على سرعات وإيقاعات مختلفة سارت سنة الثقافة في تونس، لذا من الصعب وضعها في تقييم موحّد. نشّطتها المهرجانات والتظاهرات المتواترة، وحلّقت بها أحياناً مبادرات الفنانين الفردية وتصوّراتهم، ووضعتها وزارة الثقافة تحت سقفها غالباً، فيما اخترقتها أحداث الحياة اليومية من كل صوب.
لعل العملية الإرهابية في "متحف باردو" في شهر آذار/ مارس تفسّر الكثير من بقية المشهد الثقافي للسنة، فالأنشطة التي نظمتها الوزارة كانت في معظمها تدور في فلك الراهن السياسي، حتى أن الأعمال الفنية استبطنت نغمة مكافحة الإرهاب وتحدّيه في مضامينها، وجعلت منها جوازها لتلقي "الدعم". لقد بدت الثقافة منذ 2011، انعكاساً لاهتزازات الثورة، فيما بدت في 2015 وقد انحصر هذا الانعكاس في دائرة "الإرهاب".
من زاوية الجوائز، يبدو 2015 عام تتويجات للثقافة التونسية، فإضافة إلى الجوائز السينمائية والمسرحية المتفرقة، فازت رواية "الطلياني" لـ شكري المبخوت بـ"البوكر" العربية، واختارت "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" المفكر التونسي هشام جعيط شخصية السنة الثقافية.
فوز شكري المبخوت بالبوكر، كان من المفترض أن يسلط الأضواء على الراويات التونسية التي بدت قليلة الظهور، علماً أنه نشر روايته في "دار التنوير" المصرية، أي أن النجاح لم ينعكس على ساحة النشر في الداخل، وظلت مواعيد الإصدارت معدّلة على ساعة معرض الكتاب، ثم سرعان ما يخبو صوتها.
على مستوى الإصدارات أيضاً، برزت الكتب التي تقاطعت مع السياسة، والتي هيمن عليها هي الأخرى حديث الإرهاب، مثل "جيوبوليتيك الدم" لـ الصافي سعيد و"الخريف العربي" لأيمن البوغانمي و"نقد العقل الجهادي" لزهير الذوادي و"الإسلام النقدي" لـ طاهر أمين. أما فكرياً، فقد صدرت ترجمة منير الكشو لكتاب "أخذ الحقوق على محمل الجد" لرونالد دووركين، ومؤلف فتحي انغزو "قول الأصول" و"كلمات نيتشه الأساسية" لفوزية ضيف الله، وإعادة نشر فتحي المسكيني لكتابه "الدين والإمبراطورية" إضافة إلى العديد من المشاركات في كتب جماعية.
كما سجلت الساحة أعمالاً دسمة في الكتابة التاريخية مثل "دم الإخوة.. قفصة 1980" لنور الدين العلوي و"الذاكرة والتاريخ" للطفي عيسى وترجمة كتاب "تاريخ تونس" للحبيب بولعراس إلى العربية، إضافة إلى صدور كتاب الناقد الألماني رولف همكي "المسرح في العالم العربي" في نسخته الفرنسية في تونس.
معظم التجارب التونسية التي تحدّث عنها همكي في كتابه قدّمت إنتاجات في 2015؛ الثنائي فاضل الجعايبي وجليلة بكار بمسرحية "عنف"، وتوفيق الجبالي بمسرحية "التابعة"، ومريم بوسالمي بعمل "فيمينار"، إضافة إلى أعمال لافتة أخرى مثل "برج لوصيف" لشاذلي العرفاوي و"المسرحية" لحمادي المزي و"فوبيا" لعبد القادر بن سعيد.
لعل أبرز أعمال السنة مسرحية "بلاتو" لغازي الزغباني التي تناولت هي الأخرى "الإرهاب" بشكل مباشر لكن بأدوات فنية مجدّدة، طارحة أسئلة جريئة على الواقع التونسي. أيضاً، عرف العام عروضاً لافتة لمسرحية "غيلان" (إنتاج 2013) بعد رحيل مخرجها عز الدين قنون في شهر آذار/ مارس.
سينمائياً، تميّزت السنة بإنتاج متنوع وجوائز متفرقة، وكانت الحصيلة إنتاج ستة أفلام روائية طويلة هي "الزيارة" لنضال شطا و"على حلة عيني" لليلى بوزيد و"قصر الدّهشة" لمختار العجيمي و"عزيز روحو" لسنية الشامخي و"شبابك الجنة" لفارس نعناع و"خسوف" للفاضل الجزيري.
يشار أيضاً إلى أن 2015، كانت السنة الأولى التي التقت فيها "أيام قرطاج المسرحية" بـ "أيام قرطاج السينمائية"، حيث أنهما ينظمان عادة بالتداول. عموماً شكلت الدورتان علامة مضيئة على الأقل من خلال مستوى العروض والإقبال الجماهيري رغم الهنات التنظيمية. كانتا مناسبتين تشبه مجمل السنة الثقافية؛ كثير من الإبداع التونسي الذي لا يزال بحاجة إلى أطر أفضل.