطعام للثوار وإيصاله إليهم، وضمّدت جراحهم؛ وواست المصابين. تضيف أن "المرأة لم تثر على نظام استبداد بشار الأسد فحسب، بل على مفاصل القمع بكافة أشكاله، لأن حاضر المرأة وتاريخها ومستقبلها رهن كلمة حرة صادقة". وتشير إلى أننا "لا نحيا بالخبز وحده، ولن يتحرر الوطن ما لم تتحرر المرأة معه وبه". تضيف أن "المعارضة السورية بشكلها الحالي لم تكن على مستوى المسؤولية، وإن كانت المرأة تشكل جزءاً منها، فإنها عقيمة ومشلولة".
عائلة واحدة
شاركت إيمان (35 عاماً)، في نشاطات الثورة منذ بدايتها، وعاصرت جميع مراحلها، بدءاً من التظاهرات السلمية، مروراً بالتصعيد العسكري وقمع التظاهرات من قبل النظام، وصولاً إلى دخول الجيش الحر إلى مدينة حلب. منذ ذلك الحين، عملت في إسعاف الجرحى من المتظاهرين وإغاثة النازحين القادمين من مختلف المحافظات السورية إلى حلب. تقول: "عشنا كعائلة واحدة مع أبطال الجيش الحر في أصعب لحظاته وأخطرها".
خلال السنوات الخمس الماضية، خسرت العديد من المحيطين بها. تقول: "كنا وما زلنا نعزي أنفسنا بفقدانهم، ونقنع أنفسنا بأنهم في الجنة". بعد مرور بعض الوقت، عادت إيمان إلى مجال التعليم الذي كانت تعمل فيه قبل بدء الثورة. تقول: "شاركنا في فتح المدارس واستقطاب الأطفال، بالإضافة إلى الدعم النفسي".
حقوقهن منتهكة
وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعرّض أكثر من 8614 امرأة سورية للاعتقال من قبل أطراف النزاع في سورية، وقد اعتقلت 7029 منهن على يد النظام. وسجل العام الماضي ارتفاعاً كبيراً في معدلات الاختفاء القسري للمعتقلات في السجون المركزية. وأشارت الشبكة إلى تزايد الانتهاكات على غرار طرد العاملات في المؤسسات الحكومية والخطف وغيرها.
اقرأ أيضاً: سوريّات "يطرن" على دراجة
انخرطت المرأة السورية في النشاط الثوري السلمي منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية قبل خمس سنوات. وعلى الرغم من المنعطفات والمخاطر ومعاناة الشعب السوري عامة والمرأة بشكل خاص، لم تنأَ بنفسها عن هذا الحراك. وإن كان تمثيل المرأة في المعارضة السياسية خجولاً، إلا أنها ما زالت موجودة في قلب الحدث، وتحمل على عاتقها مسؤولية استمرار النشاط المدني الذي تعتبره جزءاً لا يتجزأ من الثورة.
التقت "العربي الجديد" ثلاث سوريات كنّ من أوائل الناشطات اللواتي شاركن في الثورة. تحدثن عن التغيّرات والمصاعب التي طرأت على حياتهن طوال السنوات الخمس الماضية، وصولاً إلى دورهن في إنعاش الحراك المدني والنهوض بالجوانب التعليمية والثقافية في بلد شبه منكوب.
أتألّم
تعمل نور (37 عاماً)، في مركز المجتمع المدني والديمقراطية في مدينة غازي عنتاب، في جنوب تركيا، وتدير برنامج النساء. لا تنظر إلى ما تفعله كمهنة، بل جزءاً من نشاطها الطويل الذي تسعى من خلاله إلى تحقيق أهدافها وزملائها الذين يشاركونها القيم والأحلام نفسها. تقول: "مهنتي الأساسية هي الزراعة. كنتُ أعمل في أرضي في الزبداني التي تشتهر بزراعة الفواكه، وأمارس هواية الرسم".
مع بدء الثورات العربية، بدأت نور وأصدقاؤها التحضير للحظة انطلاق الثورة السورية. وكان والدها قد زرع فيها حلم الثورة مذ كانت صغيرة. أطلقت مع مجموعة من الشباب صرخة الحرية الأولى في سوق الحميدية في 15 مارس/ آذار عام 2011. هناك بدأت حكايتها، وانخرطت بعدها في تنظيم الحراك النسائي في بلدتها الزبداني، إلى أن اضطرت للخروج من البلاد منتصف عام 2014.
تابعت نور نشاطها المدني في مركز المجتمع المدني والديمقراطية الذي انضمت إليه قبل خروجها من سورية. ويرتكز نشاطها اليوم على إدارة شبكة "أنا هي"، التي تعمل على تفعيل دور المرأة في جميع المجالات من خلال دعمها للوصول إلى مراكز صنع القرار. وتوضح أن الشبكة تضم اليوم أكثر من 250 امرأة متطوعة، 75 في المائة منهن في الداخل السوري، بالإضافة إلى نساء في دول الجوار. تتابع: "نعمل سويّاً للوصول إلى أهدافنا، من خلال إطلاق مبادرات وتنفيذها. ونعتمد على المناصرة بشكل أساسي".
