حصلت "العربي الجديد" على معلومات موثقة مفادها أن الحكومة المصرية أبلغت إسرائيل أنها جادة في تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، قبل أن تعلن موافقتها رسمياً على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بينها وبين السعودية، وتحيلها إلى مجلس النواب لإقرارها في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتظهر المعلومات، التي كشفها مصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية المصرية، أن أحد أسباب تأخر نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في إقرار الاتفاقية رسمياً، وإحالتها إلى مجلس النواب تمهيداً لإصدارها، كان اشتراط الولايات المتحدة حصول مصر والسعودية على موافقة خطية من إسرائيل على تبادل الجزيرتين، وتأكيد القاهرة والرياض عدم المساس بأمن إسرائيل، أو بالإجراءات المحددة في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.
في 8 أبريل/نيسان 2016، أي في اليوم ذاته الذي وقعت فيه مصر والسعودية اتفاقية تعيين الحدود البحرية، في القاهرة، أرسل ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان خطاباً إلى رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، أكد له فيه "التزام السعودية بالالتزامات المتعلقة بمصر حتى الآن في مضيق تيران، وبالنسبة إلى جزيرتي تيران وصنافير". وكان هذا يعني أن السعودية ملتزمة بأن ترث الواجبات التي تحتمها اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، خصوصاً الاستعانة بالقوات الدولية والشرطة المدنية في حماية أمن الجزيرتين، وعدم وضع قوات عسكرية عليهما.
وفي 19 ديسمبر الماضي، أرسل نتنياهو إلى شكري رسالة يؤكد فيها أن إسرائيل لا تمانع في تسليم الجزيرتين إلى السعودية، وأنها تقر بما حملته الخرائط المصرية من تقسيم للمناطق، وبخطة الانتشار الأمني المزمع تنفيذها ومشروع جسر الملك سلمان، والسماح للسفن الإسرائيلية بالعبور في مضيق تيران دخولاً أو خروجاً من ميناء إيلات. واختتم الرسالة بأن "هذه الإجراءات لا تمثل انتهاكاً لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية".
وبموجب هذه الموافقة الإسرائيلية "الخطيّة"، فإن الاتفاق المصري السعودي يكون قد دخل حيز التنفيذ واقعياً، وذلك قبل موافقة مجلس النواب المصري على الاتفاقية، وقبل أن يفصل القضاء المصري نهائياً في سلامته الدستورية، إذ من المقرر أن تنطق المحكمة الإدارية العليا بحكم في هذا الصدد في 16 يناير/كانون الثاني الحالي. ومن المتوقع أيضاً أن تصدر المحكمة الدستورية العليا أحكاماً في هذا الشأن خلال الشهور القليلة المقبلة.
وأوضح المصدر الدبلوماسي المصري أن "خطوة موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل على هذه الترتيبات الأمنية كانت ضرورية لاعتماد دخول دولة جديدة على خط التماس مع إسرائيل، وهو ما تعتبره واشنطن جزءاً من أمنها القومي، وذلك بغض النظر عن ضبابية العلاقة بين السعودية وإسرائيل، وعدم وضوح ما إذا كانت هذه الخطوة ستقرب بين البلدين، دبلوماسياً ورسمياً". وأضاف المصدر المصري أن قوات حفظ السلام الدولية ستتواجد بكثافة على جزيرة تيران والمنطقة المحيطة بها خلال العام الحالي، لمراقبة مدى استقرار الأوضاع، وعدم ارتكاب أي طرف استفزازات أمنية، وأن الولايات المتحدة أخطرت القيادة العسكرية في الدول الثلاث بضرورة استمرار نزع السلاح من هذه المنطقة، والاعتماد في تأمين الشواطئ على الشرطة المدنية فقط.
وتثير اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية خلافاً حاداً في مجلس النواب المصري المختص بإقرارها وفقاً للدستور، ما بين مؤيد لها، ومعارض من حيث المبدأ، باعتبار جزيرتي تيران وصنافير جزءاً من أرض مصر ولا يجوز التنازل عنهما بأي صورة، وبين فريق ثالث يميل إلى إجراء استفتاء شعبي على موضوع التنازل باعتباره متعلقاً بحق سيادي. من جهتها، تؤكد الحكومة المصرية أن الجزيرتين كانتا عهدة في يد مصر منذ احتلال القوات البحرية المصرية لهما في يناير/كانون الثاني العام 1950 لدعم المركز العسكري والاستراتيجي للعرب ضد إسرائيل، وإغلاق خليج العقبة بعدما احتلت إسرائيل مدينة أم الرشراش وحولتها إلى ميناء إيلات في مارس/آذار 1949 في نهاية حرب فلسطين. وكشفت مستندات نشرتها الحكومة المصرية عند توقيع الاتفاقية كدليل على سعودية الجزيرتين، أن الرئيس المخلوع، حسني مبارك طلب وساطة الرئيس السوداني الأسبق، جعفر نميري، مع العاهل السعودي الراحل، الملك خالد بن عبد العزيز لإقناعه بعدم إثارة موضوع استعادة السعودية للجزيرتين حتى إتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء.