وبعيداً عن أصل القضية، وحقيقة اتهامات القناة "التاسعة" والمرزوقي وحزبه، لمؤسستي الرئاسة والحكومة، وضلوع شخصيات منها في الضغط على القناة لعدم بث الحوار، وبقطع النظر عن نفي المؤسستين لهذه الاتهامات، شكل منع البث في حد ذاته اختباراً مهماً للنفس الديمقراطي في تونس، وللأحزاب التونسية والمؤسسات المدنية التونسية المعنية بهذه القضية.
وتبيّن بما لا يدعو مجالاً للشك، أن غالبية هذه المنظمات والأحزاب، وأبرز منتقدي المرزوقي من الإعلاميين، انحازوا لصفّ المدافعين عن أبرز مكاسب الثورة التونسية، وهي حرية التعبير.
وتتالت على امتداد يوم أمس، بيانات الاستنكار، ودعوات التحقيق في ملابسات القضية، وكشف الأسماء التي تقف وراء الضغوطات المذكورة لعدم بث حوار الرئيس التونسي السابق. وأجمعت كلُّها على التنديد بهذه السابقة، التي وصفت بالخطيرة على المسار الديمقراطي التونسي.
وأشار الحزب "الجمهوري"، في بيان، إلى "خطورة" هذه الحادثة، لاتصالها بحرية الإعلام والتعبير التي "ضحى التونسيون في سبيلها وشكلت أهم مكسب الثورة الحرية والكرامة وضمنها دستور الجمهورية الثانية"، مطالباً بفتح تحقيق جدي في الحادثة وكشف كل ملابساتها للرأي العام، بما يضمن صيانة حرية الإعلام من كل انتكاسة أو عودة إلى مربع التوجيه والتدجين.
دعا "الجمهوري" الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري إلى "تحمل مسؤولياتها كاملة في الدفاع عن حرية وتعدد المشهد الإعلامي".
كما دعت الحكومة إلى "تأكيد تمسكها بحرية الإعلام وصيانة سائر الحريات العامة والفردية ودرء كل شبهة تدخل في هذا الموضوع والانصراف إلى معالجة القضايا المهمة والقيام بالإصلاحات التي تعهدت بإنجازها، دون تأخير".
بدوره طالب حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بـ"العزل الفوري لكل شخص تورط في هذه القضية"، مطالباً النيابة العمومية بـ"فتح تحقيق ومتابعة كل من تورط في هذه السابقة الخطيرة والتعدي الجلي على حرية الصحافة وحرية التعبير".
كما طالب هيئة الاتصال السمعي والبصري، بالتدخل السريع "احتراماً للمهام الموكلة لها في السهر على ضمان حرية الاتصال السمعي والبصري وتعدديته"، داعياً كل الأحزاب الديمقراطية وكل القوى الحية في المجتمع إلى الاتحاد ضد هذا التراجع الخطير في مكتسبات الثورة.
من جانبه، قال القيادي البارز في الجبهة الشعبية زياد الأخضر، إن هذه الحادثة "تدق ناقوس خطر" ويجب على الجميع الانتباه لها.
وأضاف اأاخضر في تصريح إذاعي أن "ما يمكن أن يحدث في هذا القطاع هي جملة انزلاقات بسيطة تؤدي إلى العودة إلى مربع الاستبداد الأول"، مطالباً "أن يكون الجميع مستعدا للدفاع عن حرية التعبير وحق التنوع والاختلاف".
من جهته، طالب النائب عن حركة "نداء تونس" عبد العزيز القطي، رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية بفتح تحقيق في حادثة منع قناة التاسعة من بث الحوار المسجل مع الرئيس السابق منصف المرزوقي، إذا ثبتت هذه الحادثة".
وقال القطي، في تصريح صحافي، إن "من الممكن أن تعقد حركة نداء تونس خلال اليومين المقبلين اجتماعاً لتدارس هذه المسألة والتحاور حولها والإعلان عن موقفها".
وكانت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، أكّدت في بيان لها، أنها "لن تسمح لأية جهة سياسية كانت، بالتعدي على جملة المكاسب التي تحققت وعلى رأسها حرية التعبير، وأنها ستجند كل طاقاتها دفاعاً عن حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام".
من جانبها، طالبت النقابة العامة للإعلام التابعة لاتحاد الشغل، الإدارة العامة لقناة التاسعة بالكشف عن أسماء الشخصيات التي تدعي أنها ضغطت عليها لمنع بث الحوار مع المرزوقي حتى يتم كشف حقيقة ما جرى.
ودعت الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري إلى لعب دورها الحقيقي بالتدخل وفتح تحقيق في الحادث مع كافة الأطراف وتحميل كل من يثبت تورطه في هذه العملية تبعات ذلك.
وكانت إدارة قناة "التاسعة"، أكّدت في بيان أصدرته أمس الخميس، "تعرضها لضغوطات من مسؤولين في رئاستي الجمهورية والحكومة، من أجل منع بث حوار مع رئيس الجمهورية السابق، المنصف المرزوقي".
ودعت القناة رئاستي الحكومة والجمهورية، إلى توضيح مدى علمهما بهذه الضغوطات، مطالبة بعض الأطراف السياسية، بعدم إقحام القناة في صراعاتها.
وأكدت أنها ستقوم ببث الحوار، في الموعد الذي تراه مناسباً لذلك.
في المقابل، قال مستشار رئيس الجمهورية، المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب والأحزاب السياسية، نور الدين بن تيشة، في تصريح إعلامي، إن "مثل هذه الاتهامات تصب في خانة البحث عن البطولات الوهمية"، وأنه يتحدى أي صحافي أو منتج من قناة التاسعة يثبت تعرضه لضغوطات من ديوان رئيس الجمهورية، بنية منع بث الحوار.