حال معظم الشعب السوري، تكبدت نور خلال سنوات الحرب خسارات كثيرة. مع ذلك، تؤمن أنه لا يحق لها التراجع بعد كل ما دفعه السوريون. تقول: "معظم أفراد عائلتي في المعتقلات. زوجي وأمي وخالي وابنه وأصدقائي. أتألم على والدي الذي قضى أثناء الحصار الأول لمدينتي، وأرضي التي احترقت. أتألم على أهلي وأصدقائي المحاصرين في الزبداني ومضايا. هذه الأثمان التي دفعناها تجعلني أتشبث أكثر بأهداف الثورة".
وترى نور أن التمثيل السياسي للمرأة السورية في المعارضة لا يتوازن مع ما قدمته للثورة. تقول: "في الحرب، النساء أكثر من يدفع الثمن، بسبب ظروف النزوح واللجوء. وتزداد مسؤولية المرأة بعد فقدان شركائها في العائلة. مع هذا، هناك تجارب مذهلة لدور النساء خلال السنوات الخمس الماضية". برأيها، تكمن المشكلة في أن معظم النساء المناديات بضم المرأة إلى صناعة القرار يبدين حذراً دائماً من العمل السياسي بسبب صعوبة المرحلة وخطورتها.
أحتمل كل شيء
قبيل اندلاع الثورة في سورية، كانت سلام أبو شلالة تنتظر الشرارة الأولى. تقول: "عندما اندلعت الثورة في تونس، أخبرت صديقتي أنها ستندلع في سورية لا محالة، لأن الوضع كان أشبه بالبركان الذي سينفجر في أي لحظة". وهذا ما حصل، وشاركت سلام في أول تظاهرة في سوق الحميدية.
بعدها، أسست مع عدد من الناشطين مجلة إعلامية ثورية باسم "أوكسجين"، والتي صدر العدد الأول منها بداية عام 2012. تقول: "كنت أكتب فيها بأسماء مستعارة. كنا عشرة أعضاء نتشارك التحرير. نطبع ليلاً ونخبئ الطابعة في بيت أحدنا. كنت أنقل الصحيفة الورقية المطبوعة بسيارتي، ثم نوزعها على أبواب المحال ليلاً، إلى أن بدأت عيون المخبرين تراقبنا، فاعتقل البعض، فيما هرب آخرون".
استمرت سلام في عملها في المجلة حتى بداية عام 2015. عملت بعدها في مجلات ومواقع إلكترونية تهتم بالشأن السوري. وبسبب نشاطها، كانت مطلوبة للنظام الذي اعتقل زوجها. تقول: "لا أعرف عنه شيئاً منذ منتصف عام 2013. كذلك، تشتتت العائلة بالكامل مع تدمير الزبداني وتهجير أهلها. بداية، نزحنا إلى منطقة الشلّاح ثم إلى بلودان ومن بعدها إلى وادي غزال، ثم إلى لبنان. وقد لحق بي مخبر وسرقة جواز سفري لمنعي من المغادرة". تقول إنها تؤمن بالعدالة والحرية لشعب مقهور يُقتل كل يوم بجميع الأشكال. "لذلك، أحتمل كل شيء".
تتحدث عن دور المرأة في الثورة السورية، وتقول إنها علّمت أولادها التضحية والعطاء، وشاركت في طهو الطعام للثوار وإيصاله إليهم، وضمّدت جراحهم؛ وواست المصابين. تضيف أن "المرأة لم تثر على نظام استبداد بشار الأسد فحسب، بل على مفاصل القمع بكافة أشكاله، لأن حاضر المرأة وتاريخها ومستقبلها رهن كلمة حرة صادقة". وتشير إلى أننا "لا نحيا بالخبز وحده، ولن يتحرر الوطن ما لم تتحرر المرأة معه وبه". تضيف أن "المعارضة السورية بشكلها الحالي لم تكن على مستوى المسؤولية، وإن كانت المرأة تشكل جزءاً منها، فإنها عقيمة ومشلولة".
عائلة واحدة
شاركت إيمان (35 عاماً)، في نشاطات الثورة منذ بدايتها، وعاصرت جميع مراحلها، بدءاً من التظاهرات السلمية، مروراً بالتصعيد العسكري وقمع التظاهرات من قبل النظام، وصولاً إلى دخول الجيش الحر إلى مدينة حلب. منذ ذلك الحين، عملت في إسعاف الجرحى من المتظاهرين وإغاثة النازحين القادمين من مختلف المحافظات السورية إلى حلب. تقول: "عشنا كعائلة واحدة مع أبطال الجيش الحر في أصعب لحظاته وأخطرها".
خلال السنوات الخمس الماضية، خسرت العديد من المحيطين بها. تقول: "كنا وما زلنا نعزي أنفسنا بفقدانهم، ونقنع أنفسنا بأنهم في الجنة". بعد مرور بعض الوقت، عادت إيمان إلى مجال التعليم الذي كانت تعمل فيه قبل بدء الثورة. تقول: "شاركنا في فتح المدارس واستقطاب الأطفال، بالإضافة إلى الدعم النفسي".
حقوقهن منتهكة
وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعرّض أكثر من 8614 امرأة سورية للاعتقال من قبل أطراف النزاع في سورية، وقد اعتقلت 7029 منهن على يد النظام. وسجل العام الماضي ارتفاعاً كبيراً في معدلات الاختفاء القسري للمعتقلات في السجون المركزية. وأشارت الشبكة إلى تزايد الانتهاكات على غرار طرد العاملات في المؤسسات الحكومية والخطف وغيرها.
اقرأ أيضاً: سوريّات "يطرن" على دراجة