يواجه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد وضعاً صعباً غير مسبوق منذ أن تولى هذه المسؤولية بتكليف من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وحصوله على أصوات أغلبية أعضاء البرلمان. ويتعرض الشاهد اليوم لضغوط شديدة من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر قوة نقابية في البلاد، إذ تستعد هذه المنظمة لإضراب عام جديد لمدة يومين إلى جانب وضع خطة تصعيدية من شأنها أن تشل الاقتصاد بكامله. فهل سيكون الشاهد قادراً على الصمود والبقاء حتى موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل؟
ولا يتوقف الخلاف بين المركزية النقابية والحكومة عند نسبة الزيادة التي سيتمتع بها العاملون بالوظيفة العمومية، وإنما يتسع ليشمل أيضاً السياسات الكبرى والأولويات التنموية. فالاتحاد لا يرفض فكرة الإصلاحات، بل يقر بضرورتها ويطالب بالإسراع في تنفيذها. لكنه يختلف مع الحكومة حول مفهوم الإصلاحات المطلوبة، ومضامينها، وآليات تنفيذها. فهو على سبيل المثال يدرك أن القطاع العام في حاجة إلى مراجعات كبرى، لكنه يرفض التفريط في أي مؤسسة من مؤسساته، في حين أن الحكومة تريد التخلص من الشركات الخاسرة عن طريق بيعها للقطاع الخاص، بما في ذلك الأجنبي، وهو ما يعتبره الاتحاد العام التونسي للشغل خيانة للوطن وللطبقة العاملة.
ولم يعد خافياً أن جانباً من الصراع قد اكتسب أبعاداً سياسية. إذ لم تتردد قيادة الاتحاد في المطالبة بإزاحة الشاهد عند الإعداد لوثيقة "قرطاج 2". ومن بين الشعارات التي رددها النقابيون خلال مسيرات الإضراب العام الأخير مطالبة الشاهد بالرحيل، رغم أنهم يدركون أن ذلك هو الهدف نفسه الذي يعمل من أجله السبسي وحزب نداء تونس بقيادة نجله حافظ. وهذا الدمج بين النقابي والسياسي يعتبر من القضايا الشائكة التي ليس في مقدور الشاهد تفكيكها والتغلب عليها، لأنها جزء من تاريخ الاتحاد، وعامل من عوامل قوته. ورغم أن الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، حاول أن ينأى بالمنظمة عن الصراع المفتوح بين قرطاج والقصبة، إلا أن ما يجري حالياً يصب في صالح الساعين نحو إسقاط الحكومة وإضعاف رئيسها. ويواجه الشاهد أيضاً عدداً من وزرائه الذين ولاؤهم للباجي قائد السبسي وابنه حافظ. وقد استاء كثيراً من بعض الذين كانوا ضمن الوفد المفاوض مع النقابيين، ولم يحرصوا على تقديم التنازلات الممكنة من أجل الحيلولة دون تنفيذ الإضراب العام. وهو ما فتح المجال للتأويل، وجعل البعض يعتبر أن ما حصل كان محاولة مدفوعة من خارج الحكومة لإضعاف الشاهد وتعميق الأزمة بينه وبين اتحاد الشغل.
من جهة أخرى، يتحرك الشاهد في ظروف ملغمة، ويواجه خصوماً متعددي المنطلقات والأهداف، فهو عرضة هذه الأيام لحملة تقودها أطراف كثيرة بسبب مشروعه السياسي الذي سيتم الإعلان عنه قريباً. ويُتهم في هذا السياق بكونه يستغل موقعه في الدولة لاستقطاب المزيد من الأنصار إلى حزبه "على حساب المصلحة العامة". ومن مشاكل الشاهد أيضاً كونه غير مُطمئن لحليفه الأساسي، ممثلاً في حركة النهضة، إذ لولا دعمها لما استطاع البقاء على رأس الحكومة، وقد كلفها ذلك الكثير، وأدخلها في خصومة علنية مع السبسي، ما تسبب باندلاع خلافات داخلية كبيرة بين كوادرها القيادية. وحتى يتجاوز رئيس الحركة راشد الغنوشي هذه الأزمة، حاول منذ أسابيع تجسير العلاقة مع رئيس الجمهورية وإعادة كسب ثقته. وكانت آخر رسائله في هذا السياق الإعلان عن كونه لا ينوي المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. بل إن بعض المصادر من الحركة تشير إلى أن الغنوشي قد أبلغ السبسي أنه سيسانده إذا قرر الترشح من جديد للانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكن السؤال المطروح حالياً هو هل يستمر الشاهد أم قد تضطره الظروف السياسية والاجتماعية إلى الانسحاب والاستقالة؟ يبدو أن حظوظ الرجل في البقاء لا تزال قوية رغم كثرة خصومه. واعتبر القيادي في حزب نداء تونس، خالد شوكات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "استمرار الشاهد أو خروجه من الحكم متعلق بحسابات حركة النهضة، فهو موجود بفضل إرادتها وليس بإمكاناته الذاتية أو بما أنجزه. وفي هذا السياق لا تريد النهضة إرباك المشهد السياسي، ولم تقتنع بأن مشروعه الحزبي يتم على حساب الدولة، ولو رحل الشاهد لوجدت البلاد نفسها في فراغ سيكون من الصعب ملؤه في فترة وجيزة قبل موعد الانتخابات". وأضاف شوكات أن "سقوط الشاهد في هذه الظروف قد يعقد مسألة احترام الآجال الدستورية لتنظيم الانتخابات في موعدها". وذهب شوكات إلى أكثر من ذلك بالتأكيد على أن الحزب الجديد للشاهد يمكن أن يكون مفيداً للتجربة الديمقراطية التونسية لأنه قد يحد من "المفاجآت السلبية"، إذ في "الإمكان السيطرة على القوائم المستقلة التي نجحت في الانتخابات البلدية، لكن إذا تكررت ظاهرة نجاح المستقلين بكثافة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن ذلك سيزيد من إضعاف الأحزاب، وسيؤثر سلباً على إمكانية تشكيل حكومة قوية ودائمة".
أما الصحبي بن فرج، القريب جداً من الشاهد وأحد المنخرطين في بناء الحزب الجديد، فأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الخط البياني ليوسف الشاهد في حالة صعود منذ مايو/أيار الماضي، وكلما يتقدم الزمن تتأكد حظوظه في البقاء وكسب الرهان". وأشار إلى أن الورقة الأخيرة التي لعبها خصومه هي الإضراب العام، الذي كان يُراد منه خلق حالة من الفوضى تنتهي بإسقاطه. واعتبر أن "الفشل سيكون مآل" الورقة الثانية التي تتعلق بالمؤتمر "الذي يحاول حافظ قائد السبسي إنجازه لصالحه وعلى قياسه". وأعرب بن فرج عن اعتقاده أن الشاهد سيبقى رئيساً للحكومة طيلة الأشهر المقبلة "إلا إذا قرر الاستقالة والتفرغ لخوض الانتخابات الرئاسية". وهكذا يجد الشاهد نفسه في منتصف الطريق، لكن حظوظه لا تزال وافرة رغم أن المدافعين عنه بحماسة هم أنصاره فقط الذين يستعدون لعقد المؤتمر التأسيسي لهذا الحزب، الذي شاءت الأقدار أن يولد من رحم حزب نداء تونس، وأصبح يحتل المرتبة الثالثة في البرلمان بعد أن تقلص نوابه نتيجة صراع المصالح والمواقع والنفوذ.