توني بلير: 8 سنوات من الخداع ونشر الخراب

29 مايو 2015
عارض بلير جهود انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة(غيتي)
+ الخط -
لا فرق إن استقال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من منصبه كمبعوث للجنة الرباعية الدولية لعملية السلام في الشرق الأوسط، أو أنّه لم يعد هناك أي مبرر لاستمرار تغطية دوره. فثماني سنوات على تعيين بلير مبعوثاً للجنة الرباعية، ظلّ خلالها وفيّاً لسياسات الإدارة الأميركية ومدافعاً حقيقياً عن سياسات إسرائيل، ومخادعاً في ادعائه العمل لوضع أسس الدولة الفلسطينية.

في اليوم الذي أجبره قادة حزب العمال الحاكم آنذاك في بريطانيا على الاستقالة بسبب دوره في غزو العراق، أصرّت واشنطن والرئيس جورج بوش الابن تحديداً، على الرغم من معارضة موسكو، على تعيينه ممثلاً للرباعية، مكافأة له على دوره في غزو العراق، ولأنّه أصبح أكثر تقرّباً من سياسات المحافظين الجدد في واشنطن.

في غياب المبادرات إثر انسحاب إسرائيل من غزة وفرضها حصاراً لا يزال مستمراً، حاول بلير عام 2008، تسويق خطة لإحلال السلام تعتمد على تطوير الاقتصاد الفلسطيني وربطه بمصالح الغرب وإسرائيل وفق ما بات يصطلح على تسميته "الإسلام الاقتصادي" لتفريغ القضية من أي مضمون استعماري احتلالي سياسي تاريخي.

حصلت اجتماعات كثيرة في مقار باهظة التكاليف في فندق "ذي أميركن كولوني"، حيث حُجزت 15 غرفة لمدة 4 سنوات، ودُفعت تكاليف حراسة من الأمن البريطاني، وأُقيمت أكثر من مائة زيارة للمنطقة، وعُيّن عشرات الخبراء والمستشارين على نفقة الأمم المتحدة، فأتت النتيجة بعد قرابة ثماني سنوات، أرشيفاً من الكلام والتصريحات عن جهود بناء أسس الدولة الفلسطينية و"العملية السلمية".

اقرأ أيضاً: بلير يستقيل من منصبه كمبعوث خاص للجنة الرباعية

أدرك الفلسطينيون مبكراً "عقم" مهمة بلير، لكنّهم أملوا أن تشكّل مشاركة الأمم المتحدة وموسكو وإلى حدّ ما، الاتحاد الأوروبي، نوعاً من التوازن والدور الدولي المغيّب دائماً، إلّا أنّ ذلك لم يحدث. وارتبط نشاط بلير بمحاولات التهدئة والاحتواء في ظل سياسات إسرائيل الاستيطانية وإفشال حل الدولتين.   

تحدّث بلير كثيراً عن إزالة حواجز غالباً ما أعادت إسرائيل وضعها لاحقاً، وأعرب عن قلقه تجاه الأحداث الجارية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية (مع تحفّظه على كلمة "المحتلة")، بما في ذلك مقتل المدنيين الفلسطينيين، والاعتقالات واسعة النطاق. كما طالب بلير إسرائيل بضبط النفس في المناطق الفلسطينية المأهولة، أثناء العدوان الأخير على غزة في الصيف الماضي، والتأكد من "عدم المساس بالمدنيين والقيام بخطوات للحد من العقبات أمام حرية الحركة والوصول في الضفة". خلا كلام بلير المتكرّر في مئات التصريحات الغامضة من الإقرار بأنّ الاحتلال الإسرائيلي هو المشكلة الرئيسية.

لم تتجاوز جهود بلير في الحقيقة سوى في سعيه لتحسين الظروف في ظلّ الاحتلال. ولم ترتكز أي من خططه على حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة يبني فيها اقتصاده وفق خطط وسياسات يقررها ممثلو الشعب المنتخبين وليس وفق أجندات ترضي إسرائيل ومصالحها. في النهاية، لم يكن كلامه المستمر عن وضع خطط لتطوير الاقتصاد الفلسطيني، وفق السفير البريطاني السابق في ليبيا أوليفر مايكل، "سوى غطاء لتجنب القضايا الحقيقية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في ظلّ الاحتلال". 

اقرأ أيضاً: بلير خلط الدبلوماسية بـ"البزنس" ففشل

في هذا السياق، عارض بلير جهود انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة واعتبرها مسألة "تثير صدامات عميقة". بل وأخطر من ذلك، حضّ الحكومة البريطانية المحافظة برئاسة ديفيد كاميرون، الأقرب إلى إسرائيل، على عدم تأييد المسعى الفلسطيني وربط الدبلوماسية البريطانية تأييد المسعى الفلسطيني بتعهدات وضمانات دولية وفلسطينية لإسرائيل لا يمكن الموافقة عليها، لأنّها تفرض التزامات قاسية طويلة الأمد، تحدّ من الحقوق الفلسطينية، وخصوصاً حق العودة والتعويض والاستقلال الفلسطيني الحقيقي.

يعتبر بلير على نطاق واسع منظّراً يمثّل المحافظين الجدد، وكان مبكراً في دعوته لمواجهة الإسلام السياسي واتباع سياسة غربية للتعامل مع "الربيع العربي"، وسياسات المنطقة، بهدف التدخل ورسم حدودها، على غرار ما حدث في سايكس بيكو عشية الحرب العالمية الأولى. ونجح في الاحتفاظ بموقع "وهمي" تحت مسمى مبعوث السلام الدولي في الشرق الأوسط، من خلال الدعم الأميركي والإسرائيلي، وأقام "امبراطورية" استشارات وخدمات شرقاً وغرباً، لدول عربية وغير عربية، لكنّه في ما يخص عمله الرئيسي كممثل للرباعية، فشل في مساعدة الشعب الفلسطيني للتخلص من الاحتلال وإقامة سلام عادل وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكما نصّ تخويل تأسيس الرباعية.

إثر انتهاء مهمة وزير الخارجية الأميركية جون كيري، التي باءت بالفشل، عاد بلير إلى المنطقة وعادت تصريحاته وجولاته ولقاءاته، التي لم يصرّح فيها عن مسؤولية إسرائيل في إفشال جهود كيري، كما فعل مسؤولون أميركيون حتى. اقتصرت مهمة بلير طيلة هذه الفترة، على ملء الفراغ في الحديث عن السلام وعن جهود اقتصادية وإزالة حواجز وضبط نفس. لم تكن مهمته سوى شاهد ومشارك في كل الخراب والدماء التي سبّبتها سياسات واشنطن ولندن، ما بين بغداد والقدس مروراً بدمشق.

اقرأ أيضاً: بلير وصل إلى القاهرة لبحث تطورات عملية السلام

 

 

المساهمون