تونس: هل دخل التحالف بين "النهضة" و"النداء" مرحلة الخطر؟

10 مايو 2017
طمأن الغنوشي السبسي بأن الحركة لم تغيّر خياراتها(أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -

كشفت مصادر حزبية في تونس، لـ"العربي الجديد"، عن وجود اضطراب في العلاقة بين الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، وحركة النهضة، بسبب بيان مجلس الشورى الذي أعلن عن "رفض مشروع قانون المصالحة بصيغته الحالية". ويبدو أن هذا الغضب وصل أيضاً إلى أهم القيادات في نداء تونس المدافعة عن فكرة التحالف مع حركة النهضة، والتي تصدت لكل محاولات ضربها. لكن الموقف الأخير للشورى جعلها في وضع محرج وطرح من جديد أسئلة حقيقية عن عمق التحالف وصلابته. وكشفت المصادر أن تصويت الشورى، الملزم رسمياً للحركة، لا يعبّر بالضرورة عن كل تياراتها، إذ كان التصويت متقارباً بين الرافضين للمشروع والموافقين عليه، برغم إجماعهم على ضرورة تنقيحه، وهو ما لا تعارضه الرئاسة من حيث المبدأ. لكن صيغة الرفض التي تضمنها البيان فاجأت في ما يبدو حليف النهضة، السبسي، ومن خلفه النداء، وقد يكون عبّر عن ذلك لرئيس الحركة، راشد الغنوشي.

ويكشف تصويت الشورى عن صعود لافت للتيار المعارض للغنوشي وخياراته الاستراتيجية. ويبدو أنه حلقة أخرى من حلقات الخلافات التي برزت أثناء المؤتمر وبعده، لكنه يُعدّ في كل الأحوال انتصاراً في جولة من جولات هذا الصراع لفائدة المجموعة المعارضة لخط وشكل التحالف مع النداء والسبسي. وتلفت المصادر إلى أنه يمكن التصويت من جديد لصالح قانون المصالحة إذا أدخلت عليه تحويرات، لكن يبدو أن سقف ما يطلبه بعض النهضويين عالٍ، وربما يشكل عقبة أمام هذه المصادقة، لكن حضور الغنوشي، الذي التحق متأخراً باجتماع الشورى، وغياب رئيس المجلس، عبد الكريم الهاروني، مهد الطريق أمام المجموعة المعارضة ومكنها من ترجيح وجهة نظرها.

أياً يكن قانون المصالحة، فقد أعاد التصويت إلى السطح أسئلة التوافق، خصوصاً لدى السبسي والندائيين. وتكشف مصادر، لـ"العربي الجديد"، أنه أمام الانقسام الحاصل عموماً في المشهد التونسي بسبب هذا القانون، وبسبب الوضع السياسي الذي وصل إلى طريق مسدود، فإنه يجري الحديث هذه الأيام داخل أُطر حزبية ورسمية عن إمكانية طرح استفتاء حول الدستور وقانون المصالحة، ليسحب السبسي البساط من تحت أقدام معارضيه ويتوجه إلى التونسيين مباشرة لسبر رأيهم في الموضوعين. وبرغم التوجّس من مخاطر مغامرة كهذه، فإنه يجري التفكير وتقييم كل نتائجها الممكنة. غير أن هذا الموقف لحركة النهضة، لن يمر من دون ثمن، فقد يعزز موقف الندائيين المعارضين للتحالف معها، ويدفعهم من جديد إلى الصفوف الأمامية، والضغط على السبسي لإعادة النظر في هذا التحالف، ولمَ لا التفكير في تغيير؟ خصوصاً أن هؤلاء يستندون إلى فكرة أن هذا التحالف، الذي نجح نسبياً في المحافظة على الاستقرار السياسي، فشل في تحقيق طموحات التونسيين على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، ولم يصمد بالشكل المطلوب في الاختبارات الكبرى مع المعارضة. وفي حال ذهب السبسي في هذا الاتجاه، فإن مخاوف بعض النهضويين تتمثل في أن تجد الحركة نفسها معزولة من جديد، وخارج منظومة الحكم، مع كل ما يحمله هذا الأمر من تداعيات كبيرة، غير محسوبة.

ويبدو أن رئيس الحركة، راشد الغنوشي، إحساساً منه بهذا الخطر المحدق، سارع إلى طمأنة عدد من المرجعيات الأولى، أهمها السبسي واتحاد الشغل، بأن الحركة لم تغيّر جوهرياً من خياراتها، ولا تزال على موقفها من الاستقرار السياسي وعدم الذهاب إلى المجهول. ولذلك سارعت "النهضة" إلى إصدار موقف داعم لحكومة يوسف الشاهد (التي تضم عدداً من وزراء النهضة)، وهو ما سيمنع حصول تغييرات جوهرية في المشهد العام، ويحافظ على مكانة الحركة ووضعها الحالي. لكن سيكون على الغنوشي أن يطمئن أساساً السبسي وقيادات النداء الأولى الداعمة للتحالف، بأن هذا التصويت لا يمثل منعرجاً في سير حزبه، وأنه قادر على إقناع قواعده وقياداته بذلك، وربما يتمكن هذه المرة من تحقيق المعادلة الصعبة: إرضاء الغاضبين من أبناء حركته بإدخال بعض الإصلاحات على قانون المصالحة، وإرضاء حلفائه بالمصادقة على هذا القانون الذي يعتبره السبسي أساسياً في مرحلة حكمه، لكنها تبدو معادلة صعبة للغاية، بحكم اتساع رقعة الرافضين للمصالحة في الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني. وينتظر الجميع كلمة السبسي للتونسيين، اليوم الأربعاء، وما ستحمله من مواقف بخصوص كل هذه الملفات الدقيقة والحساسة. ويبدو أن السبسي سيُعلن عن عدد من القرارات الهامة، فيما ذهب أحد مستشاريه إلى اعتبار تاريخ هذا الخطاب "فاصلا بين ما قبله وما بعده". ويضاف إلى الملفات الدقيقة والحساسة ملف استقالة رئيس هيئة الانتخابات، محمد شفيق صرصار، وعدد من أعضائها، قبل سبعة أشهر من موعد الانتخابات البلدية.

المساهمون